تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

سايكس ـ بيكو جديد ... لشرق أوسط جديد...

مصدر الصورة
محطة أخبار سورية

أمام المصادفة القدرية ومع القراءة السياسية التي توحي وكأن التأريخ يعيد نفسه في منطقتنا العربية، بمشرقها خاصة، الذي تم إنكار هويته الأصلية عبر تسميته الجغرافية الشرق الأوسط .

ففي الذكرى المئوية لاتفاق سايكس ـ بيكو بين البريطانيين والفرنسيين، عشية انتصارهم في الحرب العالمية الأولى، تم تقاسم المشرق العربي بينهما مع ابتداع دول وكيانات سياسية فيه تتجاوز منطق التاريخ والجغرافيا لتخدم مصالح الدولتين الاستعماريتين اللتين «ورثتا» بعض «أملاك» السلطنة العثمانية... ويتبدى اليوم وكأننا امام تكرار منقح ومعدل لذلك المشروع.

وها هو هذا المشرق يعيش، منذ سنة وحتى اليوم، نوعاً من تقاسم أجوائه بين الدول الكبرى، الولايات المتحدة الأميركية ومعها حليفاتها بريطانيا وفرنسا وكندا وألمانيا وصولاً إلى استراليا... إذ فتحت حكومة العراق أجواء أرض الرافدين ـ وصولاً إلى السماء السورية ـ للأساطيل الجوية الحربية لهذه الدول المتعددة الراية موحدة الهدف المعلن: الحرب على «داعش»..

ثم جاء الطيران الحربي الروسي، مؤخراً، بطلب من دمشق ليحلق في السماء السورية من أدناها عند البحر المتوسط في اللاذقية وطرطوس وبانياس إلى أقصاها عند الحدود التركية شمالاً والحدود العراقية شرقاً في غاراتها التدميرية على المدن والقرى ذات التاريخ الحضاري العريق ومن دون انقطاع.

ولتتحاشى الدول الغربية التصادم بين طائراتها فقد أنشأت « لجان تنسيق» مهمتها ابتداع نظام يشبه «إشارات السير» لتنظيم مرور القاذفات.. كما أنشأت غرفة عمليات حتى لا تتصادم في سماء العراق الطائرات حربية التابعة لعشر دول غربية، او تتصادم هذه مع «السوخوي» الروسية التي تغطي سماء سوريا يجري كل ذلك  وأهالي الوطن تهرب من مكان إلى آخر في الداخل السوري أو خارج الحدود .

في وقت يتواصل عقد اللقاءات السياسية، رباعية وثلاثية وثنائية، ويتم تبادل الرسائل الكترونيا بين الدول الكبر وحتى دول الإقليم وعلى الأرض تبدو الصورة والواقع مابين المباني والبني التحتية للمؤسسات والمنشئات المدنية والحكومية والشوارع والطرقات وحتى الملاعب ومدارسة الأطفال وصولا إلى المشافي والجامعات ودور العبادة حتى النبتة والشجرة وكل البشر يلفه الموت والخراب والدمار

واليوم تأتى الذكرى المئوية الأولى لاتفاق سايكس ـ بيكو، وها هي البلاد العربية، أرضا وفضاء وبحاراً، وللأسف مفتوحة للتدخل الأجنبي وبالطلب، حتى بات على الأرض العربية نقطة تقاطع عظمى بين مصالح الدول جميعاً، غربا وشرقا، عربا وأتراكا (من دون إغفال إسرائيلي)...

اليوم في الذكرى المئوية لاتفاق سايكس ـ بيكو هاهي البلاد العربي وكل مظاهر التدهور الحاصلة في العالم العربي ، التي تتمثل في تفتته وحروبه الأهلية والمذهبية وانتهاك شرعة حقوق الإنسان، كل هذا وتنطلق الحديث والآراء وتحليل ويروّج لها العديد من منابر وقنوات الإعلام العربي حتى أصبح شائعاً ومسلماً به لدى قطاعات عريضة من الرأي العام.

 إن «الربيع العربي» هو السبب وهو مصدر مختلف الشرور التي حلت بدول المنطقة. حتى قيل إنهم في ليبيا باتوا يتحسرون على أيام العقيد القذافي، وفي سوريا أناس أصبحوا يحنون إلى استقرار البلاد قبل آذار 2011 كما أنهم في العراق صاروا يترحّمون على عهد صدام حسين (برغم أن إسقاطه تم في العام 2003، قبل انطلاق شرارة «الربيع» في العام 2011). أن «الربيع العربي» لم يعُد يذكر بالخير، حتى صار يشار إليه كثيراً بأنه خراب عربي، ووصف في مصر بأنه مؤامرة حيناً وبأنه هبَّة قام بها بعض الرعاع حيناً آخر، وظلت الرسالة الصريحة أن العالم العربي قبل «الربيع» كان أفضل حالاً وأكثر تفاؤلاً واستقراراً منه بعدما انتشرت رياح هذا الربيع في مختلف الأقطار.

وهناك تفسير للوضع الكارثي الذي وصلت إليه أحوال العالم العربي، سواء في الفوضى التي حلت به أو الشعور بالضياع واليُتم الذي أصابه بعدا توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل في العام 1979. ذلك أنها كانت تعبيراً إلى ما وصلنا إليه.

وإذا كانت اتفاقية السلام التي وقعت قبل أكثر من مئتي عام بين روسيا القيصرية والدولة العثمانية في كوتشوك قينارجي رمزاً وتجسيداً لانهيار الدولة العثمانية، فإن أي تحقيق تاريخي نزيه سيجد في اتفاقية السلام التي وقّعت مع مصر وإسرائيل مؤشراً على بدايات الانهيار في العالم العربي.

