تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

تواجد روسيا في سوريا يشكل أولوية أمنها القومي

مصدر الصورة
محطة أخبار سورية

                                                                                                                             محمد تيمور  –كاتب وإعلامي

قلبت روسيا الموازين السورية والإقليمية بوجودها العسكري المعلن على الساحل السوري، بعد أن أصبحت التوازنات الإقليمية القائمة طوال الشهور الأخيرة لا وجود لها بعدما  أغلق الوجود العسكري الروسي في سوريا فصلاً مهماً امتد في المنطقة خلال العقد المنصرم، ومن الآن فصاعداً، لم تعد الصراعات المحلية في ساحات الصراعات بالمنطقة حكراً على القوى الإقليمية الثلاث إيران والسعودية وتركيا، حيث يترسخ البعد الدولي للصراعات المحلية بصورة أكثر كثافة، وهي خالصة سياسية تفيض على حدود الجغرافيا السورية والصراعات فيها وعليها، خاصة بعد أن تطورت الأمور باتجاه الاتفاق الأميركي ـ التركي في تموز من هذا العام، والذي سمح لأميركا باستخدام «قاعدة إنجيرليك» لمقاتلة تنظيم «داعش»، وهو تطور نوعي لافت.

وبدت موسكو غير واثقة من أن استخدام القوات الأميركية لهذه القاعدة سيخصص حصرياً لمقاتلة تنظيم داعش، وإنما قد يمتد إلى تكرار السابقة الليبية في سوريا وانفلاش التنظيمات الإرهابية عبر الحدود. كما أن القرب الروسي الجغرافي من المشرق العربي، والانخراط المعلن لفصائل جهادية متحدرة من الشيشان وجمهوريات آسيا الوسطى السوفياتية سابقاً في التنظيمات الإرهابية المقاتلة على الأرض السورية، يشكل تهديداً مباشراً لروسيا عند ارتداده إلى الأراضي الروسية، هنا تختلف الحسابات الروسية عن مثيلاتها الأميركية في تقييمها لخطر داعش وأخواتها.

من ناحية أخرى لعل لقاء الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز والرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض والتصريحات الثنائية بخصوص سوريا قد قرع أجراس الإنذار مدوية في الكرملين، بعده جاء تحليق الطيران الروسي في الأجواء السورية، ومع مراجعة التسلسل الزمني للأحداث وأيضا ومع تسليط الضوء على التطورات السورية تطلب الآمر لروسيا بالحفاظ على مصالحها وراء البحار عموماً، وفي جوارها الجغرافي المباشر خصوصاً لضرورة إيجاد موطئ قدم لها في الصراعات الدائرة بالمناطق الجغرافية المحيطة بها، والتي تشكل أولوية أمنها القومي.

عند الرجوع للتاريخ القريب حدث ذلك في أوسيتيا الجنوبية وفي أبخازيا قبل سبع سنوات، ثم عاد وتكرر في شبه جزيرة القرم، وعندها ضمت روسيا شبه جزيرة القرم إليها، حيث يؤمن ذلك الضم «قاعدة سيفاستوبول» - المطل لروسيا الوحيد على المياه الدافئة في البحر الأسود ـ ما يمكن روسيا لوجستياً من الوصول لاحقاً إلى البحر الأبيض المتوسط والمياه الدافئة وذلك مع الأخذ بالاعتبارات الهامة  في الحسابات الروسية الداخلية، وضمن هذا السياق الأوسع يمكن رؤية الوجود العسكري الروسي المتزايد في سوريا ودعم القوات الموالية للنظام هناك، ومؤشرات  الأمر الراهن تدل على البقاء طويل عابر، لأن حجم ونوعية العتاد الروسي في اللاذقية وقابليته للتوسع كيفياً ونوعياً بل يشير التموضع  أن طبيعة العتاد العسكري ونوعيته وجنوده والتحصن والتمكن من اللاذقية وطرطوس على الساحل السوري له دلالة بما يؤمن لروسيا إطلالة ممتازة على شرق البحر الأبيض المتوسط، وموقعاً استراتيجي في التأثير على موازين القوى بالمشرق العربي والمنطقة.

وبالنظر أيضا إلى التاريخ القريب نرى على مدار السنوات الماضية السياسة الأميركية في جورجيا والقرم وأوكرانيا إلا انه روسيا فرضت إرادتها العسكرية في ساحات المواجهة وأن الثمن كان عقوبات اقتصادية لا ترقى في شدتها إلى المكاسب الجيو ـ سياسية التي حققتها موسكو.

واليوم تحتاج موسكو إلى مناطق اهتمام مشترك مع واشنطن لخوض حوار معها حول جوارها الجغرافي من موقع الند والمقايض في المقابل تحتاج واشنطن إلى روسيا وإيران والقوات الموالية للنظام للوصول إلى حل سياسي تفاوضي في سوريا.

