تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

فرنسا ـ سوريا: على بال مين التي ترقص بالعتمة

مصدر الصورة
محطة أخبار سورية

رولا زين                                                                                                                   

ما أن غادر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قصر الإيليزيه ،حتى سارع فرانسوا هولاند لعقد مؤتمر صحافيً حدّد فيه لضيفه المغادر للتو، أين يحق له أن يقصف في سوريا، وحيث ممنوع  عليه “القصف” ويأمره “بداش وداش فقط”، فتذكرت هذا المثل الشعبي الذي يردده لي صديق فلسطيني، كلما قرأ ما أكتبه عن فرنسا.!

لا يعير بوتين أي اهتمام للموقف الفرنسي الذي شن حملة تصعيدية ضده، بدأت داخل أروقة الأمم المتحدة، عندما فاجأ الرئيس هولاند الإعلاميين بدعوتهم لمؤتمر صحفي خصصه للردً على خطاب الرئيس الروسي، والتشديد على رفضهً بقاء الأسد  في مرحلة انتقالية، بحجة محاربة داعش، مع أنه كان قد أبدى” ليونة ما “في موقفه من شخص الرئيس السوري قبلها ببضعة ايام، متخيلاً أن بلاده تنصب وتقيل الرؤساء كما يروق لها …أو”تغتالهم” كما فعل سلفه بالقذافي  رئيس ليبيا .

هذا التحول والتذبذب  في الموقف  الفرنسي من سوريا على الساحة الدولية، بات يقلق المحللين والمعلقين الفرنسيين، يعزوه البعض إلى ضغوط من الحلفاء الإقليميين كالسعودية، التي وعد مليكها باريس  باستثمارات تقدر بخمسين مليار يورو، وآخرون إلى تبعية مطلقة للموقف الأمريكي وخطاب أوباما في نيويورك. لكن  أصواتأً خافتة طيلة  سنوات النزاع السوري، بدأت ترتفع وتطالب بإعادة الإعتبار للدبلوماسية الفرنسية، مشيرة إلى أن الروس والأمريكان ينسقون فيما بينهم  على كافة المستويات ،وبمعزل عن الفرنسيين ، وأكبر برهان العلاقة ” الممتازة ” على المستوى الشخصي  التي تربط لافروف بنظيره كيري  وزير خارجية أوباما ، و احتمال تخلي واشنطن عن باريس  كما حصل منذ عامين ،عندما تراجعت  عن  “معاقبة  دمشق ”   . أما الأجواء السائدة  في قصر الإيليزيه ” فتقتصر على مأكل ومشرب “كما قال  أحد كبار القضاة الفرنسيين ، فيليب بيلغر الذي صرح   لموقع مجلة لوبوان  : “اكتشفنا من خلال ريبورتاج تلفزيوني عن الحياة في  ـ القصر الجمهوري ـ أنهم   يقرؤون الصحف و يكتفون بالتنظير “فلا مبادرات ولا سياسة واضحة وكأن فرنسا لا تُحكم من  قبل رئيس″!.

في خطابه في الأمم المتحدة والذي يمكن اختيار عنوان له “خلّصونا من الأسد” نسي هولاند ومستشاروه الذين ساهموا في كتابةخطابه، التذكير بالقضية الفلسطينية، فلا تمسك بالقرارات الأممية ولا بحق  العودة أو وقف للإستيطان الإسرائيلي، كما جرت العادة في تقليد اعتمده كافة الرؤساء الفرنسيين في المحافل الدولية ولو من “باب رفع العتب” في الآونة الأخيرة.

 وزير الدفاع الفرنسي الأسبق جان بيير شوفينمان، وهو وزير اشتراكي في عهد فرانسوا ميتران، رئيس فرنسا الأسبق، صرح لصحيفة لوفيغارو اليمينية إنه لا يفهم هذه المزايدة للدبلوماسية الفرنسية في سوريا  ووقوفها “إلى أقصى الغرب “والتي ستؤدي حتماً  إلى عزلة فرنسا”، وحذر من أن التشبث بالموقف المطالب  “برحيل الأسد” سيفتح أبواب دمشق لداعش”. أما رئيس وزراء فرنسا السابق فرانسوا فيللون ـ من الحزب الجمهوري ـ فقد ذكر بأن باريس سبق لها أن تعاملت مع الأسد وعائلته وتعرفهم جيداً .ولم ينتقد زيارة نواب فرنسيين لدمشق واجتماعهم بالرئيس السوري وقال ” لو كنت مكانهم لتوجهت إلى دمشق ” ..

 تحاول فرنسا منذ أربع سنوات  ،إسقاط النظام السوري، وليس كما تقول “أنها حسبت أنه سيسقط” بعد شهر أو شهرين كما حصل في تونس ومصر،  فهي عملت وفق استراتيجية ممنهجة  ،سعت وخططت لها  منذ عهد نيكولا ساركوزي الرئيس السابق ، حين قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق وألغت كافة أشكال  وجودها على الأرض السورية: فرضت حزم العقوبات على الشعب  السوري” لمعاقبة النظام “الحزمة تلو الأخرى، وقادت الإتحاد الأوروبي وراءها، ثم أرسلت الخبراء والعسكريين للمشاركة والتخطيط في غرف العمليات “الموك” مع التحالف الغربي، إلى جانب "الأشقاء " من الأردن والسعودية وقطر ـ وتعاونت مع إسرائيل، واعترفت بأن لديها مائتي  خبير، على الأرض بهدف إسقاط الدولة السورية وتفكيكها. ودعمت حليفها أردوغان بمطلبه بمنطقة عازلة تكون عاصمتها حلب، وتسلل وزراؤها إلى الشمال السوري لدعم إقامة دولة كردية، وغضت الطرف عن سقوط إدلب وجسر الشغور في أيدي القاعدة وأخواتها، وعندما وصلت داعش إلى تدمر، المدينة الأثرية  لؤلؤة الصحراء، اعتبرت أن الرئيس السوري “غير قادر على حماية تراث الإنسانية ويفرط بالأراضي السورية”.

