تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

مجزرة باريس تحدث تغيراً في الخطاب الاعلامي الفرنسي.. ونواب يطالبون برفع العقوبات عن سوريا وإعادة فتح السفارة في دمشق

مصدر الصورة
رأي اليوم

 

كان لا بد من مجزرة تودي بحياة شباب في ربيع العمر، يمثلون التنوع الثقافي والبيئي في فرنسا ليضع الرئيس الإشتراكي فرانسوا هولاند  مكافحة الإرهاب في أولوياته .

الرجل الذي قال منذ شهرين “بوتين ليس حليفنا” إرضاءاً للسعودية، والذي جعل من شعار “لا داعش ولا بشار” ركيزة سياسته الخارجية أو “العربية” إن وجدت، يتراجع اليوم خطوات للوراء، على جثث ضحايا مسرح “الباتاكلان”، وأمام أجساد الشبان والشابات ممن صمدوا وكتب لهم عمر جديد يقولون له “شفنا الموت بأعيننا”.

صحيح أن النواب في قصر فيرساي صفقوا يداً واحدة لهولاند بعد أن خطب فيهم معلناً قرارات حاسمة تشمل  تعديلات في الدستور، ليتلاءم مع عصر الإنترنيت الذي تستخدمه داعش، وصحيح أن الفاجعة تفرض رص الصفوف وتوحيد المواقف بين يمين ويسار، لكن النواب الذين توالوا على المنبر بعد خطاب هولاند انتقدوا انحيازه للسعودية وقطر ،ممولي داعش في سوريا والعراق، وكذلك سياسة الحليف التركي بقيادة رجب طيب أردوغان.

وانسحب “التعديل” في الخطاب السياسي الرئاسي، على تصريحات المحللين والسياسيين في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، فمن كان يطالب بمكافحة الإرهاب أولا ً وبحث الملف السوري ومصير الأسد في مرحلة ثانية، أضاف جملة لمسايرة الجو العام “نعلم أن الأسد دكتاتور وأنه .....)ولكن .. ” بات يعرب جهراً عن موقفه وقناعاته، كما فعل رئيس الحكومة السابق فرانسوا فيللون الذي دعا إلى إعادة فتح السفارة الفرنسية في( دمشق والتعاون مع قوات الرئيس السوري”. للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية. أما النائب نيكولا دويك عن حزب الجمهوريين، فقد ذهب إلى أبعد من ذلك وصرح بأن حليفه على الأرض “هو الجيش السوري وقوات حزب الله التي تواجه الإرهاب” ودعا إلى رفع العقوبات عن الشعب السوري الذي يطال قطاع الدواء،  ومضى إلى  التغزل بجمال السوريات  وأشاد بصمودهن وتمسكهن بالحياة ” فقد حافظن على مظهرهن  الخارجي ويضعن الماكياج رغم سنوات الحرب المتواصلة”!.

جان لوك ميلونشون رئيس الحزب الشيوعي، أعرب عن سعادته لعودة الحرية إلى الخطاب الإعلامي وقال في نقاش على القناة الثانية “من كان يجرؤ منذ ثلاث سنوات على انتقاد السعودية وقطر  جهراً؟ وأوضح بأن أيد كثيرة إقليمية ودولية وضعت أصابعها في الحرب السورية، وكشف لمحاوريه أن الحزب الإشتراكي التركي يتهم نجل أردوغان بالتورط  مع داعش وشراء النفط منها عبر مهربين “ليستخلص” إن  الحرب في سوريا هي كباقي الحروب في التاريخ، صراع للإستيلاء على أراض وعلى المواد الأولية”..

في مواجهة هذا الخطاب ما زال محللون عرب متأمركون ، سوريون ولبنانيون وفرنسيون مستعربون، يتبنون ما تردده المعارضة السورية المرهونة للخارج، بأن “داعش قتل أربعة آلاف سوري فيما قتل النظام مائتين وخمسين ألفاً”! هؤلاء ـ وما أكثرهم ـ استباحوا الإعلام الفرنسي بنسخه المرئية والمسموعة والمكتوبة لسنوات،  مدعومين بالحلف الخليجي الغربي، سيرون صوتهم يخفت شيئاً فشيئاً ليصبح قريباً ، صوت نشاز في سماء باريس وساحة الباستيل.. فمن يطالب بالحرية لشعوب  بلاد الشام لا يصمت عن ممارسات  السعودية  في اليمن،

وإسرائيل في فلسطين وغزة، وإلا فإن خطابه  منحاز، باطل ومشبوه.. وعندما ستستعيد فرنسا  السياسية  شعاراتها في الحرية والعدالة والمساواة  ومبادئها في الدفاع عن حقوق الإنسان أولاً،  قبل صفقات السلاح  والبترودولار، خاصة وقد  اعترف  قمة الهرم، بأن “الإرهاب المعتدل” يخطط  له في سوريا لقتل فرنسيين من قبل فرنسيين، قالها هولاند في فيرساي متحسراً وكأنه لم يكن  يعلم، ستظهر حينها فئة أخرى من  دبلوماسيين ومفكرين، همشوا وكممت أفواههم، ليصبحوا تحت الأضواء  وعبر الأثير ويساهموا في صياغة  رأي عام جديد  يواكب المرحلة “المنقلبة” التي تسمي الأشياء بأسمائها والإرهاب إرهاباً أينما كان.

