تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

البيوت الدمشقية القديمة… عبقرية معمارية وجمال في التصميم

مصدر الصورة
سانا

“إن شعبا يقدر مهندسوه رسم صرح شبيه بخان اسعد باشا وعماله قادرون على تنفيذه لن يموت في مجال الفنون” هكذا وصف الشاعر الفرنسي لامارتين عبقرية العمران الدمشقي عندما زارها عام 1833.

أزقة متعرجة بعيدة عن الرتابة والملل.. بيوت متعانقة متلاصقة تعكس طبيعة ساكنيها لتختصر بذلك بعضا من صفات مدينة دمشق القديمة بكل ما تمتلكه من إرث حضاري وتاريخي وانساني وأسلوب عمارة بطرازه الفريد ادهشت كل من زارها لتستحق إدراجها على لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو.

وتتصدر البيوت القديمة ببنائها المتقن مزايا العمارة الدمشقية بأدق تفاصيلها التي اهتمت بكل شيء ففي زاوية نجد بروزات معمارية تبدو كمظلة تقي من مطر الشتاء وفي زاوية أخرى عرائش نباتات خضراء متدلية تخفف من وهج شمس الصيف اما الساحة بين البيوت فمحددة للباعة الوافدين من القرى المجاورة كخلاصة لإبداع المعماري الدمشقي الذي لم يكتف بتزيين داخل البيت بل ذهب الى حارات وأزقة المدينة ليسطر ما يدهشنا من المشاهد الجمالية.

الباحث الآثاري حسان النشواتي ذكر في حديث لـ سانا إن هناك الكثير من العلماء الذين ادهشتهم عبقرية العمران الدمشقي بما عكسه من إمكانات التقاليد الفنية للعمارة السورية في دقة الصنعة وانتقاء الموضوعات الزخرفية مثل خان أسعد باشا وغيره.

عناصر العمارة الدمشقية الفريدة تبدأ حسب النشواتي من البيت الدمشقي الذي يحتوي ابداعات معمارية وتزيينية من الخط العربي الذي نجده في الجدران والأسقف حول أبيات الشعر والحكمة أو وثيقة تؤرخ للمكان لتعكس هذه السمات الذوق الفني والتقاليد الاجتماعية والتكوين الأسري السائد في المدينة.

وأضاف النشواتي أن “التقسيمات والفراغات في البيت الدمشقي تراعي حالات الطقس وفصول السنة ومنها المربع والليوان والداور والفرنكة والمشرقة والمخدع والقاعة وغيرها ولكل عنصر منها حاجته ووظيفته التي انبثقت من حاجة ساكن البيت”.

ويبين النشواتي أن البيوت الدمشقية تختلف عن بعضها في المساحة وفي تعدد مرافقها وفي درجة تزيينها ونقشها ولكن التشابه ثابت في ملامحها العامة وأساسيات عناصر تكوينها.

بدورها تسهب الباحثة ناديا نصير في الحديث عن عبقرية العمران في دمشق القديمة والذي كان مدرسة في مفهوم الاستدامة ولا سيما أنه حقق أعلى درجات الحفاظ على البيئة المحيطة وتفاصيل البيت الدمشقي كوحدة مصغرة هي أوضح دليل.

وتشرح نصير فكرتها أنه من لحظة الدخول الى اي بيت دمشقي بدءا من الحارة الضيقة عبر باب الدار الذي يتميز دائما بتواضعه ثم العبور إلى المدخل الذي يتميز دائما بعتمته ثم الدخول إلى باحة الدار يصدم الزائر بثراء الطبيعة فيه وجمالها كما يغمره نور يتلألأ في صحن هذه الدار المربع الذي يكمن فيه الاعجاز الأكبر حيث يعتبر رئة التنفس الأساسية للسكان.

وللهواء في هذه البيوت مهمات عدة برأي نصير تتمثل بالتدفئة والتكييف لكل الفراغات وتأمين الاوكسجين والرطوبة وحماية البيت من الرمال والتلوث مشيرة في الوقت نفسه إلى ان البيت الدمشقي محمي من التأثيرات المناخية في الصيف والشتاء من خلال حسن استخدام وتوزيع الفراغات فيه الذي يعطي امكانات خدمية اجتماعية انسانية لوجود ثلاثة أجيال في ذات الوقت.

وراعت عمارة البيوت في دمشق القديمة البناء البيئي بالمفهوم الحديث في مجال المدن حيث ترى نصير أن التجمع الكتلي لمكونات المدينة وتصميم الأبنية ناسب الاحتياجات الحقيقية للمستخدمين وتعاون الحرفيين لتحقيق ذلك بجودة فنية عالية أدى لتحسين شروط الحياة الخاصة والصحية والاقتصادية.

ولا تحقق العمارة في دمشق القديمة مفهوم الاستدامة فقط بل إن الباحثة نصير تضيف لها مفهوما اخر يحمل الاهمية نفسها وهو وحدة التنوع ويتجلى ذلك في تنوع التاريخ والحضارات والاديان والعناصر الانشائية والزخرفية والفنية والحرفية المؤلفة للمنزل.

التنظيم العمراني في دمشق القديمة الذي استلهمته مدن بأكملها حول العالم يستدعي تطويره كإرث حضاري محلي واعتماده نموذجا لتطويره بحيث يؤثر في منازلنا الحديثة ويستعيد إرث الأجداد.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.