تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الأهرام: لماذا تعارض أمريكا الدور الروسي في سورية؟

مصدر الصورة
الأهرام

د. محمد السيد سليم

تقول الحكمة التقليدية أن عدو عدوى صديقى. ولكن هذه الحكمة تتوقف عندما تتعلق بالمعارضة الأمريكية للدور العسكرى الروسى فى انهاء المأساة السورية التى دخلت عامها الخامس .فالولايات المتحدة تعارض داعش بل تقوم وحلفاؤها بقصف مواقعها فى سوريا جويا منذ عام دون اذن من الحكومة السورية، بل انها هددت بقصف مواقع الجيش العربى السورى اذا اعترضت سوريا على هذا القصف. من المنطقى أنه حينما تدخل روسيا الساحة السورية لتحقيق الهدف ذاته، فان الولايات المتحدة يجب أن ترحب. ولكن المدهش أنها وحلفاءها فعلوا العكس.

وبمجرد بدء التدخل العسكرى الروسى ، وقبل أن تمضى عدة أيام، قامت آلة الدعاية الغربية بالتشهير بالدور الروسى، وبررت الولايات المتحدة اعتراضها على اساس أنه «وصفة للكوارث» لأنه يؤدى الى دعم الرئيس السورى الذى يعارضه معظم السوريين، وبالتالى سيؤدى الى تمديد واطالة الصراع فى سوريا، وأن الحل يجب أن يكون عبر عملية انتقال سياسى حقيقى. ومفتاح الشفرة هنا يكمن فى مصطلح الانتقال السياسى الحقيقى، أى إسقاط النظام بارادة خارجية، وليس نتيجة لانتخابات نزيهة تتم تحت اشراف دولى. لاتريد الولايات المتحدة وحلفاؤها تحولا ديمقراطيا فى سوريا ولكنها تريد اسقاط النظام بارادتها، كما حدث فى العراق وليبيا بحيث يتحكمون فى تحديد مستقبل سوريا.

لم تقف آلة التشهير الأمريكى بالقول ان هذا الدور الروسى سيؤدى الى نشوب حرب باردة جديدة، وأن الطائرات الروسية تقصف المدنيين السوريين، كما أن الطائرات الروسية قصفت مواقع للارهابيين الذين دربتهم الولايات المتحدة وأرسلتهم الى سوريا لاسقاط النظام، مما يعد اعترافا أمريكيا بأن من تسميهم الثوار ليسوا الا عملاء قامت بتدريبهم، وهو أمر لم يخجل أوباما من الاعتراف به علنا، أضف الى ذلك سلسلة الاتهامات الكوميدية المعتادة مثل القول ان الطائرات الروسية تتعمد دخول المجال الجوى التركى، أو أن صوريخ ايرانية لم تصل الى أهدافها، وسقطت فى ايران. ويذكرنا بما فعله بعض العرب فى بداية الأزمة حينما أفشلوا بعثة الجامعة العربية قبل أن تبدأ عملها، وطالبوا بسحب البعثة قبل أن يعرفوا ماذا ستفعل.

كيف نفسر هذا التناقض المتمثل فى الاعتراض على الدور الروسى، مع قيام الولايات المتحدة نفسها بضرب بعض مواقع داعش ؟ الولايات المتحدة تريد اطالة أمد الأزمة السورية للاجهاز على ماتبقى من سوريا، من خلال تحويلها الى كانتونات طائفية ضعيفة تعيش تحت الهمينة الاسرائيلية الكاملة واعطاء اسرائيل فسحة أكبر من الوقت لتنفيذ مشروعها الاستيطانى فى الضفة الغربية فى ظل انشغال عربى كامل بالملف السورى، وتهميش أمريكى كامل للمسألة الفلسطينية، انعكس فى خطاب أوباما الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ويمكن أن نؤكد ذلك التفسير فى ضوء تصريحات أوباما التى تقول إن القضاء على داعش سيستغرق وقتا طويلا . معضلة الولايات المتحدة هو أن الدور الروسى فضح المخطط الأمريكى. يضاف الى ذلك، أن الولايات المتحدة لاتريد شركاء خارج نطاق الحلفاء يمكن أن يسهموا فى التشكيل السياسى للشرق الأوسط بعد انتهاء الأزمة .المعضلة الأخرى هى أن الدور الروسى قد حقق فى أيام مالم تحققه الولايات المتحدة فى عام. فقد أعلنت روسيا أن الدواعش يهربون من سوريا بالمئات ، كما أن الجيش العربى السورى يتقدم لاستعادة أرض بلاده من ارهابييى القوقاز، وهو مالاتريده الولايات المتحدة اذ تريد لهؤلاء أن يعودوا الى روسيا منتصرين.

