تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

سوريون يكتبون : هلوسة فكرية : السيد الوزير...

 

حدثنا أبو قدوسة عن بعض أيامه المنحوسة .. قال : كنت أسير مع المرحوم غسان الشريف وهو صديق من البوكمال متجهين إلى ساحة الشهبندر ، كان ذلك عام 1969 والشمس في بداية غروبها وأمامنا مجلس الوزراء القديم .

رأيت شاباً يسير بسرعة ويتقدم إلينا مبتسماً وصافح غسان الشريف بحرارة ، وصافحني بابتسامة مؤدبة ، كان أليف الوجه أنيق الملبس فيه لهفة وحنو ، قدمه إلي غسان قائلاً : الأخ أحمد اسكندر أحمد ، الغريب أنني لا أزال أذكر ذلك المشهد وكأنه حدث في الأمس ، قال لي غسان أنه يعرف الأستاذ أحمد اسكندر من خلال زوج أخته حيث أن شخصاً من بيت معروف يقطن البوكمال كان متزوجاً من أخت أحمد ، وكون غسان وأحمد بعثيان فقد أصبحا صديقين .

قال لي غسان أن أحمد اسكندر يعمل في جريدة البعث وهو المسؤول عن الصفحة الثقافية ، فهو أديب وشاعر وكاتب قصة قصيرة وقد طرد من القاهرة بعد الثامن من آذار مع كثير من البعثيين من مصر حيث كان يدرس هناك مبعوثاً من سورية ، لأنه كان من الأوائل في الثانوية العامة في سورية بعد ذلك عُينَ في سانا وكالة الأنباء العامة السورية ، وتدرج فيها حتى أصبح سكرتيراً للتحرير ثم أرسل لإتباع دورة في ألمانيا الديمقراطية لمدة 6 أشهر وبعد أن عاد نقل من سانا إلى مؤسسة الإعلان لأنه لم يكن مع حركة 23 شباط بعدها ذهب إلى خدمة العلم .
بعد الحركة التصحيحية كتب في جريدة البعث زاوية يومية على الصفحة الأولى ، وفي عام 1971 أصبح رئيساً للتحرير في جريدة الثورة ، وبعد عام أصبح مديراً عاماً لمؤسسة الوحدة ورئيساً لتحرير جريدة الثورة ، في هذين العامين تعرفنا على بعض أكثر من خلال وجودنا في نفس الفرقة الحزبية وكانت أفكارنا تتلاقى حول معظم الموضوعات المطروحة ، وكنت أزوره في جريدة الثورة مساءً حيث كنت حينها محرراً في جريدة الاشتراك ، ثم جمعنا المكتب التنفيذي لنقابة الصحافة .

عزز وجودنا في النقابة سويةً أواصر الصداقة فيما بيننا ، إضافة إلى ذلك فقد جمعنا السفر عدة مرات القاهرة وبغداد والجزائر ويوغسلافيا وفرنسا وإيطاليا ، كما اجتمعت معه في أواخر أيامه في لندن ، أسوق هذا الكلام لأنه صديق عزيز فقدته جسداً لكنه بقي معي منذ وفاته حيث تحل الذكرى الحادي والثلاثين لوفاته في 28 كانون الأول عام 1983 .

جمعني وإياه السفر والعمل في عام 1974 حيث سافرت معه إلى كوريا الديمقراطية مع الرئيس الراحل حافظ الأسد وكنت يومها محرراً في مجلة جيش الشعب أؤدي الخدمة الإلزامية وفي العودة من كوريا طلب أحمد من الرئيس حافظ الأسد يومها أن يفرز الأستاذ علي سليمان من المكتب الصحفي لرئيس الجمهورية وأبو قدوسة من مجلة جيش الشعب إلى مؤسسة الوحدة ليكون السيد علي سليمان مديراً عاماً لمؤسسة الوحدة ورئيساَ لتحرير جريدة الثورة وأبو قدوسة سكرتيراً للتحرير وكان يومها قد أصبح وزيراً .

