تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

أزمة اللاجئين في أوروبا مأساة إنسانية ..

مصدر الصورة
محطة أخبار سورية

محمد تيمور ــ كاتب وإعلامي        كثيرون من هؤلاء المهاجرين الذين نجحوا في الهرب من النار والدمار في أوطانهم ووصلوا إلى أوروبا، وعند منحهم حقّ اللجوء لم ينهِ مآسيهم، وحتى عندما يبلغ المهاجر إحدى البقاع الأوروبية، لا يعني ذلك بالضرورة انتهاء رحلة معاناته، وهم طالبو اللجوء الذين تركوا خلفهم أطفالهم ونساءهم وأهلهم، وفضّلوا المخاطرة وحدهم بحياتهم، لكن يعتصر قلوبهم الحسرة التي تتملّكهم والقلق على الذين تركوهم كذلك الأطفال الذين غيّب الموت ذويهم خلال رحلة العبور الصعبة إلى برّ الأمان، فهم بمعظمهم عانوا من الاستغلال على أنواعه.

وبالطبع لا يُخفى على أحد تدفّق عشرات آلاف المهاجرين إلى الدول الأوروبية في الفترة الأخيرة، لا سيّما من الدول العربية ومناطق في أفريقيا وجنوب آسيا، وبعضهم غامر بحياته وبحياة جميع أفراد أسرته، بعدما صمّموا العيش معاً في بلاد جديدة أو الموت معاً أيضاً، وهناك آخرون لم يتجرّأوا على المغامرة بفلذات أكبادهم وانطلقوا بمفردهم، بعدما قطعوا وعوداً بلقاء قريب ولمّ الشمل عند أوّل فرصة سانحة.

وأمام هذا الواقع وعلى الرغم من الأوضاع المأساوية التي يعاني منها اللاجئون بأكثرهم، تختلف مواقف حكومات دول أوروبا منهم وتعاطيها معهم، المجر على سبيل المثال، أقفلت حدودها في وجههم بالأسلاك الشائكة، أمّا السلطات التشيكيّة فختمت أرقاماً على أذرع اللاجئين بحبر لا يُمحى، وقد أتت ردود فعل هاتَين الدولتَين وغيرهما، لتعيد إلى الأذهان ما قراناه في كتب التاريخ عن محطات مظلمة من الحرب العالمية الثانية، حين انتُهكت حقوق الإنسان وقُتل مئات الآلاف من دون أن يلتفت إليهم أحد، وبالفعل هناك قصص حزينة ومؤلمة لا تعدّ ولا تحصى وصل بعضها إلى آذان العالم فيما بقي الكثير طيّ الكتمان.

وهناك حقيقة بسيطة تترجم المعاناة الإنسانية المتفاقمة في أزمة اللاجئين في أوروبا، ولن يتمكن الاتحاد الأوروبي من التعامل مع التدفق الهائل من البشر المتعبين بعد رحلة شاقة محفوفة بالمخاطر بحثا عن الملجأ والملاذ في أوروبا وبالطبع هذه ظاهرة سوف تستمر ما دامت الحرب مستمرة في بلدان مثل سوريا والعراق وليبيا واليمن .

ومع تباين المواقف تجاه اللاجئين على نطاق واسع من بلد إلى آخر، فتتبنى ألمانيا نهجا مستنيرا بشكل خاص ويتناقض بشكل حاد مع موقف المجر الشديد القسوة، وتعمل بعض البلدان - مثل التشيك - على منع أي اتفاق لتقاسم العبء المنصف بين بلدان الاتحاد الأوروبي، وهنا انتقدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حكومات شرق أوروبا التي ترفض استقبال اللاجئين، متهمة إياها بالتعصب ونسيان تاريخها الخاص، وفق ما ذكره موقع بوليتيكو الإخباري على الإنترنت.

وأفاد المصدر ذاته بأن ميركل أدلت بهذه التصريحات خلال اجتماع مغلق مع نواب من حزب الشعب الأوروبي الذي ينتمي ليمين الوسط، قبل أن تلقي كلمة مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولا ند أمام البرلمان الأوروبي.