  خمس سنوات من حرب مفتوحة على بلد الحضارات والديانات والأبجدية والتراث الإنساني، والإعلام الرسمي الفرنسي يتحسر على صور تدمر وأعمدتها  ودواعش بلجيكا وفرنسا  تجول وتصول في مسرحها.

 كم من مؤرخ وكاتب ومستشرق نبذه هذا “الإعلام الحر” ليسحق الرأي الآخر ويطوع الرأي العام  لينسجم مع  رأي شمولي واحد يعكس سياسة حكامه ونظرتهم المنحازة . صورة الإرهابي  أبوعواد الذي تتداول أجهزة الإعلام تاريخه وسيرته  الآن ،لأنه خطط لاعتداءات  في باريس، قابع منذ سنوات في سوريا وكان التلفزيون الفرنسي وتحديداً قناة بي إف إم الإخبارية، قد بثت ريبورتاجاً عنه وهو يجر جثث شهداء من الجيش السوري  وراءه في سيارة   يقودها وهو يضحك ،ويشكر رب العالمين الذي أوصله إلى أرض الشام ! هذه الصور  ليست بجديدة  ولكنها لم تحرك ساكنا ً في الضمير الفرنسي الغربي وقتها   , هل سارع هولاند حينها  بمطالبة تركيا بمراقبة حدودها لاعتقال أمثال هؤلاء قبل توجههم إلى سوريا؟ طبعاً لا لم يفعل لأن وزير خارجيته لوران فابيوس كان يسعى لإهداء حلب إلى الصديق رجب طيب أردوغان ، ويجاهد لعزل الشمال السوري عن البلاد  تنفيذاً لمخطط تقسيمي تفتيتي يعيد للفرنسيين أمجاد عصور الإنتداب!

كان يكفي الإستماع والتمعن في آراء  المحللين  والمستعربين، الذين يشيرون وينصحون الدوائر الرسمية وصناع القرار، لفهم الحالة المزرية التي طالت الدبلوماسية الفرنسية وسياستها الخارجية. تصوروا أن مراكز الأبحاث  أو ال think tank  التي ازدهرت في فرنسا كما في بلدان الخليج ، كانت تنظم ندوات خاصة  يتحدث فيها “خبراء  في الشؤون العربية” مهمتهم الترويج لأفكار المحافظين الجدد ، يسمعون النخب  ما يروق لساكن الإيليزيه سماعه، عوضاً عن الإستماع للرأي المغاير وواقع الميدان ، وتفعيل النقاش حول الدور الفرنسي والأوروبي في البلدان العربية. أذكر أنني حضرت في  2012 ندوة  في أحد المراكز كان الضيف فيها “خبير في الشؤون السورية”،  يبشر بقرب سقوط النظام وتفتت الجيش، ويروج إلى الفوضى القائمة في البلاد  وللإقتتال السني الشيعي وقرب انهيار النظام، فسألته كيف يفسر سقوط الدولة عندما يتقاضى الموظفون في كافة أنحاء البلاد رواتبهم الشهرية موالين ومعارضة؟

الفرنسيون قلقون وخائفون، الفنادق شاغرة والمؤتمرات الدولية تلغى الواحدة تلو الأخرى والحكومة في حالة دفاع عن النفس، يعلن وزير داخليتها أن اجهزته عملت جديا ً ولم تتخاذل، لكن الحقيقة ممرغة بالدماء ، وصور الضحايا وقصصهم تلاحق الحكومة ورئيسها يومياً  تصرخ وتقول، لم تدافعوا عنا ولم تقدموا لنا الحماية ، الجرحى ما زالوا بين الحياة والموت حالة معظمهم حرجة فيما  الناجون اتفقوا على وصف  ما جرى لهم بأنه يشبه ما كانوا يشاهدونه على شاشات التلفزيون  في بغداد وبيروت وسوريا، ما زالوا في غيبوبة لا يصدقون أنهم أحياء فيما الخبراء في مكافحة الإرهاب يبشرون الفرنسيين بالمزيد من البطش والقتل من الوحش الكاسر الذي بات في الداخل .

إنها الحرب على ايديولوجية داعش كما قال هولاند وها هو يصطف إلى جانب روسيا ومصر ولبنان  وسوريا ويبصم على التفاهم الروسي الأمريكي حول الملف السوري، نائياً بنفسه عن اجتماع دول العشرين ليلتفت إلى أمن فرنسا والفرنسيين، ويغوص في أسباب بؤر وبذور الإرهاب على أرضه بعد أن غض الطرف عن تصديره خارج الحدود، لسنوات.

                                            رولا زين                                                                                                                                       

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.