 نعم كانت الدولة العثمانية تعاني من أعراض الضعف سواء في جيشها أو في سياستها قبل توقيع الاتفاق مع روسيا، وبسبب ذلك الضعف فإنها قدّمت للقيصر تنازلات عدة سمحت لبلده أن يتدخّل في شؤون الدولة العثمانية، بل إنها قبلت أن تدفع لروسيا ولأول مرة في التاريخ غرامات حرب تمثلت في 15 ألف كيس من الذهب، وبعدا أن وقعت على اتفاقية السلام، فإن ذلك فتح الباب لمختلف الانهيارات التي توالت طوال القرن التاسع عشر وحتى بدايات القرن العشرين وضمن السياق التاريخية للأحداث هناك محطات هامة لها تأثيرها ليومنا هذا.

حيث بعدا توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل في 24 مارس العام 1979 وقام السوفيات بغزو أفغانستان في شهر كانون الأول من العام نفسه. وبعد ذلك توالت أمارات الفوضى، فوصلت إسرائيل إلى بيروت في العام 1982 وقصف الأميركيون ليبيا العام 1986، ثم غزا العراق الكويت العام 1990 وغزت الولايات المتحدة العراق سنة 2003، وفي السنوات اللاحقة انفصل جنوب السودان عن شماله، ، وتمّ حصار غزة. ثم ظهرت «داعش» التي احتلت أجزاء من سوريا والعراق، إلى غير ذلك من الأحداث الجسام .

في الخطاب الافتتاحي بواشنطن لبرنامج "آفاق العالم العربي" البحثي الذي تعدّه مؤسسة كارنجي، أطلق وزير الخارجية الأميركي جون كيري في (28 تشرين الأول 2015) تقسيما سياسيا جديدا للصراع في الشرق الأوسط والعالم العربي سيكون له، أي لهذا التقسيم، دوره ودلالاته على "البيئة" السياسية الجديدة في منطقتنا.

يصنِّف الآن الوزيرُ الأميركي حرفيّاً قوى الشرق الأوسط بأنها فريقان: البنّاؤون والهدّامون، من سيتحوّل إلى بنّاء ومن سيتحوّل إلى هدّام في مرحلة ما بعد سايكس بيكو البادئة؟ البنّاؤون والهدّامون... هذا جديد وهذا ذو معنى على ما تختزنه الأيام الشرقْ أوسطيّة من تحوّلات بادئة أصلاً...

من صراع قوى الخير وقوى الشر في عهد رونالد ريغان إلى محور الشر في عهد الرئيس جورج بوش الابن إلى صراع الاستبداد والديموقراطية في ولاية باراك أوباما الأولى إلى صراع البنّائين والهدّامين اليوم في أواخر ولاية باراك أوباما الثانية، كل من هذه الشعارات إما "صنع" أحداثاً جِساماً في المنطقة وإما كان مظلّة تعبوية لأحداث جسام.

إذن العنوان الأميركي الجديد للمنطقة بعد الاتفاق مع إيران (الذي شاركت فيه الدول الكبرى أو 5+1) ليس استعادة الشعار القديم المستهلَك والمفلس عن الصراع بين المعتدلين والمتطرّفين الذي ساد في تسعينات القرن المنصرم بل هو الصراع بين "البنّائين والهدّامين".

وعلينا من الآن فصاعدا التنبه بشدة  للوصف الأميركي الجديد للشرق الأوسط الجديد الذي ستترتّب عليه نتائج خطيرة، إما أن تكون الدولة بنّاءة أو هدامة، وكل تحديد لمستقبل الدولة سيتعلّق في المرحلة المقبلة لا باعتدالها أو تطرفها، شريرة أو خيِّرة، متخلِّفة أو متقدّمة وإنما بنّاءة أو هدّامة.

وبالطبع ولا يمكن التغاضي عن الآثار المدمّرة التي خلّفتها الحروب على امتداد العالم العربي وأيضا بالأخذ ومع انقلاب الرؤية إلى الحياة، وأيضا في التحوّلات التي تطرأ على التكوين النفسي والثقافي للأفراد والجماعات، وانعكاس ذلك كله على نحو ارتكاز حضاري في المجتمع، ومراوحة الناس في حالة برزخية بين ماضٍ يريدون الخروج منه ومستقبل لا يستطيعون المضي نحوه .

وليس من المبالغة الكلام عن ثقافات هجينة آخذة في التشكل بفعل شرذمة الملايين بين المخيمات وبلاد الهجرة، حيث سينتج عن ذلك أجيال مضطربة في فهم المواطنة، ومشتتة بين الوطن الذي بات ذاكرة جمعية للقتل والفوضى والخراب، وبين المنفى الذي يبقى محطة انتظار تفتقد إلى عناصر الاندماج والوحدة والمساواة، ولعل من أبرز المساوئ الناتجة عن الحروب، تلك المتعلقة بتفشي الجهل وانتشار الأمية وتراجع مستوى المعيشة والمعرفة ، فتتحوّل جهود الإنسان من الإنتاج إلى الاستهلاك، ومن توخي الأفضل إلى القبول بما تيسر، ومن توفير الفائض إلى تأمين الحاجات اليومية من مأكل ومشرب ومسكن، وتتّسع الدائرة لتشمل المستوى الأخلاقي الذي ينحدر واستسهال العنف وارتكــــاب الموبقات، وبالــتالي ضرب لسلم القيم ومسلمات الثقافة والإنسانية والحضارة وبالتالي قواعد الحل المطروح بعدا التسويات المحتملة لأزمات المنطقة يفتح الباب للسؤال عن مرحلة ما بعد الحروب وتداعياتها المتواصلة  لإنتاج شرق أوسط جديد.

                                                                                                                                                                                                                           محمد تيمور ـــ كاتب وإعلامي

 

 

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.