نبيه البرجي
من هو المسؤول السعودي الكبير جداً (جداً) الذي كان جمال خاشقجي يمتلك ملفاً كاملاً , وموثقاً , حول علاقاته بأسامة بن لادن (وقد يكون هو صلة الوصل) , وحول افتتانه به ومده بالمال من رصيده الشخصي , أو من خزينة الدولة , على مدى سنوات ؟ ما تناهى إلى الرياض أن الصحافي القتيل نقل المعلومات إلى جهات أميركية حساسة , بما فيها وكالة الاستخبارات المركزية , مع ما لذلك من انعكاسات خطيرة على رحلة الصعود إلى العرش . وما هي معلومات الرجل حول خلفيات , وتفاصيل , السيناريو الذي تم إعداده في البلاط , وبمعرفة تامة , بل وبتواطؤ تام , مع جاريد كوشنر , صهر الرئيس الأميركي , في صدد إطاحة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني , وإقامة نظام بديل يعلن "الوحدة" مع السعودية ؟ وأي تقارير كانت تصل من السفارة في واشنطن حول العبارات الساخرة التي كان خاشقجي يرددها أمام الأوساط السياسية , والاعلامية , الأميركية حول "النظام السبهاني" , نسبة إلى الوزير "الشهير" ثامر السبهان ؟ وأي معلومات "رهيبة" توعّد خاشقجي بوضعها , ذات يوم , أمام الملأ حول كل ما أحاط بعملية احتجاز رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري , وإرغامه على الاستقالة , بعدما أدى تدخل كبير القوم إلى عدم التعرض لحياته , بعدما كان هذا أول الخيارات , باعتبار أن اللبنانيين "ثرثارون" , ولهم صوتهم , ولهم رصيدهم , في دول الغرب . جمال خاشقجي لم يقتل بسبب مقالته الدورية في الـ"واشنطن بوست" , مع أن هناك أقاويل , بل ومعلومات , كثيرة حول الجهات التي شقت أمامه الطريق , ولأغراض حساسة للغاية, إلى صفحات الصحيفة الكبرى . الصحيفة المؤثرة إن في الاستبلشمنت أو في الرأي العام . في الأوساط الخليجية أن أهل البلاط تلقوا أكثر من تقرير حول التواصل , والتنسيق , بين خاشقجي وكل من أنقرة والدوحة (والبعض في واشنطن بطبيعة الحال) من أجل إرباك عملية تتويج محمد بن سلمان ملكاً خلفاً لأبيه , وقد استبقي في منصبه الصوري ليظل بمثابة شعرة معاوية مع أركان العائلة . الحكم بقطع رأس خاشقجي كان قاطعاً "ولتأكل جثته الكلاب", بعدما فشلت محاولات استدراجه إلى الرياض , أو إلى عمان , وحتى إلى بيروت , للتفاهم وإنهاء القطيعة , مع الإصغاء إلى نصائحه في ما يتعلق بالتحديث السياسي كرديف للتحديث الاقتصادي والاجتماعي . خاشقجي كان يعلم الكثير حول شخصية ولي العهد . واشنطن كانت المأوى المثالي له . ربما الأتراك اعتقدوا أن خروج الرجل من القنصلية سيكون آمناً مثل دخوله , وهم الذين زرعوا أجهزة التنصت في المكان . لم يتوقعوا أبداً أن يرتكب السعوديون تلك الحماقة , ويقتلوه , في سيناريو لا بد أن يكون من أعده قارئ ساذج , وبدائي , لروايات آغاتا كريستي . الأوساط الخليجية إياها تنقل عن خاشقجي قوله أن الذي حصل بين دونالد ترامب ومحمد بن سلمان , وفي ظروف أميركية وسعودية يكتنفها الكثير من الضبابية , قد يودي بالاثنين معاً . قد يحدث هذا فعلاً ... عين دونالد ترامب على الكونغرس . إذا تحولت الأكثرية , في الأسبوع الأول من تشرين الثاني , إلى الحزب الديمقراطي , ستكون "المطاردة الكبرى" التي تزعزع , أو تشل , أداءه , وهوالذي فقد صدقيته إن عبر سلسلة التغريدات , أو عبر سلسلة الإستقالات , والإقالات , التي شهدتها إدارته في غضون عامين . لم يحدث مثل هذا في أي إدارة أخرى . إقالة وزير الخارجية, وإقالة مستشار الأمن القومي , ثم ها أنه يصف وزير الدفاع بـ"الديمقراطي" , ويلمًح إلى إزاحته , مع استعداد المندوبة لدى الأمم المتحدة إلى المغادرة نهاية العام , ناهيك بإقصاء العشرات عن مناصبهم المحورية . صدمة دونالد ترامب كبيرة , وصاعقة . كل ذلك الكلام عن السعودية , وثرائها , لكي يفي الأمير بوعده وضع شركة آرامكو العملاقة بين يدي , أو بين براثن , الذئاب في وول ستريت . وكان ولي العهد قد أخذ بتحذيرات جهات دولية وعربية بعدم المجازفة بـ"ورقة التوت" لأن انهيار آرامكو يعني انهيار المملكة . الرئيس الأميركي لا يعنيه أن يقتل جمال خاشقجي , ولو في أروقة , أو في حديقة , البيت الأبيض . الذي يعنيه أن يقبض ثمن الجثة مادام الرجل كان قد حل ضيفاً (ولاجئاً) على الولايات المتحدة . حتى الآن , ما زال يتلاعب بالمواقف , والمصطلحات , لكن الضغوط التي تحاصره لا تقل هولاً عن الضغوط التي تحاصر محمد بن سلمان . في لحظة ما , قد يتصل بصديقه في قصر اليمامة ليقول له "آسف يا صديقي , عليك أن ترحل , وإلا أنا الذي ... يرحل" .