وهنا تقدمت روسيا أكثر نحو تغليب منطقها الجيو ـ سياسي، وامتلكت ورقة مقايضة ممتازة في مواجهة الغرب وتدخلاته في فناء روسيا الخلفي. لذلك، فإن وجود روسيا المستجد في سوريا، بهذا الاتساع، يوفر الأرضية المناسبة للتفاوض حول سوريا مع واشنطن، ويمكّن موسكو من حفظ وجود مستدام في شرق المتوسط والمشرق العربي حال فشل المفاوضات مع واشنطن على الملف السوري وعبره إلى باقي الملفات المهمة لروسيا ،على الأغلب سيكون النظام السوري مرتاحاً أكثر عند الدخول في مفاوضات سياسية الآن بعد التدخل الروسي، لأنه سيضمن استمرار سيطرته على مناطقه المفضلة وهي المناطق الممتدة من الساحل إلى دمشق عبر حمص وحماة والتي تؤيدها كل من روسيا وإيران، وذلك ما يعزز المركز التفاوضي لموسكو حيال واشنطن في ملفات المقايضة المختلفة ضمن مفاوضات الوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية، وذلك وفقاً لمنطق إدارة الصراعات الجيو ـ سياسية بين واشنطن وموسكو ربما تكون الخطوة الروسية مقدمة لحل سياسي في سوريا، لكن ضمن إطار ترسيخ البعد الدولي للصراعات المحلية وإنهاء احتكار القوى الإقليمية لإدارتها هذه التداعيات والتحليلات تفسّر حجم المعادلة التي بدأت ترتسم على ا رض السورية.

وبعد أن أصبح من الممكن أن تستخدم عتبات الكرملين مع المنسّق الصيني يتضح الدور الروسي الممنهج على الأرض السورية والجادّ في هذه المعادلة ليرسم حزام أمان يحمي سورية من قلب الكرملين، ولكن وبضرورة النظر إلى الموقف الغربي تجاه التطورات والأحداث الجارية نلاحظ في ذات الوقت أعلان باريس، على لسان وزير خارجيتها لوران فابيوس، أنّ «تنحّي الأسد لا يمكن أن يبقى مطلباً مطلقاً لا يقبل التغيير».

وقال فابيوس، في مقابلة مع صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية و«لا تريبون دو جنيف» السويسرية و«إل بايس» الاسبانية و«لا ريبوبليكا» الايطالية و«لو سوار» البلجيكية، إنّ بلاده لن تطالب برحيل الأسد كشرط مسبق لمحادثات السلام. ونقلت الصحيفة الفرنسية عن فابيوس قوله: «إذا اشترطنا أن يتنحّى الأسد حتى قبل أن تبدأ المفاوضات، فلن نحقق الكثير».

وأضاف أن بلاده تعتقد أنّ الحل الدبلوماسي سيتطلب تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم عناصر من حكومة الأسد «لتجنب تكرار الانهيار الذي حدث في العراق».

وفي سياق آخر، أكد نائب وزير الخارجية الروسي، غينادي غاتيلوف، أن موسكو تدعو إلى بدء حوار سياسي عاجل بين الأطراف السورية المتنازعة .

في ذات الوقت أوضح المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا مستمر في خطته لإطلاق حوار «سوري ــ سوري» يتضمن تشكيل أربع مجموعات عمل في قطاعات مختلفة، معتبراً أن «الجزء السياسي يملك معنى جدياً جداً، وإضافة قائلاً: «نحن نؤيد ما عرضه دي ميستورا، ونتعاون معه، وجاهزون للاستمرار في العمل معاً».

في السياق، عيّنت الأمم المتحدة رؤساء أربع مجموعات عمل بشأن سوريا ستجتمع في جنيف، في خطوة باتجاه إجراء محادثات متوقعة حول سبل تنفيذ خارطة طريق لإحلال السلام.

وقال دي ميستورا في بيان «نأمل أن يمهد عملها (المجموعات الأربع) الساحة أمام اتفاق سوري لإنهاء الصراع على أساس بيان جنيف».

وبحسب مكتب دي ميستورا، سيتولى رئيس المجلس النرويجي للاجئين يان إيغلاند رئاسة مجموعة السلامة والحماية، فيما سيقود السويسري نيكولاس ميشيل الذي عمل مستشاراً قانونيا لدى الأمم المتحدة، القضايا السياسية والقانونية.

وأضاف المكتب أن فولكر بيرتيس، مدير المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، سيترأس مجموعة العمل المعنية بالشؤون العسكرية والأمنية ومكافحة الإرهاب، بينما ستترأس بيرغيتا هولست، الدبلوماسية السويدية، المجموعة المعنية بمواصلة الخدمات العامة وإعادة الأعمار والتنمية.

وكان دي ميستورا قد أعلن عن فكرة مجموعات العمل في تموز، مؤكداً وقتها أنها ستكون خطوة نحو «وثيقة إطار يملكها السوريون» تضع أساساً لهيئة حكم انتقالي وتحدّد إجراءات الحوار الوطني وعملية صياغة الدستور وقضايا العدالة الانتقالية.

ويظنّ أكثرٌ مراقبي أوضاع الحرب في سوريا، أنه من المرجّح أنْ لا يتجاوز التدخل العسكري الروسي الضربات الجوّية لمواقع «داعش» بواسطة مقاتلاتٍ تنطلق من القاعدة التي تتحدث الاستخباراتُ الأميركية عن إنشائها في اللاذقية، مع كتيبة مشاة لحماية هذه القاعدة، ومع المعلومات الاستخباريّة العالية الدقة يمكن أن تتوفر القدرة على إدارة الصراع في سوريا ولكن من المهم استبعاد ما، يُنذرُ بالأسوأ. عندما تتجرّأ أي جهة على إقحام نفسها في حروب برّية، فسيكون مصيرُها الغرق في الوحول السورية على الطريقة الفيتنامية والأفغانية، مهما عظمت قوّتها.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.