تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

رأي البلد: هكذا يستثمر أكراد سوريا الحرب الدائرة عليها

مصدر الصورة
SNS-خاص

           لم يعد تنظيم داعش وحده من ينشر خرائط  دولته المزعومة بالحدود والإمتداد اللذين يحلم بهما , وإنما أصبح للأكراد خريطة أيضا تستولي على جزء كبير من الأرض السورية يمتد من القامشلي شرقا حتى لواء اسكندرون السليب ومعه كيليكيا والجزيرة العليا غربا  !!! ومن الجنوب تمتد حتى الحدود الإدارية لمدينتي حلب و الرقة ومحافظة دير الزور ! أطلق عليها اسم "كردستان سورية" أي "كردستان الغربية ".

وبالتزامن مع مطالب كردية بتوفير "ممر آمن " بين الجزيرة السورية ومدينة عين العرب , وبدء الأكراد حفر خنادق أشبه بالحدود حول عين العرب والعمل على إنشاء قاعدة للبشمركة فيها  , كان " المرصد السوري لحقوق الإنسان " ينشر يوم الجمعة 13 /2 /2015 خريطة لما قال أنه "كردستان سورية " قدمها ممثل الحزب الديمقراطي نوري بريمو للاجتماع الذي انعقد في مدينة القامشلي في اليوم نفسه وضم ممثلين عن "حركة المجتمع الديمقراطي " و"المجلس الوطني الكردي "  بهدف الإتفاق على المرجعية السياسية والتنسيق بين "الاتحاد الديمقراطي الكردي" القريب من حزب العمال الكردستاني بزعامة عبدالله اوجلان من جهة وبين "المجلس الوطني" برئاسة عبدالحكيم بشار الممثل في "الائتلاف الوطني السوري" المعارض والقريب من رئيس اقليم كردستان العراق مسعود البرزاني من جهة أخرى.

وأسفر الاجتماع عن تبني "الرؤية السياسية الكردية من أن سورية دولة اتحادية تعددية ديمقراطية برلمانية متعددة القوميات , الأمر الذي يستوجب إعادة بناء الدولة وفق النظام الاتحادي الفيدرالي واعتبار الأكراد قومية ذات وحدة جغرافية سياسية متكاملة " ,  و"تعزيز العلاقات الكردستانية " بين الأكراد في العراق وتركيا وايران وسورية وعقد "المؤتمر القومي الكردي ". ما استدعى ردا من حزب الشباب الوطني السوري المعارض يوم الأحد 15-2-2015 فأصدر بيانا أكد فيه "أن الأكراد جزء من النسيج الوطني للشعب السوري الذي تعود حضارته واندماجه في القومية السورية لأكثر من عشرة آلاف عام "!!!!!!!!  وأكد البيان أن هذه الدعوات والمؤتمرات الانفصالية تخدم بالنهاية المشروع الأمريكي - الاسرائيلي لتقسيم سورية , مع التأكيد على حقوق الشعب الكردي بممارسة ثقافته من لغة وغيرها ضمن إطار إدارة ذاتية في دولة ديمقراطية تعددية .....

وكأن البيان يشير الى "التجربة الذاتية " للأكراد في العراق والتي أدت لنشوء ما يسمى "اقليم كردستان" الذي يتبع اسميا للادارة المركزية في بغداد .

لكن ولنعرف من هم الأكراد وكيف أصبح لهم حق مزعوم  بدولة على الأرض السورية , وهل كان وجودهم على الأرض السورية منذ " عشرة آلاف عام " ؟؟؟ لا بد من عودة سريعة للتاريخ الذي يبقى هو الحكم ,

يختلف المؤرخون حول تحديد أصول الأكراد ونشأتهم فيقول مؤرخ الانتوغرافيا (ب-ليرخ) أن الأكراد هم أحفاد الايرانيين المحاربين الأشداء وقد نزلوا منذ الألف الثالث قبل الميلاد إلى سهل دجلة والفرات وأخضعوا القبائل السامية في بابل .

ويتحدث المؤرخ اليوناني زنيفون – وهو أحد تلامذة سقراط – عن الإنسحاب الشهير لعشرة آلاف يوناني عبروا جبال زاغروس إلى البحر الأسود وقال أنهم هم الأسلاف الحقيقيين للكرد .فيما يقول العالم هنري فيلد أن الأكراد هم مجموعة من الأعراق المختلفة منها الأرمني والبلقاني والمتوسطي والأناضولي والألبي .