وهاجمت ميركل موقف زعماء المجر والتشيك وسلوفاكيا وبعض دول البلطيق من أزمة اللاجئين في أوروبا دون أن تذكرهم بالاسم، وقالت في هذا السياق إنه كان عليهم أن يتصرفوا بشكل أفضل لأنهم عاشوا تجربة الحياة خلف سياج.

ونسب إلى ميركل ( التي نشأت في ألمانيا الشرقية) قولها "نحن أبناء شرق أوروبا، وشهدنا أن العزلة لا تفيد، فاللاجئون لن يتوقفوا إذا اكتفينا ببناء الأسيجة، وقد عشت خلف سياج لفترة طويلة".

في ذات الوقت لدى الساسة حافز قوي لتصحيح طريقة الاستجابة الأوروبية لأزمة اللاجئين، فوراء الحاجة إلى التخفيف من المأساة الإنسانية التي تغمر شاشات التلفزيون والصفحات الأولى في الجرائد، تكمن حتمية عدم إهدار الفرص الكبيرة التي توفرها الهجرة في الأمد المتوسط.

وحيث أدركت الحكومة الألمانية وبعض كبار رجال الشركات، بما في ذلك الرئيس التنفيذي لشركة دايملر بنز، فإن الاستعانة بنهج متفتح في التعامل مع اللاجئين واستيعابهم ودمجهم قد يساعد في التخفيف من حدة بعض المشاكل البنيوية التي طال أمدها في أوروبا، ويقال إن نسبة كبيرة من اللاجئين الوافدين هم من المتعلمين المتحمسين والملتزمين ببناء مستقبل أفضل في أوطانهم الجديدة. وبالاستفادة من هذا المعطى يستطيع صناع القرار الأوروبيون أن يحولوا التحدي الخطير في الأمد القصير إلى ميزة قوية على الأمد البعيد.

ولذلك تؤكد مصادر مطلعة أنه من الممكن أن يوفر الوضع الحالي لأزمة اللاجئين بأوروبا الحافز اللازم لتحقيق تقدم حاسم في إصلاح بنية الاتحاد الأوروبية السياسية والمؤسسية والمالية غير المكتملة، والواقع أن أمام أوروبا الفرصة الآن لتحويل أزمة اللاجئين اليوم إلى محفز للتجديد والتقدم، خاصة مع أمل أن يتوقف ساستها عن التشاحن، وأن يشرعوا في التعاون للاستفادة من هذه الفرصة السانحة، وإذا فشلوا فإن الزخم الناظم للتكامل الإقليمي -الذي جلب السلام والازدهار والأمل لمئات الملايين من الناس- سيعتريه الضعف إلى حد كبير، وهذا سيعني الخسارة للجميع.

وأمام هذا المشهد ومع تزايد أعداد اللاجئين الفارين من نيران الحرب في بلدانهم اختاروا المجهول عبر دول الاتحاد الأوروبي، في هذا الإطار، تناولت صحف غربية أزمة اللاجئين السوريين، وتحدثت عن التداعيات الحالية والمستقبلية المحتملة لاستمرار الحرب في سوريا والشرق الأوسط على المنطقة وعلى دول الغرب برمتها.

فقد نشرت صحيفة ذي غارديان مقالا للكاتب نيك كوهين أشار فيه إلى أن أجيال المستقبل ستحتقر "واقعيتنا" تجاه الحرب التي تعصف بسوريا منذ نحو خمس سنوات، وأضاف أن القوى الغربية ترفض التعامل مع جذور الأزمة من أجل وقف الحرب في سوريا، وذلك بالرغم من استمرار فرار مئات آلاف اللاجئين من ويلاتها.

وأوضح الكاتب أنه عندما تعيد أجيال المستقبل النظر إلى واقعنا الحالي فإنها ستلقي بالملامة على موقفنا المتردد وفشلنا في وقف المذابح التي تشهدها سوريا، وإن كتاب المستقبل سيندبون الذنب الذي أقترفناه والعار الذي لحق بنا جراء تركنا شلال الدم يتدفق في بلداننا.