 .وبعد أن  فشلت محاولاتها  في ما سلف ، بدأت تبحث  جاهدة عن شخص  بديل للرئيس الأسد  لتنصيبه رئيساً، أو “أي ضابط  "علوي" ”  ليحل مكان الأسد ،فقط لإنقاذ ماء الوجه. إلى أن وصلنا  اليوم إلى  سماع الترويج لداعش عبر أبواقها في الإعلام، من محللين وكتاب، بحجة أن داعش” قتلت أربعة آلاف سوري فقط”، فيما قتل “النظام  مائتين وخمسين ألفأ” وهو المنطق الذي  تردده “المعارضة المعتدلة” هنا .

 لذلك لا غرابة في أن نشهد مواجهة  مفتوحة بين موسكو وباريس حاليا ً للأسباب التالية:

أولاً: موسكو تكشف للرأي العام الغربي والفرنسي تحديداً ،زيف تحالف حكوماتهم المنتخبة  في “محاربة الإرهاب” والقضاء على داعش  خلال عام

من قصف كارتوني، وستة آلاف طلعة جوية، فيما صور وفيديوهات الذبح والنحر والحرق التي تمارسها داعش مستمرة، على قدم وساق .

ثانياً: تقدم  قيادة الأركان الروسية  يومياً بيانات تفصيلية عن الأهداف التي تقصفها، وعن أعداد  القتلى من الإرهابيين، فيما يعتمد الطرف الغربي “السرية والغموض في عملياته،  ناهيك عن  فضائح التزوير في حصيلة العمليات التي بدأت تتكشف من قبل  قيادة الأركان الأمريكية واعترافاتها.

ثالثا: أعلن الروس  عن مدة زمنية معقولة للعملية العسكرية   لن تزيد عن أربعة اشهر، فيما يتسابق الفرنسيون والأمريكان في النفاق، حيث أعلنت باريس عن  مشاركة  ستستغرق “وقتا ً طويلاً” فيما تخبط الأمريكان بعدد السنوات من   ثلاثين إلى خمسين عاما، للقضاء على داعش!

رابعاً: شدد الروس على شرعية تدخلهم واستنادهم للقرارات الدولية ، فهم ينسقون مع الدولة الرسمية  في سوريا ،ويقصفون من السماء السورية بدعوة من أصحاب الأرض، قال لافروف “نحن أناس محترمون نأتي عندما ندع″ فيما لا توجد أي أرضية قانونية لقصف الطائرات الفرنسية ، والتحالف الغربي، وانتقد قانونيون استناد باريس للبند 51 في ميثاق الأمم المتحدة ” للدفاع عن النفس “كونها لم تقدم الدليل الملموس عن تهديد وشيك  قادم من دواعش سوريا.

وأخيراً وليس آخراً،  واصلت الحكومة الروسية مساعدة الشعب السوري طيلة فترة الحصار المفروض غربيا ً والذي طال قطاع  الصحة والدواء ، بعد أن كانت معامل  سوريا تصدره للدول المجاورة ، وكانت الطائرات المدنية  الروسية المحملة بالمعونات الإنسانية تحط في مطارات سوريا ، دون أن تحظى بأي تغطية إعلامية غربية ، فضلاً عن تحول  روسيا  إلى منفذ للتبادل التجاري مع السوريين  في الآونة الأخيرة ،بعد أن أغلقت أبواب باقي الدول الغربية في وجه السوريين، و لم نسمع صوتا ً واحدا ً، ورغم تدفق مئات الآلاف من اللاجئين إلى أوروبا ،يطالب برفع العقوبات عن الشعب السوري  لتخفيف معاناته ،لا  من مسؤولين أوروبيين، ولا من  هذه المعارضة البائسة .

أما “المعارضة  المعتدلة” التي يتشدق هولاند بالدفاع عنها، ويطالب بوتين بعدم استهدافها فقد بقي منها خمسة أفراد دربهم الأمريكان، فيما التحق الآخرون بأسلحتهم وعتادهم إلى النصرة وأخواتها.

فرنسا ماضية  في عرقلة حلول الملف السوري، تماماً كما فعلت  في المفاوضات حول النووي الإيراني، حين اصطدم وزير خارجيتها  في مفاوضات جنيف حول ايران مع مستشاري أوباما  وجها ً لوجه، وهي  اليوم تفتح باب المواجهة على مصراعيه مع موسكو في الملف السوري.

قريبا ً يستعد لوران فابيوس للتنحي عن منصبه في وزارة الخارجية حسب ما يتردد هنا، بعد  انتهاء  أعمال قمة المناخ التي تشهدها باريس في نهاية العام، بعد أن يكون قد ألحق أكبر خسارة وضرر بالدبلوماسية الفرنسية. وسيذكر التاريخ أن فرنسا عرقلت حتى آخر لحظة توقيع النووي الإيراني مع طهران  فيما مضى  فلاديمير بوتين  في حربه على الإرهاب  في سوريا..

 و”على بال مين يللي بترقص بالعتمة “..

كاتبة سورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.