أما محمد أمين زكي الوزير العراقي الأسبق فقد حدد في كتابه المنشور باللغة الكردية عام 1931 المنطقة الكردية بأنها عبارة عن مناطق خوزستان , شمال العراق, أرمينية,آران أذربيجان,وأن لفظ كردستان أطلق من قبل السلاجقة على المناطق الواقعة بين أيالتي أذربيجان ولورستان وكرفشاه أردلان وصاوجيلا والجنوب الشرقي من ولاية أذربيجان وتوجد بعض القبائل الكردية في طهران وخراسان وهمدان ومازندران وفارس والمنطقة الواقعة بين قزوين وجيلان .

أما علم التيمولوجيا الذي يبحث في أصل الكلمة فيرى أن كلمة كرد تدل على البطل أو الشجاع أو الذئب في اللغة الفارسية , فيما يرى العالم الروسي( مار ) أن كلمة كرد وكلمة كورت الأرمنية هي كلمة واحدة .

تتعدد النظريات وتختلف في جوانب وتلتقي في جوانب أخرى ولا مجال لاستعراضها كلها ,ما يهمنا هنا هو التواجد الكردي في سوريا حيث يذكر المؤرخون أن الأكراد انتشروا عبر قرون كقبائل رحل رعاة في غرب آسيا وفي بلاد ما بين النهرين أما في سوريا فكان تواجدهم حول مدينة حلب ,وقد استخدمت كلمة كردستان لأول مرة من قبل السلطان سنجار في القرن الثاني عشر عندما أسس مقاطعة كبيرة بهذا الاسم تمتد على خمسة أقطار : ايران,تركيا,العراق ,سوريا, وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق .

في سوريا شكل الأكراد عنصرا من عناصر النسيج الاجتماعي السوري لاسيما بعد لجوئهم إليها إثر تعرضهم للمجازر على يد الأتراك في عشرينيات القرن الماضي وتجمعهم في المناطق الشرقية والشمالية الغربية باعتبارها مناطق حدودية يسهل الوصول اليها ,لكن فيما بعد وفي يومنا هذا ما الذي حدث ؟ وكيف بدأ الأكراد الحديث عن حقهم التاريخي في هذه الأرض واعتبار أصحابها الأصليين محتلين ؟

في غفلة من الزمن ومن السوريين عمل الأكراد ضمن مسارين متلازمين الأول تكريد أسماء المناطق المستهدفة مستغلين ربما حسن المعشر لدى السوريين أو جهلهم بالتاريخ أو كليهما معا وروجوا لمقولة أن الدولة السورية قامت بتعريب أسماء المدن والمناطق ,فمثلا مدينة عين العرب التي ذاع صيتها مؤخرا والتي نشأت أوائل القرن الماضي مع مشروع سكة حديد بغداد والتي يعتقد الكثيرون أن اسمها الكردي هو كوباني  والصحيح أن من أطلق عليها اسم عين العرب هم القبائل الكردية التي كانت ترتاد  العين لسقاية ماشيتهم  وأما اسم كوباني فأطلقه العرب على المدينة وهو محرف عن كلمة company نسبة للشركة الألمانية التي كانت تنشىء خط سكة الحديد .ولا يستخدم الأكراد اسم عين العرب لنفي صفة العروبة عن المدينة نهائيا .

ومدينة رأس العين في محافظة الحسكة التي ترجم اسمها عن السريانية (ريش عينا ) غير الأكراد اسمها إلى (سري كاني) لإثبات الادعاء بحقهم التاريخي في المدينة مع العلم أن اسم المدينة (راس العين ) مذكور في كتاب الرحالة ياقوت الحموي .

ومدينة عفرين في الريف الحلبي التي تعود تسميتها للغة السورية القديمة  الآرامية وتعني التراب أما الأكراد فيسمونها (كرداغ) في حين أن وجودهم فيها يعود فقط إلى القرنين الماضيين بعد هروبهم من اضطهاد الأتراك . والأمثلة في ذلك عديدة لامجال لتعدادها ....

