تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

زمــن للتــجدد والحـــوار!! بقلم: د. ناديا خوست

 مقدمة

أشعل الاندفاع الفظ إلى تنفيذ الخرائط التي رسمت في ثمانينات القرن الماضي حروبا جديدة للاستيلاء على منابع الغاز، وممرات الأنابيب. مستغلا لقاء الحاجات الشعبية التي لم تلبّ، والفشل الاقتصادي الذي أسسه اقتصاد السوق، والفساد، وبطالة الشباب، وغياب مشروع التنمية، والعمل الاستخباراتي الدولي الذي أنشأ مجموعات سياسية سورية خارجية، واستحواذ الصهيونية على المواقع الاوروبية. هزّ هذا الاقتحام العسكري المفاهيم، والمنظومات القديمة، وعمل فيه مشروع تكفيري مسلح ينفذ المشروع السياسي والاقتصادي الصهيوني الأمريكي، وظف البربرية الوحشية لقهر مؤسسة الدولة وسحق البنية الاجتماعية والعقل الإنساني. ورسم دولة نفطية تنهب ثروة العراق وسورية وتتحكم في المياه والسدود وفي مواقع التراث الحضاري. استغل في الحرب على سورية غياب السياسيين العرب عن الوعي، وحقدهم الشخصي على الدول القومية ذات العمق الحضاري، وحماستهم في مشروع التدمير الشامل، وجناحا فلسطينيا مرتزقا ينجز تهجير سكان المخيمات لإسقاط حق العودة. ليصبح المرفوض مبدئيا حلماً تتلقفه "المساعدة الإنسانية". فتتقاسم الشعب المهجر السويد وألمانيا وبلاد أخرى، سيكون فيها المهجرون قوة عاملة رخيصة، أفرادا دون وطن، فقدوا جنسيتهم الأصلية. كم عدد المسيحيين الذين فقدهم العراق وسورية كمكوّن أصيل من مكونات الحضارات السورية والعراقية؟ وكم عدد الفلسطينيين الذين فقدوا حقهم في العودة؟          

مع الباحثين الضيوف

لبحث هذه المسائل، استضاف المجلس الوطني للإعلام الباحثين العرب: الدكتورة حياة حويك، والدكتور ابراهيم علوش، والأستاذ سعود قبيلات رئيس تحرير مجلة أفكار. وحاورهم في ندوة وورشة عمل، وفي ندوة أخرى نظمتها اللجنة الشعبية السورية لدعم الانتفاضة ومقاومة المشروع الصهيوني شاركت فيها الدكتورة حياة حويك والدكتور ابراهيم علوش. حضر الندوتين إعلاميون وسياسيون وممثلو منظمات، وتابع الإعلام السوري ذلك النشاط بشكل واسع.

تناولت الندوة وورشة العمل التي نظمها المجلس دور الإعلام في مقاومة الفكر التكفيري، وإضاءة بعض المفاهيم، وآفاق الخروج من الحروب المعلنة على المنطقة العربية بجيوش تكفيرية. جمع المحاضرين التوجس من مشروع تدمير الدول واختراق السيادة الوطنية، والأمل بأن تكسر سورية ذلك المشروع. وتميزوا بمتابعتهم الأحداث والدراسات المنشورة عنها، وبالقدرة على الاجتهاد والتحليل. ولذلك حضرت مسألة تنوع العرض والاجتهاد بتنوع المنظومة الفكرية والرؤية، وتجلت في الحوار. لكنهم لم يعرضوا معارف ومعلومات فقط، بل أمتعونا بأدائهم المكتوب والشفوي وبحوارهم، مجسدين تنور الفكر، وصلابة الروح، ونقاء هواجس الضمير. وأباحوا لنا قراءة خلجة القلب. وعبر عن ذلك الأستاذ سعود قبيلات بفرحه لأنه شاهد دمشق أكثر هدوءا من دمشق التي سمع فيها صوت القذائف في السنة الماضية.

في الندوتين، بدا لنا أن المحاضرين ساروا إلى الهدف نفسه على دروب متنوعة. رأى الدكتور ابراهيم علوش أن الدولة القومية هي القادرة على مواجهة مشروع تقسيم المنطقة إلى معازل إثنية وطائفية. وأن الأمن القومي العربي ونجاة القضية الفلسطينية تشترط تماسك الدولة والحريات العامة ونظافة المجتمع من الفساد. ورأت الدكتورة حياة حويك أن الدولة القومية ذات المشروع الاجتماعي الذي يشترط الحريات الفردية هي القادرة على مواجهة مشروع أمن إسرائيل بتقسيم البلاد العربية إلى دويلات مذهبية. عرض المحاضرون ذلك الفكر الواضح بلغة جميلة، بفصحى دقيقة المفردات، ونطق أدى بلاغتها الجمالية. 

