تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الصناعة الإعلامية المدهشة لصورة «داعش»؟



ثلاثة أمور بارزة تُلفت الانتباه إلى صورة ما يُسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المرسومة إعلامياً بدقة وإتقان... ما هذه الأمور؟
الأول منها: ما صورته «داعش» عن نفسها، أو ما تم تصويره بوعي وسابق إصرار لإنتاج صورتها في الغرب بشكل عام.
الثاني: صعود «داعش» في سياقها التاريخي وأسبابه الموضوعية والذاتية.
أما الثالث: فيتعلق بمستقبل «داعش» وخاصة مع قيام ما يُطلق عليه التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة، بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي /2170/ في الخامس عشر من شهر آب /2014/ الذي يقضي بوقف مصادر تمويلها وإمدادها، وتجريم التعاون معها وملاحقتها، علماً بأن هذا القرار صدر ضمن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص باستخدام العقوبات الدولية كلها، وصولاً إلى استخدام القوة المسلحة.
إن صعود «داعش» بهذه السرعة الخاطفة وسيطرتها على حوالي 1/4 أراضي العراق و1/4 أراضي سورية،واستحواذ صورتها المخيفة على المخيلة الغربية بشأن الإرهاب الإسلامي أثار الفزع والرعب لدرجة غير مسبوقة، قياساً بإرهاب القاعدة بقيادة (بن لادن) وخلفه (الظواهري)، هذا الصعود يثير أسئلة كثيرة أهمها السؤال التالي:
هل صناعة صورة داعش وقبلها القاعدة تعطي المُسوِّغ السياسي والاجتماعي والعسكري لمواجهة ما سُمّي بالإسلامفوبيا (الرهاب من الإسلام)، وذلك تحت عنوان مكافحة الإرهاب الدولي، الذي سبق أن قاد إلى احتلال أفغانستان عام /2001/ ثم العراق عام /2003/؟
لا شك بأن تعميم تلك الصورة لداعش يهدف إلى حجب تطلع الشعوب العربية والإسلامية إلى حياة آمنة ومستقرة، وتحقيق التنمية والعدالة أسوةً بشعوب العالم.
أثناء الحرب الباردة ركّز الغرب في حربه الأيديولوجية ضد الاتحاد السوفياتي السابق، على مقولة «مواجهة الخطر الشيوعي»، وفي فترة صعود داعش، يركز الغرب على مواجهة ما يسميه «الخطر الإسلامي»، وفي هذا السياق انبرى الكثيرون من أساتذة جامعات وخبراء وصحافيين للتحذير من هذا الخطر المزعوم.
استناداً إلى ما تقدم، ليس عبثاً كما ذكر د.«فوّاز جرجس» في كتابه (القاعدة: الصعود والأفول) الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت عام /2012/ أن تظهر /1271/ منظمة حكومية و200 شركة خاصة تعمل على مكافحة الإرهاب الدولي في (عشرة آلاف) موقع في الولايات المتحدة يعمل فيها 854000 شخص على الأقل. وكل ذلك لتحقيق هدف مرسوم يتلخص في محاولة (شيطنة الإسلام) وإخافة الغرب من الإرهاب، واتخاذ ذلك حجة للهيمنة على المنطقة العربية واستمرار نهب خيراتها وتعزيز الحماية لأمن إسرائيل.
وهذا الهدف الغربي، أي شيطنة الإسلام، له إطار ثقافي سابق تجسد بما سماه «فوكوياما» (بنهاية التاريخ) و«صموئيل هنتنغتون» (بصدام الحضارات)، بمعنى آخر، هناك معسكران، معسكر الخير والتقدم والسلام، ومعسكر الشرّ والتخلف والعنف، وليس هناك مهربٌ من المواجهة بينهما!! وجاء بعد ذلك شعار الرئيس (بوش الابن): من ليس معنا فهو ضدنا!
هناك جانب آخر يضاف إلى الجانب الأيديولوجي في (صناعة صورة داعش) اليوم وهو(الجانب التجاري)، حيث تتحول هذه الصورة إلى (بيزنس)، أي تجارة تستفيد منها شركات أميركية وغربية في مجال إعادة إعمار ما دمرته داعش، والاستثمار في حقول التعليم والإعلام في مواجهة ما يسمى «الخطر الإسلامي». وبذلك يختلط الأيديولوجي بالدعائي بالتجاري، والاقتصادي والتربوي بالنفسي، لخلق صورة الإرهاب بالشكل الذي يريده الغرب على شاكلة داعش التي تجزّ الرقاب وتقطع الرؤوس لتكريس الصورة المرعبة عن الإسلام.
إن صورة داعش قد صُنعت في الموصل على الأرض، وخاصة عندما صعد (البغدادي) على منصة الخطاب بهدوءٍ واتزان ليلقي خطاباً يعلن فيه إقامة دولة الخلافة، صورة (البغدادي) في جامعة النوري بالموصل، يقف خلفها خبراء ومحترفون وفنّيون في تقنيات التواصل والإعلام وعلم النفس، ولاسيما فيما يتعلق بالرسائل المشفرة المرسلة عبرها والملتقطة إعلامياً ونفسياً واجتماعياً وعسكرياً في جوانبها السياسية والطائفية والدينية، وكذلك ظهر الاهتمام الكبير بالصورة المتعلقة بظهور البغدادي والموكب المهيب الذي رافقه عند الحضور والمغادرة والشباب المحتشد في الجامع لسماع خطابه... كل ذلك، صُنع دولياً وبتقنية عالية لإبراز صورة يراد تثبيتها في الأذهان كقدرة لا حدود لها على التحدي والرعب. هذا كله، ناهيك عن الأبعاد النفسية لرسائل داعش الصادرة عن احتلال الموصل وما تبع ذلك من مشاهد الذبح والتهجير الجماعي والاستباحات اللاإنسانية، وإجبار أتباع الديانات الأخرى على الأسلمة أو دفع الجزية أو الرحيل.
ولكن الأسئلة التي تبقى محيرة، من أين جاءت داعش بكل هذه الإمكانات العلمية والتقنية والسيكولوجية والسياسية الهائلة، في الوقت الذي ترتكب فيه كل ما يخالف القانون والشرع والأخلاق الإنسانية؟!
كيف يمكن لداعش أن تحتقر الحياة وتستصغرها إلى هذا الحد وتغسل الأدمغة، وتدمر قيم الإسلام السمحاء وتعاليمه ذات البعد الإنساني؟
باختصار، إن صورة داعش المرسومة والمسوَّقة غربياً، تستهدف الإساءة إلى المنطقة العربية والإسلام وإعطاء انطباع سيئ عنهما وغير حضاري بغية استخدام ذلك من الغرب كمبرر للتدخل في دولها وفرض المزيد من الهيمنة على إرادات ومقدرات الشعوب.
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                          صياح عزام


إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.