تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

فرنسا بين عقدة يالطا والقصف الفاشل من السماء

مصدر الصورة
موقع رأي اليوم

رولا زين

يصر الرئيس الفرنسي هولاند على لفظ “داش” عوضاً عن داعش في حديثه عن تنظيم الدولة الإسلامية ليس لأن حرف العين غير موجود في الأبجدية اللاتينية

وإنما لأن أحد مستشاريه أوعز له بأن النطق بكلمة “دايش” هو شتيمة باللغة العربية ويفضل اختصار الياء.

وما زلت أبحث عن مرادف لتلك “المسبة” باللغة العربية أو العامية لأتفهم نصيحة المستشار لرئيسه، إلى أن خلصت بأن الأمر ينسجم مع التخبط الفرنسي في السياسة الخارجية إزاء أزمات المنطقة وخاصة سوريا ،ولم تعد المسألة متوقفة عند ديش داش أو دايش !

فبعد أن كرر هولاند أن الطائرات الفرنسية  تشارك في قصف داعش في العراق بدعوة ً  من الحكومة العراقية  وأن فرنسا لن تتدخل وتوسع ضرباتها إلى الأراضي السورية  “لأن الأمر ليس كذلك ” أي لم نتلق دعوة  ،ولأن فرنسا لا تحيد قيد أنملة عن الشرعية الدولية ولها الفخر في ذلك ، وإذ به بعد أن أعلن في الثامن من سبتمبر عن طلعات استطلاعية  في سماء سوريا يقرر توسيع الانخراط العسكري إلى سوريا ليشمل القصف من السماء.

وفي الجلسة الاستثنائية التي انعقدت حول سوريا في الجمعية الوطنية  ـ البرلمان ـ  تقمص رئيس الحكومة مانويل فالس ً شخصية جورج بوش جونيور وفنّد أهداف وأسباب هذا التحول مدعياً أنه مشروع ويستند إلى القرار51 في الأمم المتحدة المتعلق بمكافحة الإرهاب .

وبعد أن استهل حديثه عن الفوضى التي تعم أرجاء سوريا وأن داعش يهدد الإستقرار في الشرق الأوسط خلص إلى أن داعش يهدد الأمن والإستقرار في فرنسا وأن العمليات الإرهابية التي تخطط ضد فرنسا ومواطنيها  تنطلق من  قيادة داعش  في سوريا .

وأصر فالس على استقلالية القرار الفرنسي في اختيار االأجواء  السورية والأهداف التي سيتم قصفها من قبل الطيران الفرنسي دون التنسيق أوأخذ الموافقة من أحد.

يحق لنا وسط هذا التصعيد الكلامي المقرون بالأفعال  التساؤل عن هذا الحماس المفاجئ لفرنسا في توسيع عملياتها ،الفاشلة أصلاً في العراق ضد داعش في إلى سوريا، وتراجع رئيسها عن التمسك بالشرعية الدولية  وقرارات الأمم المتحدة . وهناك عدة تفسيرات ولكن أبرزها هو اتخاذ فرنسا لهذا القرار بعد كشف بريطانيا عن قيامها باستهداف جهاديين يحملون الجنسية البريطانية في  مدينة الرقة وقتلهما في أواخر الشهر الماضي  لأنهم كانوا يحضرون لهجمات في بريطانيا. ورغم الجدل القائم حالياً في بريطانيا حول هذا الموضوع من الناحية القانونية خاصة وأن البرلمان البريطاني رفض التدخل عسكريا في سوريا في سبتمبر من العام الماضي. سارعت باريس إلى حجز مساحة لها في الأجواء السورية ملوحة بالدفاع عن أمنها القومي. وهنا لا بد من العودة إلى التاريخ الحديث أو “عقدة يالطا” في الذهنية الفرنسية، عندما استبعد الحلفاء  المنتصرون في الحرب العالمية الثانية ، روسيا وبريطانيا وأمريكا ، فرنسا من الصورة  والمؤتمر الذي تقاسم فيه ستالين وتشرشل وروزفلت  العالم بعد هزيمة ألمانيا، ولولا إصرار الجنرال دوغول على الحضور لما دعيت فرنسا كضيف ولحقت بالركب. هولاند على يقين  بأن حلآ ما سيفرضه الروس  بالإتفاق مع الأمريكان بخصوص سوريا، ومبادرات الحل على الطاولة ايرانية وروسية وسورية، وفرنسا  التي راهنت منذ البداية على سقوط “النظام” وأرسلت الخبراء الذين تعدوا المائتي خبير باعتراف نوابها ومسؤوليها لدعم ” الثوار المعتدلين ” في غرف قيادات الموك الممولة بالمال الخليجي، شمال وجنوب سوريا  ليست مبادرة في شئ الآن. وهي لن تواجه روسيا على الأرض السورية  وتعرف ضمناً أن الولايات المتحدة الأمريكية دخلت مرحلة التحضير للانتخابات الرئاسية  بعد أن  خذلتها  حكومة أوباما مرات عديدة  في الملف السوري. لذلك كان لا بد لها من حجز مقعد  حول طاولة المفاوضات السورية كي لا تستجدي نصف مقعد بعد فوات الأوان  فما من دوغول هذه المرة لا في صفوف اليمين ولا اليسار، ساركوزي شن حرباً على ليبيا لتدمير ليبيا وهولاند يتباكى على حرب لم يشنها على سوريا ، ومن يقول سوريا يعني أيضاً  لبنان  لا من حيث التبعية وإنما من منطلق الجغرافيا  والجيوستراتيجيا وهذا ما دفع وزير الدفاع الفرنسي جان ايفل ودريان للحديث عن مناورات للبحرية الروسية قبالة لبنان ولم يقل قبالة الساحل السوري ليبرر للرأي العام الفرنسي ضرورة  الإنخراط الأكبر في سوريا حفاظاً على التواجد الفرنسي في لبنان  فهذا البلد يدغدغ مشاعر الفرنسيين، ولا بأس إن كان مسيحيوه، حلفاء الأمس، لا يراهنون قيد أنملة على الدور الفرنسي وهم اليوم في خندق واحد مع الشرعية السورية.. لا بد  لفرنسا أن تظهر  في الصورة هذه المرة  وعلى المقعد الكبير إلى جانب تشرشيل أوحتى  ستالين ولم لا،  لتمحو من الأذهان صورة مقعد يالطا الشاغر من علمها.. لذلك يجب الإنخراط الكامل صوريا ً وتكرار التصريحات بأن باريس تتحاور مع الروس وبوتين لإقناعه برحيل الأسد، هذا الكلام للرأي العام الفرنسي والإستهلاك المحلي  أما المرحلة القادمة بعد فشل الضربات الجوية ضد داعش في سوريا  فستكون عملية التكويع التدريجي  وحفظ ماء الوجه  قد قطعت شوطاً هاماً  ليخلص القرار الفرنسي إلى جملة قالها النائب فبليب فوليو من حزب الوسط  بأن الخيار بين داعش والأسد يكون أن “الأول يشن حرباً علينا فيما لم يعلن الأسد الحرب على فرنسا”.

كاتبة سورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.