تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

مـرض المـوت فـي الفقـه والقانـون..!!

مصدر الصورة
محطة أخبار سورية

آثر التشريع السوري، كالكثير من التشريعات القانونية، ترك تعريف مرض الموت إلى الفقه الإسلامي، مفسراً بقضاء المحاكم، وذلك للمساحة الكبيرة التي يحكمها مرض الموت والفسحة الواسعة للأمراض الكثيرة التي تنتاب الإنسان خلال حياته، ولتنوع الحالات السهلة والصعبة والمستجدة للأمراض الحديثة التي تستجد كل يوم.

وقد جاء في الفقه الحنفي تعريف مرض الموت: بأنه المرض الذي يعجز الرجل أو المرأة عن ممارسة أعمالهما المعتادة ويتصل به الموت قبل مضي عام من بدئه إذا لم يكن في حالة تزايد أو تغير، فإن كان يتزايد اعتبر مرض موت من تاريخ اشتداده أو تغييره ولو دام أكثر من عام.

وفي القضاء السوري يُعرف بالقول: إن من شروط مرض الموت أن يكون المرض من الأمراض التي يغلب فيها الموت عادة مما يولد عند المريض شعوراً بالخوف من الموت وينتهي بالموت فعلاً.

ويخرج عن مرض الموت ما استقرت عليه اجتهادات محاكم النقض في الوطن العربي بصورة عامة، ومحكمة النقض السوري بصورة خاصة؛ مرض الضعف الشيخوخي والإصابة بالفتق واحتباس البول وتضخم البروستات وتصلب الشرايين وإصابة القلب والكلى بالتلف، ومرض الالتهاب الشيخي المزمن.. وإن كان من الجائز أن تنتهي بالوفاة بسبب المضاعفات التي قد تنتاب المريض، إلا أنه ليس من الأمراض الخطيرة التي تؤدي حتماً إلى الوفاة. وكذلك فإن أمراض سرطان الدم والفالج والسل والروماتيزم والالتهاب الرئوي لا تدخل ضمن أمراض الموت خاصة إذا امتدت أكثر من عام، وإن أقعدت المؤرث عن ممارسة أعماله، والربو المصحوب بنزلة شعبية ولو توفي به الشخص فجأة في سن يندر فيه الوفاة في هذه الحالة، فإنه لا يعتبر مرض موت، لأن هذا المرض ذاته قابل للشفاء وغير مانع من مباشرة أعماله في الفترات التي تتخللها النوبات؛

فالاجتهاد لم يأت على تعداد حصري لأمراض الموت وإنما ترك "لمحكمة الموضوع" بما تعتمده من خبرات أو أقوال الشهود معرفة ذلك، وفيما إذا كان مرض موت أم لا، حيث اعتبر مرض الموت واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع طرق الإثبات؛ وهو مسألة اجتهادية يخط فيها القضاء دوراً مهماً في تحديد الآثار والنتائج والحقوق والالتزامات؛ وذلك على اعتبار أن حق الورثة في أموال المؤرث يتعلق بأموال المريض لا من وقت موته، بل من وقت المرض الذي يموت فيه؛

فإذا صدرت منه تصرفات تنطوي على التبرع منذ هذا التاريخ كان لهذه التصرفات حكم الوصية، وأن التصرف الصادر في مرض الموت إذا انطوى على تبرع فيما يجاوز ثلث التركة لا يكون باطلاً، ولا يكون قابلاً للإبطال، بل يكون فيما يجاوز ثلث التركة غير نافذ في حق الورثة؛ فهو تصرف صحيح، لكنه لا ينفذ في حق الورثة إلا بإجازتهم؛ فإذا لم يكن هناك ورثة نفذ التصرف في كل المال.

أما إذا أثبت الورثة أن البيع صدر في مرض الموت، فإن القانون يفترض أن البيع حقيقته هبة، وأن المريض لم يقبض ثمناً من المشتري، وأن الثمن المذكور في العقد إنما هو ثمن صوري، ولكن هذا الفرض قابل لإثبات العكس، وعلى المشتري أن يثبت أنه دفع فعلاً ثمناً للمبيع لا يقل عن قيمته لينقض هذه القرينة، ولا يجوز للمشتري التمسك بإقرار البائع أنه قبض ثمناً ذكر في عقد البيع لأن هذا إقرار من مريض في مرض موته، فلا يعتد به؛ لأن الشبهة قائمة في أن البائع والمشتري متواطئان على تصوير أن هناك ثمناً دفع؛

وإذا لم يستطع المشتري أن يثبت أنه دفع ثمناً ما للمريض اعتبر التصرف هبة بغير ثمن، وكان لها حكم الوصية لأنها وقعت في مرض الموت؛ فإذا كانت قيمة العين لا تزيد على ثلث التركة، نفّذ التصرف في حق الورثة دون حاجة إلى إجازاتهم؛ وإذا زادت قيمة العين على الثلث لم ينفذ التصرف فيما يجاوز الثلث إلا بإجازة الورثة؛ فإن لم يجيزوا وجب على المتصرف له أن يرد إلى التركة ما جاوز الثلث؛ أي أن يرد إليها ما يفي ثلثيها؛

أما إذا كان التصرف لوارث فلا ينفذ في حق الورثة سواء زادت قيمتها على ثلث التركة أو لم تزد إلا بإجازة الورثة؛ فإذا لم يجيزوا، وجب على الوارث ردّ العين إلى التركة.

ولا رقابة لمحكمة النقض على ما تستنتجه "محكمة الموضوع" من تقديرات في تحديد مرض الموت طالما أن هذه التقديرات ضمن القواعد الموضوعية المقررة لمرض الموت، لأنها من إطلاقات محكمة الأساس وطالما أنها تتحقق في شروط هذا المرض التي أتينا على ذكرها، وهي:

1ـ أن يكون المرض من الأمراض التي يغلب عليها الموت عادة؛

2ـ أن يتولد لدى المريض شعور بالخوف من الموت؛

3ـ أن ينتهي المرض بالموت فعلاً قبل مضي سنة على بدئه ما لم يشتد المرض بعد ذلك.

وقد استقرت أحكام الفقه والاجتهاد على أنه إذا كانت شروط مرض الموت مسألة قانونية فإن حصول هذا المرض وتوفر شروطه مسألة وقائع تستخلصه "محكمة الموضوع".

بالمحصلة، فإن ثمّة حالات تشترك في الشروط الثلاثة المتقدمة والتي هي عبارة عن إمارات مادية تجتمع فيها نشوء حالة نفسية بالمريض تجعله يعتقد بدنو أجله، وأية حالة آخرى مادية غير المرض تجعل الإنسان يعتقد بدنو أجله يكون من شأنها أن تثير في نفسه هذه الحالة بالذات، ويكون لتصرفاته حكم تصرفات المريض مرض الموت، ولو لم يكن مريضاً أصلاً؛

فالمحكوم بالإعدام ينتظر التنفيذ؛ ومن كان في سفينة على وشك الغرق ولم تتهيأ له وسائل النجاة؛ ومن داهمه حريق لا سبيل للنجاة منه؛ ومن حوصر في حرب وأيقن أنه مقتول؛ ومن عقد نيته على الانتحار؛ كل هؤلاء أصحاء ليس بهم مرض، ولكنهم يعتبرون في حكم المرضى ويكون لتصرفاتهم ـ وهم في هذه الحالة ـ حكم التصرفات الصادرة في مرض الموت. ولكن حسم هذا الأمر يحتاج إلى اجتهاد من قبل قضاة الموضوع في قابل الأيام.

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.