وأضاف الكاتب أنه مثلا الحرب في سوريا استمرت أكثر من الوقت الذي استغرقته الحرب العالمية الأولى، وأنها أسفرت عن مقتل مئات الآلاف وتهجير 11 مليون إنسان، وأشار إلى أن الرئيس الأميركي باراك أوباما سبق أن حذر من تجاهل العالم ،من جانبها دعت صحيفة صنداي تايمز الغرب إلى ضرورة التدخل لوقف الحرب التي تعصف بسوريا، وقالت إن تداعيات الحرب ستنعكس على الغرب على شكل تهديدات مباشرة أو غير مباشرة.

وأوضحت صحيفة صنداي تايمز أن التهديد سيبقى ماثلا للعيان، وذلك إذا لم يتحرك العالم وخاصة الغرب لوقف هذه الحرب الدموية التي تعصف بسوريا وأشارت إلى أن توفير الأمن للاجئين السوريين يعد من الأولويات، هذا وحذرت الأمم المتحدة من حدوث مأساة للاجئين في فصل الشتاء المقبل، وطالبت الاتحاد الأوروبي بتقديم المزيد من المساعدات.

وأكد مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيريس على ضرورة "التمويل الضخم" لتزويد اللاجئين بشكل كاف، وأشار إلى أن من غير الممكن توفير الرعاية المناسبة للاجئين في الدول المختلفة بمنطقة البلقان خلال فصل الشتاء، محذرا من وقوع "مآسٍ" لصعوبة الطقس هناك.

وكان رؤساء حكومات ودول الاتحاد الأوروبي وافقوا في قمتهم الخاصة ببروكسل في سبتمبر/أيلول الماضي على إقامة 11 نقطة ساخنة على الحدود الخارجية للاتحاد، وتقع ست من هذه النقاط الساخنة في إيطاليا وخمس في اليونان، لتسجيل اللاجئين بهدف منع تحركهم في دول الاتحاد "بشكل فوضوي".

وكانت المنظمة الدولية للهجرة أشارت إلى ارتفاع عدد الواصلين إلى اليونان حيث تخطى سبعة آلاف في اليوم مقارنة مع 4500 بنهاية سبتمبر/أيلول الماضي، وغوتيريس دق ناقوس الخطر وطالب بتمويلات ضخمة تجنب اللاجئين مآسي الشتاء، وذكرت صحيفة سودويتشه زيتونغ الألمانية أن حكومة برلين والمفوضية الأوروبية تجريان مباحثات غير رسمية لسن ضريبة تضامن للمساعدة على تحمل كلفة اللاجئين.

ويذكر أن تدفق على دول الاتحاد الأوروبي في العام الجاري أكثر من نصف مليون لاجئ هروبا من الحرب والفقر في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وفجرت هذه الأزمة خلافات بين الدول الأوروبية حول طريقة التعامل معها، ونسب تقاسم المسؤولية وكلفة استقبال اللاجئين.

وكانت المفوضية الأوروبية قالت إن الدول الأعضاء في الاتحاد قد تمنح بعض التخفيف في قواعد الموازنة الأوروبية التي يتعين عليها التقيد بها، ومنها سقف عجز الموازنة المسموح به، وذلك بالنظر إلى النفقات الإضافية التي ستتحملها نتيجة أزمة اللجوء.

وكانت المفوضية أعلنت الشهر الماضي عن تخصيص مبلغ 801 مليون يورو (909 ملايين دولار) لمواجهة ملف اللجوء فيما تبقى من العام الجاري، وتخصيص تسعمائة مليون يورو (أكثر من مليار دولار) للعام المقبل.

وأمام هذا المشهد المرعب وأمام الصمت الدولي في ظل الأوضاع الراهنة وبعد أن وصلت الأمور إلى هذا الحد المفزع من التردي والانغلاق  مما يعنى هو  إقرار بما هو قائم ولا يختلف أبدا عن التواطؤ الدولي المؤمن بثقافة الإخضاع بالقوية ... ولا نستطيع أن نقول كل شئ نعرفه غير أن ما نلاحظه بتنا جميعا مطلعين عليه وهو مثير لقدر عميق من القلق وما هو إلا تراكم لقضايا وأنماط سلوك مزعجة وأصبح تحت أنقاضها للأسف كل القيم والمؤسسات الدولية ومكامن الثقة بها .

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.