تناولت ورشة العمل التي خصت بها الدكتورة حياة حويك، كمختصة إعلامية، وأدارها الدكتور فؤاد شربجي، التعبير الإعلامي عن الأحداث. وارتقت إلى مستوى البوح الذي ينطلق من تداخل الايديولوجيات بالروح. ولاحظنا أن المشروع السياسي والإعلامي لاينفصل في صخب الحرب عن العواطف، ويصبح قضية شخصية. وذلك مايعقد الأحداث نفسها ويجعلها صداما عاطفيا بمقدار ماهي صدام بين مقاومة وطنية وتدخل استعماري. وتجلى ذلك في الأسئلة والتساؤلات، في الحرارة العجولة التي تتوجس من أثر الخلل على مسار الحدث، وفي تأمل المحلل. ولكن هل يوجد يقين في ظروف متحركة تتميز بشراسة التدخل، وبموقع سورية في قلب الصدام بين الغرب الذي يصر على تدمير الدولة بأدوات ذات لبوس إسلامي، وبين قوى اجتماعية واقتصادية عالمية تريد حماية السيادة الوطنية وتأسيس العلاقات على القانون الدولي!

شهدت الندوتان وورشة العمل أن أي نشاط مهما كان موضوعه لابد أن يعكس صخب الصدام الذي يعصف بالمفاهيم وأساليب العمل. وعلى المسافة بين حاجات المواجهة الكبرى وبين المؤهلات التي لم تكتسب بعد. وضرورة إغناء الإعلام بالكفاءات الوطنية ذات الرؤى السياسية المتنوعة.

في المنعطفات الكبرى يواجه الناس والمؤسسات تغير المفاهيم. ويحتاج جلوها حيوية الرؤية والسلوك. وبحث علاقة البنية وأساليب العمل بمسائل الزمن. ومواجهة العجز عن التأقلم مع زمن جديد الذي يتصور أن وجوده مرتبط بالأطر القديمة. ولو زاد بهذا من تعقد الوضع العام واستغلال التدخل الخارجي.

نتيجة

أشعرتنا اللقاءات بالباحثين الضيوف، بأن المجلس الوطني للإعلام يستطيع التنبيه إلى ضرورة ستراتيجية تفيد من الكفاءات العربية. فقد انفتح أمامنا في الندوتين الحواريتين والورشة فكر متجدد لايغلق على نفسه قوقعة اليقين بأنه كامل عارف ولا ضرورة للتغيير والتغير. لا يتفادى الأسئلة في مواجهة عدو ينوّع التكتيك في الهجوم ويجب أن يقابل بحيوية قادرة على استنباط أساليب جديدة. فالمشروع الوطني وثوابته الكبرى تفقد السحر إذا لم يتناولها دائما فكر واسع يتبين تجلياتها وسط أحداث متحركة، ويسندها علميا بتحليل المعلومات الخفية والمعلنة. ولايغيب عنه لحظة أن كسب الناس شرط وأنه لابد من الاعتراف بأن ثقافة روافد المقاومة الوطنية ورؤيتها تتفوق أحيانا علينا بسعتها وحيويتها وبأنها تطال مجالات نهملها أو لانبالي بها. أليس من الغريب أن يلاحظ السيد رئيس الجمهورية ضرورة مواجهة الفكر التكفيري والحاجة إلى حيوية المؤسسات، ولا تلاحظ ذلك المؤسسات السياسية والثقافية والعلمية! ألا يوحي الافتقار إلى الحيوية أن أسلوب العمل أصبح عادة أخلاقية مزمنة، وموقفا فكريا لايكفي التوجيه والجهد الجماعي لتغييره بل لابد من قناعة فكرية وعمل فردي لتحريكه، كي تستطيع البنية السورية السياسية والفكرية مواجهة الخسائر التي أنزلتها الحرب بالبنية الإنسانية والمادية!

في السياق، ذكرتنا استضافة الزملاء ببعض أهداف الحرب الخفية. فحصار الشعوب المتمردة يدفعها إلى قوقعة تقطع عنها المعلومات، وتستولد الانكفاء والتقشف الفكري. ومن شروط الرد الانفتاح على العالم المتنور الذي يقاوم مشروع الحرب الاستعمارية. والإفادة من المتنورين العرب واحتضانهم. وتوسيع الصلة بالعالم غير الاستعماري. وقد أفادت الدولة العربية سنة 1920 من المختصين العرب، فكان اللبنانيون والفلسطينيون يحاضرون في كلية الحقوق السورية. وعمل في الجيش السوري ضباط عراقيون.

من مقاييس نجاح الندوات عادة ما تثيره من مسائل. وبهذا المعيار كان اللقاء بالضيوف الباحثين مثمرا جدا. كشف سعة التنوع تحت سقف المشروع الوطني وعداوة الصهيونية التي يجسدها الدفاع عن بنية الدولة، وضرورة السعي الذي لا يهدأ إلى المعلومات.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.