وتدرك روسيا هذا المخطط. فروسيا لاتتدخل فقط لحماية الحليف السورى، ولكن أيضا لحماية مصالحها حيث إن قسما لايستهان به من ارهابيى داعش أتوا من بلاد شمالى القوقاز كما أن انتصارهم سيؤدى الى تحولهم الى روسيا نفسها.كما قال ايفانوف ، رئيس الجهاز الادارى للرئيس بوتين. كما أن روسيا اكتشفت أن الولايات المتحدة تتظاهر بمحاربة داعش ولكنها لاتغير الحقائق على الأرض ، وهو الأمر الذى كشفته استقالة الجنرال جون ألن ، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكى فى العراق وسوريا ، احتجاجا على عدم تخصيص أوباما موارد كافية لتصفية الدواعش. أما بخصوص الدول العربية التى تصر على المنهج الأمريكىذاته، فانه دون تدخلها المبكر فى الأزمة السورية، وافشالهم بعثة الجامعة العربية فى بداية الأزمة بل وتدخلهم مع تركيا لتهريب السلاح الى سوريا، وتدريب بعض الفصائل السورية على استعمال العنف، ماكانت الأمور قد وصلت الى ماوصلت اليه. فهم من شرع فكرة التدخل العسكرى فى سوريا، لكنهم يريدون لهذا التدخل أن يقتصر عليهم. يتصورون أن اسقاط النظام السورى سيؤدى الى اضعاف الدور الايرانى فى الشرق الأوسط عن طريق القضاء على حليف لايران وقطع الصلة بين حزب الله اللبنانى وايران. قد يكون ذلك صحيحا، ولكن الأمر يتطلب حسابات استراتيجية حول المكسب والخسارة.

لايمكن تصور اضعاف النظام الايرانى عن طريق تدمير سوريا، بل عن طريق اقامة قوة عربية توازن ايران واسرائيل من قبلها؟ كما أننا يجب أن نتعلم الدرس التاريخى الذى طالما دفعنا أثمانا باهظة لعدم تعلمه، وهو أننا قد نكسب فى المدى القصير ولكن نخسر فى المدى البعيد. هل يجب أن نعيد قراءة المشهد الأفغانى والمشهد الليبى وغيرهما حيث كسب بعض العرب فى المدى القصير ولكن الخسارة كانت فادحة فى المدى البعيد. أين الذاكرة التاريخية العربية التى نأخذ منها العبرة نتعلم منها لبناء المستقبل؟ .

أتصور أن مصر قد قرأت المشهد السورى قراءة صحيحة، وفهمت أنه اذا نجح المخطط الأمريكى فى سوريا، فان مصر ستكون هى المحطة التالية فى سلسلة تحطيم الأنظمة بل المجتمعات العربية التى بدأت سنة 2003. ومن ثم فإنها أيدت الدور العسكرى الروسى وعليها أن تبدأ خطوات محسوبة لاعادة ادماج سوريا فى الاطار العربى. هل يؤدى الدور الروسى فى سوريا الى تعقيد حل الأزمة السورية؟ اذا كان المقصود هو تعطيل الحل الأمريكى، فمن المؤكد أن هذا الدور قد أدى الى الاجهاز على الاسطوانة المشروخة بضرورة تغيير النظام.

واذا كان المقصود هو الوصول الى حل سياسى سورى توافقى يضمن وحدة سوريا، فان الدور الروسى يقربنا خطوات من هذا الحل. فروسيا فى طريقها للاجهاز على الدواعش، ويومها لن يصبح فى يد دعاة تدمير سوريا أى أوراق سوى القبول بالحل السورى الخالص المدعوم من القوى الكبرى .ومما يدعم من هذا الاحتمال أن روسيا لاتحصر دورها فى العمل العسكرى، ولكنها دعت الى تحالف دولى ضد داعش وأقامت تحالفا اقليميا حول سياستها، كما شرعت فى التحضير لمؤتمر جنيف-3.

كما أنها شرعت فى اجراء محادثات عسكرية ودبلوماسية مع الولايات المتحدة حول انهاء المأساة السورية. ويشهد كل ماسبق على صحة المقولة التى تؤكد أن بنيان القطبية الثنائية (وليس الحرب الباردة) أفضل للدول الصغيرة من النظام أحادى القطبية الذى سيطر على العالم منذ سنة 1991. وهو ماكان يختلف معنا فيه بعض دعاة الاندماج فى أحادية الغرب فى بداية حقبة القطبية الأحادية.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.