والمسار الثاني هو اللعب على البنية الديمغرافية للمناطق المستهدفة والدليل الواضح على ذلك مدينة القامشلي التي تحتوي مكونات عدة من السريان والآشوريين والعرب والأرمن والأكراد هاجر غالبية سكانها من غير الأكراد بفعل ممارسات كردية تجاههم وتشهد على ذلك نسبة الجالية السورية من أبناء القامشلي في السويد ,لنجد هؤلاء الأكراد يتحدثون اليوم عن مدينة ذات غالبية كردية بفعل التاريخ ...

أما منطقة تل أبيض التي شملها ممثل الحزب الديمقراطي نوري بريمو بخريطة دولته المزعومة وأشار إليها بيان القامشلي – كممر آمن - بالتزامن مع إطلاق أكراد انفصاليين حملة لتأكيد الهوية الكردية للمنطقة ,وهنا لابد من التذكير بالأرقام ,إذ يبلغ عدد سكان منطقة تل أبيض 200ألف نسمة بينهم (5 آلاف) كردي مع التأكيد أنه في بداية الثمانينات من القرن الماضي كان لا يوجد في المدينة ذات الــ 22 ألف نسمة سوى عدد قليل من العائلات الكردية التي وفدت إليها من الريف بحثا عن الرزق .

في سوريا تتعدد الإثنيات والطوائف ما يجعل الكثيرين يتحدثون عن الموزاييك السوري الفريد, واليوم يحاول الأكراد من دعاة الانفصال استثمار الحرب على سوريا لتحقيق أهدافهم في الشمال السوري مستغلين تحالفات وقوى أنتجتها الحرب, فنراهم ينضمون لهذا التحالف أو ذاك ويحيكون المؤامرات من دهوك إلى استنبول , ولا يمل خطابهم الإعلامي الحديث عن بطولاتهم وتضحياتهم التي قدموها في مواجهة الإرهاب وكأنهم الوحيدون الذين يدافعون عن هذه الأرض ! فماذا يقول أهالي نبل والزهراء والفوعة مثلا وهم المحاصرون منذ بداية الحرب على سوريا قبل أربع سنوات ومازالوا يصدون الهجوم إثر الهجوم ؟ وهل يطالب أرمن كسب وحلب بمكافأتهم على صمودهم في وجه الإرهاب ؟ والشركس و و .....الخ

بالعودة إلى خريطة السيد بريمو نجد – بديهيا – أنها تخدم مخططات أعداء سوريا في إقامة كيان غريب ينفذ أهدافهم وقد بدء بهذه الخدمة عمليا في عين العرب بإقامة قاعدة للبشمركة -حليفة وحدات الحماية في مواجهة (داعش) وصنيعة اسرائيل مع مصطفى البرزاني في ستينيات القرن الماضي- لتكون "كردستان " في الشمال و" اسرائيل "في الجنوب .

وأما الإدارة الذاتية التي تطالب بها المعارضة الكردية الوطنية فلا نستطيع فهم مبرراتها , إذ أن الأكراد موجودون في كل أجهزة الدولة ومؤسساتها كسائر مواطني الجمهورية العربية السورية, فهم نواب في مجلس الشعب ووزراء في الحكومة وعناصر في الجيش  السوري وموظفون كبار وصغار وحرفيون وكذلك ممثلون في المجالس المحلية للمناطق المتواجدين فيها وهم يمارسون شعائرهم وثقافتهم ولغتهم وحتى معارضتهم فما معنى المطالبة بإدارة ذاتية ؟ لا نفهم هذه المطالبة إلا أن تكون خطوة أولى نحو الاستقلال عن الدولة المركزية ولكنها خطوة مغلفة بشعارات الحرص على وحدة الأرض السورية والإنتماء...والتجربة العراقية حاضرة بتبعاتها وسلبياتها التي نراها ولانريدها لوطننا تحت أي ذريعة .

دروس التاريخ تؤكد حتى الآن أن جميع الحروب  والأزمات التي عصفت بالمنطقة كانت تحل على حساب الأكراد نتيجة حساباتهم الخاطئة , فهل تنتهي عاصفة الأزمة الحالية في المنطقة على حسابهم ؟؟نأمل ألا يتم ذلك وأن يستمر الشعب الكردي جزءا لا يتجزأ من مكونات النسيج الاجتماعي والوطني لشعوب المنطقة بدولها كافة.

 

                                                                                    مي عيسى

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.