تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الطريـق المزدحـم نحـو الشـرق..؟!

قبل فترة أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أن تفكّر بنقل اهتمامها نحو الشرق بعد أن شبعت من الشرق الأوسط. الرئيس الروسي جال قبل أيام على تركيا والهند وغيرها، ووقّع عدداً من الاتفاقيات التي تؤكد التوجه الروسي نحو الشرق لاسيما بعد العقوبات الغربية على روسيا والتي بدأت مفاعيلها تظهر على الاقتصاد الروسي. وقبل ذلك عقدت القمم بين دول الشرق لتؤكد المصالح بين هذه الدول. كما توجه عدد من قادة الغرب مثل الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية نحو الصين لتعزيز التعاون، بينما ستعود بريطانيا إلى الخليج العربي من خلال اتفاقات جديدة مع مستعمرتها القديمة البحرين. فلماذا هذا الاندفاع نحو الشرق؟

لا شك أنّ هناك أسباباً عديدة تدفع دول العالم للتوجه نحو الشرق لاستثمار الفرص الكامنة فيه لتحقيق مصالح اقتصادية وسياسية وجيوـ إستحراتيجية. فالرئيس الأمريكي باراك أوبا لن يذهب إلى الهند للتنزه أو لقضاء عطلة الميلاد، بل لعقد الصفقات والاتفاقات وحشد المواقف. وقبله الرئيس الروسي وقّع اتفاقات مهمة مع الهند شملت تزويد الأخيرة بـ 12 مفاعلاً للطاقة النووية، ووقّع مع تركيا اتفاقات تتجاوز قيمتها /100/مليون دولار؛ إذن الشرق منطقة لا تزال كامنة الطاقات وتعد بالكثير. لكن هناك أمر آخر في الشرق، وهو التنين الصيني المتناغم مع الاتحاد الروسي والذي بدأ يرعب الغرب الاستعماري، ولا بد من إيجاد طرق لوقفه أو التخفيف من سطوته المتزايدة في الاقتصاد والسياسة والعسكرة. الصين قوة تكبر بصمت لكن الغرب ليس غبياً وهو يراقبها بقلق ويدرك أهميتها ويحاول تحجيم دورها قبل استفحاله، وهو ـ الغرب، يضع روسيا تحت الضغط السياسي العسكري والاقتصادي والعقوبات المتنوعة لمنع عودتها للساحة الدولية كقوة عظمى.
الاتجاه نحو الشرق قد يكون أيضاً بسبب إفلاس الغرب نفسه؛ فقد وصل الغرب إلى طاقته القصوى واستنفد كل موارده، من جهة. والغرب الاستعماري لا يؤمن جانبه أيضاً بالنسبة للدول الصغيرة أو لأصحاب رؤوس الأموال من هذه الدول لجهة السطوة على الأموال والمشاريع حسب تقلبات الأوضاع السياسية من جهة أخرى. ولأسباب عديدة أخرى، فإن الغرب لم يعد حلماً جميلاً يدغدغ مخيلة أي مستثمر يطمح بإيجاد مكان آمن لتوظيف أمواله أو حتى أي دولة ليست غربية. فالخشية من العقوبات وتجميد الأموال والأسباب المختلفة تجعل الكثيرين ـ أفراداً ودولاًـ يحذرون الغرب بالمجمل ويتجنبونه.
ولعل من الأسباب المهمة للتوجه نحو الشرق أنّ الغرب أبقى العديد من دول الشرق مرتبطة به سواء بسبب العلاقة الاستعمارية السابقة أو بسبب اتفاقيات معينة، وهذا ما أعاق أو منع أو أخّر التعاون والتنسيق بين دول الشرق نفسه. وفي حين يتحدث الغرب كتلة واحدة في المحافل الدولية وفي العلاقات الدولية والأمم المتحدة، يفتقد الشرق لمثل هذا التكتل وهذه القوة، مما يبقيه منفعلاً وليس فاعلاً بالقدر الذي يجب ويستطيع لحماية نفسه.
ونحن في سورية، قبل بدء الأزمة وبعدها، كان هناك حديث عن التوجه نحو الشرق بعد المواقف الأوروبية والغربية التسلطية والاستعمارية. ولكنّ مثل هذا الحديث لم يظهر في الممارسات العملية إلا نادراً؛ لا نقوم بأي جهد واضح لشرح المواقف ووجهة النظر السورية، الضغوط التي نواجهها، حملات الكذب والافتراء التي نتعرض لها، التخريب الذي تتعرض له بلادنا من قبل الإرهابيين ومن يدعمهم، لا نحاول توقيع اتفاقات جديدة لدعم الاقتصاد والصمود السوري، لا نقوم بأي شيء واضح للدفاع عن ثوابتنا وحقوقنا ومصالحنا. الخشية أنّ نتأخر كثيراً وتغلق كلّ الأماكن ولا نجد لأنفسنا موضعاً نستفيد منه.. رغم أننا من هذا الشرق.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.