تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

كيف يهدد الإعلام الأمن القومي المصري؟

مصدر الصورة
الأهرام

محمد صابرين

أصبحت الشكوى مرة من الاعلام فى مصر، وأغلب الشكاوى صحيحة، وذلك بعدما فقد الإعلام والكثير من الوجوه التى تتصدر المشهد الاعلامي، توازتها وحضورها ومهنيتها، وقدرا لابأس به من المصداقية، بل والصلة بالعصر ومنطقه وأدواته وقد وصل الأمر إلى أن أحد الخبراء الإستراتيجيين اللواء عبد الحميد خيرت كتب يقول بصراحة »لانريد إعلام تطبيل بمثل مالانريد إعلام تهويل وتفزيع«، وهنا فأن جوهر مايريده هو »إعلام ينتمى للعصر« ويدرك ماذا يقول وكيف يقول، باختصار نحن أمام لحظة فارقة يتهدد فيها الأمن القومى المصري، وتحيط الحرائق وخرائط التقسيم، واعادة رسم خرائط المنطقة من جديد، فيما الاعلام المصرى غارق فى حلقات الشعوذة وتحضير الأرواح (تحضير روح الرئيس السادات)، وغيرها وما لا يفيد ذكره بشيء إذذن هل يهدد الاعلام الأمن القومى المصري؟ وأحسب أن الاجابة القاسية هى »للأسف نعم«؟!.

وهنا دعونا نرصد ظواهر وأسباب المشهد المؤلم للحالة الاعلامية المصرية، وسبل النهوض؟.

..ولعل النقطة الأولى تتعلق بأن الاعلام هو انعكاس لأزمة مجتمع تكلس،، وضربته المحسوبية والفساد، ولم يدرك أن العالم من حوله يركض، وينهض ويتطور، وفجأة وجد ريادته العلمية والسياسية والإعلامية قد ذهبت أدراج الرياح، ولم يتبق سوى ذكريات حزينة، وأطلال ماض لم يعد تذكره يجدي، لأنه لايترك سوى آلام الحسرة والندم. ولقد تبخرت أهازيج الريادة على واقع مر،، وعلى قواعد لعبة أكثر احترافية وتطورا وعلما نظرا لأن الزمن قد جري، ولم تعد »وصفات الستينيات« تجدي، ولأول مرة فإن »القوة الناعمة المصرية« وفى القلب منها الإعلام والثقافة المصرية ـ باتت فى معظهما شيئا قديما عتيقا، وهنا فإن النموذج الأبرز هو حكاية الرئيس الأسبق حسنى مبارك عندما زار الجزيرة فى قطر، وبعدها قال لوزير إعلامه صفوت الشريف »هى دى العلبة ياصفوت اللى عاملة الدوشة!«.

وأحسب أن كثيرا من المصريين والعرب يتعجبون كيف استطاعت قطر »الدولة الصغيرة« أن تسبب كل هذه الفوضي، وأن تناطح القوى العربية الكبرى وبعيدا عن أسباب كثيرة متنوعة، فإن الاعلام كان أحد أهم، »أدوات قطر« والمعسكر الذى تقف فيه، فى زعزعة هذه الدول التى استكانت، ولم تدرك خطورة »القوة الناعمة« ودور الاعلام فى تهديد الأمن القومى للدول!

 

والنقطة الثانية تدور حول اختراق »العقل المصري«. وهنا لابد من الإقرار بأنه قد حدثت عملية اختراق كبرى للعقل المصري، وذلك من جراء هجرة ملايين المصريين إلى الخليج، وفجأة تسللت »الأفكار المظلمة« والمتطرفة والعنيفة إلى عقول هؤلاء، وحملوا معهم هذه الأفكار، وأحدثوا قطيعة كاملة مع »الخطاب الدينى المعتدل«.. وانتشرت الزوايا والجماعات، وانقطعت عملية التواصل مع الاعلام المصري، والذى انتكس هو الآخر. وإذا كان لابد من الإقرار بأن ظروف التعليم وانشغال الأسر بالسعى لتوفير الرزق، والهجرة وغيرها فإن الاعلام كان يلعب دورا فى تشكيل العقول والتواصل مع النخب من ناحية والرأى العام العريض من ناحية أخري. إلا أن عملية التواصل هذه والمساهمة فى تشكيل وعى الناس، والتنوير، والنهوض بمجتمع يربطه بالعصر تراجعت بقوة ولقد تقدمت »منابر أخري« لتقدم أفكارا ورؤى غريبة عن المجتمع، وفجأة استيقظ المصريون على ظواهر الإلحاد وعبدة الشيطان والانتحار.