في جريدة الثورة عملت سكرتيراً للتحرير وحدثت مشكلة بيني وبين رئيس التحرير وجاء مساءً إلى الجريدة ليصلح بيننا وأصلح ، في نهاية 1975 - أنهيت خدمتي الإلزامية في 1\1\1976 – ذهبت إليه في وزارة الإعلام ، وقلت له : إن السيد علي سليمان رئيس التحرير هو محمد حسنين هيكل لكنني لم أعد أستطيع تحمل العمل وإياه لذلك سأذهب بعد انتهاء الخدمة الإلزامية إلى اتحاد الصحافيين السوريين حيث كنت مفرغاً كأمين للسر ، يومها ابتسم ولم يقل أي شيء ، فذهبت إلى اتحاد الصحافيين .

في تشرين الأول اتصل بي قائلاً : تعال لنشرب القهوة ، ذهبت إليه فكان كعادته مبتسماً ، وكأنه يخفي شيئاً لأنك تستطيع أن تقرأ وجهه بسهولة من خلال عينيه وابتسامته ، وعلى مدى ثلاثة عشر عاماً من التعامل اليومي لم ألقط عليه ومنه أي كذبة فكان صادقاً في كل ما يقول ، جلست فقال لي : أريدك لمهمة ، توجست وقلقت ، لاحظ ذلك فسكت قليلاً ثم قال أريدك مديراً للتلفزيون السوري ، قلت له : أنا صحافي وأحب مهنتي ولا أريد العمل بالإدارة ، قال : هي فترة وإن لم تعجبك فاترك لكننا بحاجة إلى مدير للتلفزيون ، قلت له : حسناً .

بعد عام من وجودي مديراً للتلفزيون جاءني كتاب سري من المدير العام الأستاذ أحمد حلواني ، وهو صديق عزيز وكنا قد ودعناه في الأمس ليذهب إلى يوغسلافيا لحضور المؤتمر العالمي لاتحاد الإذاعات ، في اليوم التالي جاءني الكتاب السري وفيه يقول : يطلب إليكم عدم إظهار أي شخص على الشاشة دون موافقتنا ، فقلت : ما هذا الكتاب السري الذي طبعه الطابع وسجل في الديوان ، إنه ليس سريا .

فقدمت استقالتي وقد كنت أميل لو أن الأستاذ أحمد حلواني قال لي : يا أبا قدوسة أنت جديد على التلفزيون ، وهناك أناس لنا منهم موقف في السياسة أو المهنة ، كنت حينها سآخذ بقوله ولا أظهر هذا أو ذاك .
وكون قرار تعييني من الوزير فقد قدمت الاستقالة لأحمد اسكندر حيث حفظها عنده ولم يكلمني وجاءني الأستاذ خضر عمران مدير الإذاعة ليقول لي : ما هذا الذي فعلت !! عادةً ينهى تكليف المدير وأول مرة يستقيل لسبب ليس قوياً ولا مزعجاً .

المهم بعد شهر قام السادات بزيارة القدس وقامت المسيرات وحدث خطأ في نقل إحدى المسيرات وحمل المدير العام المسؤولية وأنهوا تكليفه ، وقال لي الأستاذ أحمد : سأكلفك بالإدارة العامة للإذاعة والتلفزيون ، وقلت له : أخي عندما تتدهور الحياة لدى الصحفي يصبح مديراً ، وأنا لا أريد ذلك سأرجع إلى الصحافة ، قال لي يومها : انتظر شهرين حتى نغطي إعلامياً البيعة الثانية للرئيس الراحل حافظ الأسد ، قبلت ذلك وغطيت المناسبة بطريقة جديدة ومهنية ولم تكن ثقيلة على المشاهد .

باختصار كان صديقاً عزيزاً ومخلصاً وحميمياً وحنوناً وبليغاً ، فقد كان في الاجتماعات السياسية التي نحضرها حيث كان عبد الحليم خدام وزيراً للخارجية يتحدث فيها وكان ما يقوله في نصف ساعة يلخصه أبو رباب ( أحمد اسكندر ) بدقيقتين .

توفي في مثل هذا اليوم وبعدها لم أعد أطيق البقاء في الإذاعة والتلفزيون .

وللحديث صلة ..

 

                                                                                               فؤاد بلاط


إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.