نبيه البرجي
حين يبوح الأمراء , وقد تقطعت بهم السبل , بما في صدورهم لأصدقاء من الخليج . "العائلة في خطر" . بعض مراكز القوى في الولايات المتحدة لم تعد توجه الأصابع الى الأمير محمد بن سلمان وحده , بل والى النظام برمّته .
لا ينفون "ثورية" الأمير الشاب , لكنهم ينظرون , بذهول , الى البعد الديكتاتوري في شخصيته , حتى حيال أقرانه من أفراد العائلة .
في أميركا , تنقل بين وادي السيليكون , حيث "الهاي تك" , ولاس فيغاس , حيث الترفيه . عاد من هناك بـ"رؤيته" التي تجمع بين ثقافة المصنع وثقافة الكازينو في مجتمع ترعرع على الانغلاق الايديولوجي والانغلاق السوسيولوجي .
البداية كانت بإزاحة محمد بن نايف , على ذلك النحو الشكسبيري , وبمسرحية الريتز التي كانت لها أبعاد سياسية (ترويع أبناءالعم) أكثر منها أبعاد مالية .
ما حدث كان انقلاباً ليس على أحد أركان العائلة , وانما على العائلة . استبقى والده على العرش كمظلة معنوية تؤمن له التغطية في كل ما يزمع القيام به .
الأمراء يقولون إن الخطوة كانت ذكية جداً . سياساته ما لبثت أن أظهرت أنه وضع حتى الملك وراءه . حدقوا , مليّاً , في الصور ...
يكشفون أن صاحب الجلالة الذي كانت ثقته لامتناهية بولي العهد يعيش لحظات هائلة من الحذر والخوف على ما ينتظره, وما ينتظر أبناءه .
الأمير محمد الذي أعطى كل شيء للأميركيين , تصور أنهم سيعطونه كل شيء . لم ياخذ بآراء , ونصائح , قادة عرب وأجانب بأن الأميركيين لا تعنيهم العلاقات الشخصية , ولا الصلات التاريخية . هم براغماتيون , ويبدّلون الرؤوس كما يبدّلون ملابسهم الداخلية .
اعتقد أن الأميركيين , والأنظمة الصديقة التي طالما أغدقت عليها المملكة المال , سيهبون للمؤازرة في "عاصفة الحزم". هو من وضع نفسه في عين العاصفة .
شيئاً فشيئاً راح العرش يهتز , ليس فقط لأن المليارات كانت تذهب هباء في تلك التضاريس القبلية , والتضاريس الجغرافية , وانما لأن مشاهد الكوارث الانسانية في اليمن أحدثت تفاعلات مدوية حتى داخل الاستابلشمانت في الولايات المتحدة .
ولي العهد كان يعتقد أن خوضه الحرب يفضي الى نقل المؤسسة العسكرية , بترسانتها التي تفوق الخيال , من صورة نافخي القرب في اسكتلنده الى الصورة البيسماركية للجيوش .
الرهان كان كاريكاتورياً . الطيارون السعوديون أظهروا أنهم لا يتقنون حتى قيادة الدراجات الهوائية . الطيارون الباكستانيون والأردنيون الذين تم شراؤهم لم يكونوا يكترثون بالاحداثيات الدقيقة . الغارات كانت عشوائية , وأظهرت مدى الخلل القاتل في أداء الاستخبارات العسكرية .
حرب اليمن حماقة كبرى . لا تعوّض عنها محاولة مد أنبوب النفط , عبر الأراضي اليمنية , الى بحر العرب . الشيء المريع الذي حدث أن الحوثيين لم يعودوا أعداء الدرجة الأولى لفئات معينة . عاصفة الحزم أطلقت عاصفة من الكراهية لدى اليمنيين تجاه المملكة .
الأمراء يشيرون الى "الحرب الأخرى" ضد قطر . أيضاً قراءة ساذجة لبهلوانيات دونالد ترامب . خلال جولاته في الولايات المتحدة ظن انه بات خبيراً في العقل الأميركي , ليظهر أنه الحصان الجموح الذي مثلما يتعثر بالصخور يتعثر بالحصى .
هل يتصور ولي العهد أن انتشار الوحدات التركية حول الدوحة , والحيلولة دون دباباته والدخول اليها , كان بعيداً عن الضوء الأخضر الأميركي ؟
كل هذا كفيل بأن يظهر في المملكة , وفي العائلة , من يتمنى لو يقول للأمير "والآن , آن الأوان لكي تتنحى" . لا أحد يتجرأ . وكانت عملية قتل جمال خاشقجي , وتقطيع جثته , في القنصلية في اسطنبول , بمثابة القشة التي قصمت ظهر الأمير .
أين محمد بن سلمان الآن ؟ لا يمكن أن تكون تلك الضوضاء حول حادثة القنصلية الا الضوضاءالمبرمجة . صاحب السمو يبدو وحيداً في الحلبة . لا تعني شيئاً البيانات (القبلية) التي صدرت عن دول عربية (لا تنسوا تصريح الرئيس سعد الحريري) , والتي , بصياغتها اللغوية , أقرب ما تكون الى مقامات بديع الزمان الهمذاني .
اذ يهتز العرش , الملك سلمان يستذكر العائلة , ويستنفرها . الإبن في خطر , البلاط في خطر . رجب طيب إردوغان اشار بأصابعه العشرة الى من يقف وراء القتلة . جيمس ماتيس ومايك بومبيو ماذا يقصدان حين يدعوان , أو يأمران, بوقف النار في اليمن ؟
محاولة للمّ شمل العائلة , وقد تشتتت . الأمير أحمد بن عبد العزيز عاد الى المملكة لانقاذ ما يمكن انقاذه . البحث جدي عن البديل . "الواشنطن بوست" قالت "سنلاحق القاتل حتى في غرفة النوم" .
إدارة العواصف تحتاج الى عقل خارق . لاحظنا كيف أن الإعلام الغربي أعاد الى الواجهة حادثة احتجاز رئيس الحكومة اللبنانية وارغامه على الاستقالة .
الأمير كان يرغب في وضع المملكة تحت الأضواء . ما حدث أنه وضعها تحت النيران . هذه نيران جهنم ...