تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

فيروز سلطة خامسة

مصدر الصورة
السفير

حبيب فياض

أن يتم التعرض للسيدة فيروز ومحاولة النيل منها مع ما تمثله من رمزية لدى اللبنانيين، فذلك يعني، ببساطة، رغبة البعض بتجاوز الممنوع على ايقاع شيطاني، ووفق رعونة أشبه بالهستيرية التي تدفع الى فعل غريزي يعكس المكبوت من الحقد خارج حسابات الخسارة والربح، وذلك على طريقة «أنا خارج المتوقع والمألوف، إذا أنا موجود».

فيروز هوية. بينها وبين الوطن ما بين الانتماء والأرض، وما بين التراب والإنسان. هي جامعة للبنانيين على المحبة والخير والحنين، برغم تفرقهم على السيادة والرئاسة والحكومة والنيابة وجمع النفايات و... وكأنه لم يكن ينقص لبنان سوى الإساءة إلى أيقونته الفيروزية لكي يكتمل المشهد اللبناني بتشوهاته الكثيرة. الإساءة إليها ليست سوى استكمال لمشهد انعدام الدولة، وانقسام المجتمع، وفساد المسؤولين، وتضخم الدين، وهجرة الإنسان وتراكم النفايات.

فيروز فسحة وطن في بلد يضيق بأهله. هي حاضنة التراث والأصالة. تستقر عنصرا في تشكيل الوعي الفردي وفي تكوين اللاوعي الجمعي. في صوتها صفاء الفلاحين، وحياة الكادحين، وهدأة المتعبين، وانتظار العاشقين، وصرخة في وجه الظالمين. وهي ألوان الحياة بحلوها ومرها، بجلائها وتعكرها، بآلامها وأحلامها، بنجاحاتها وإخفاقاتها. سيدة بقامة فيروز تبقى «أيقونة لبنان»، فيما يتبدل الآخرون ويعبرون. ينثر صوتها السكينة، ويعيد التوازن إلى قلوب افتقدته بفعل الحروب الأهلية والخارجية. لا ذاكرة للبنان لا تكون فيروز ركنا أساسيا في عمارتها. قد لا تكون جزءا من الذاكرة فحسب، بل هي الذاكرة التي توحد اللبنانيين، حيث تنتفي الحدود معها، وترفع الحواجز في حضرتها.

فيروز هي الفن الأول والسلطة الخامسة. هي الصوت الذي يخرق جدار المكان ورتابة الزمان، ويصدح عند التقاء الروح والطين. صوتها يصنع الحرية، ويهذب الوجدان، ويحاكي باطن النفس، ويضع الإنسان قاب قوسين او أدنى من حقيقة الإنسان. يهب الطمأنينة كالشمس التي ترسل نورها من دون أن تنتظر ردًا.

فيروز قصة وطن وعماد حضارة. الحكاية عنها هي الحكاية عن الحياة واليوميات والذكريات، والكتابة عنها كتابة عن كل جميل مضى وكل جميل يأتي. هي أول ما يكون معنا عندما نرحل، وأجمل ما يلازمنا حين نغادر. وهي من يستقبلنا حين نعود. نحزن فتحضر معنا ونفرح فتحضر أيضا. هي رفيقة الأجيال، فأحبها الصغار والكبار. وحدت اللبنانيين الذين انقسموا على كل شيء ولم يلتقوا يوما حول رمز واحد، فإذا بها ترتقي إلى مستوى الرمز والأسطورة.

فيروز بصوتها الملائكي هي الوجه النقيض لنعيق السياسة وقرقعة طبول الحرب. هي السيدة الأولى التي قارب وجودها حد الأعجوبة والكرامة، فاستطاعت ان تختزن هوية لبنان في صوتها ولم تخرج يوماً عن إجماع اللبنانيين حولها، ما خلا نفر قليل وقلة نافرة. هؤلاء، منهم من خرج عليها بالأمس على غير هدى وتحت وطأة التعصب السياسي، ومنهم من أساء اليها اليوم حقداً، وهو أعمى الذوق ومختل السريرة ولا قيمة لما يكتب أو يقول.

من أساء اليها مؤخرا، تلقى يوماً صفعة من رئيس البلاد فلم يجد أحداً من اللبنانيين يقف الى جانبه. بقي وحيداً لسوء سمعته وسيرته، فبقيت الصفعة مدوية في داخله ولم يستطع الخروج منها. أراد اليوم أن ينتقم من كل اللبنانيين فأساء لفيروز، وكتب ما كتب عن مَن هي أكثر مَن يحبونه.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.