إلى جانب التطرف والقاعدة وداعش. الخ ولم يكن ذلك غريبا فى ظل تراجع توزيع الصحف، وتدنى القراءة، والتعليم، وتدهور مستوى الخطاب الدينى وانعزال المؤسسات الرسمية وتراجع مستوياتها، وفى المقابل فإن »لغة الخرافة« تفوقت كما أن ظاهرة العنف والارهاب والتخوين والتكفير قد تضخت . وهنا فإن عملية »تحرير العقول المصرية« باتت أولى بالرعاية، ولم يعد سرا أن ساحة الاعلام هى أولى ساحات معركة العقول، وأول خطوة فى اختراق وتهديد الأمن القومى المصري.

والنقطة الثالثة »الخصومة مع العصر« و»الحنين المرضى للماضي« . وهنا لابد من الاقرار بأن »العقول الشيطانية« أرادت منذ زمن طويل افتعال خصومة مع العصر وكأنه »شر مطلق« وانتهجت كافة السبل لخلق حالة نوستالجيا » أى الحنين المرضى للماضي«. وبالرغم من أن أى قدر من العقل يقول إن الماضى لا يعود ولايمكن العودة إلى الوراء إلا فى »عصور الانحطاط« والتخلف«،، وأن اللحظة الموحية كانت مع الحملة الفرنسية على مصر، وذلك عندما فوجئ المماليك والمصريون بأدوات الحرب الحديثة فهتفوا »ياخفى الألطاف نجنا مما نخاف« ومن المثير للتأمل هنا أن نابليون حمل معه »التكنولوجيا العسكرية والدولة العلمية والمطبعة« وهنا رأينا أن الاعلام وأختراق العقول تسير جنبا إلى جنب مع التفوق العسكرى والنهضة العلمية، وأن هذه القوة الصلبة والقوة الناعمة بإمكانهما اختراق الأمن القومى لأى مجتمع ظل أسيرا للماضي، وذاهلا عن عصره وأدواته، ولايدرك أهمية الاعلام فى تهديد وتعظيم خسائر ومكاسب الأمن القومى لأى دولة ـ وبالتأكيد مصر ليست استثناء من هذه القاعدة.

والنقطة الرابعة »الاعلام يمهد لداعش« ويهزم مصر فى حروب الجيل الرابع والخامس« . وهنا لابد أن نقولها صراحة إن الاعلام بحالته المتدهورة واختطاف المال السياسى للاعلام وعدم مهنية وعدم قدرته على التواصل مع مجتمعه، فقد القدرة على التأثير والدليل الأزمات المالية للقنوات العامة والخاصة، وتراجع توزيع الصحف والمجلات العامة والخاصة، بل وعدم تناسب أرقام التوزيع مقارنة بعدد السكان!.

وبنظره فاحصة فإن الاعلام لا يهتم كثيرا بالمستقبل بل بالفضائح والنميمة واغتيال الشخصية وبصغائر الأمور، ولايطرح الرؤي، أو اعطاء الفرصة. للأفكار الجديدة، واللحاق بالعصر. والنتيجة أن الاعلام يمهد لداعش، ويدفع بعيدا »العقول المتعطشة« للرقى والتقدم بأن تذهب إلى وسائل أخرى وأجندات أخري. وهنا القاعدة بسيطة «فى ظل الغياب وعدم المعرفة بالاحتياجات» »أو عدم القدرة « على تقديم مايريده الناس وجمهور القراء والمشاهدون، فأن فى هذا الفراغ سوف تنشط قوى أخرى لكى تملأ هذا الفراغ وهنا داعش والقاعدة وأصحاب الفوضى الخلاقة ومن وراء الاشتراكيين الثوريين ومن يثيرون الفتن المذهبية والطائفية والعرقية.

وتبقى النقطة الأخيرة تتعلق بأوضاع المؤسسات الاعلامة التى تعانى اختلال الهياكل المهنية وتدنى الأجور، وتدنى أو غياب التدريب المهني، وهجرة الكفاءات، وتدنى الطموحات، وفقدان الأمل لدى المتميزين،، وتآكل النخب الاعلامية وأخيرا غياب الرؤية بأن هذه مهنة ابداع وليست لتصنيع أحذية رخيصة، وإذا غابت الرؤية ولم ندرك أن عملا عظيما ينتظرنا لاستعادة القوة الناعمة المصرية فى الداخل قبل الخارج، وأن المطلوب عقول مبدعة لا «أيدى تهلل» فقط فإننا سوف نخسر بالتأكيد، فلقد خسر مبارك والإخوان معركة العقول ناهيك عن القلوب، ورأينا النتيجة؟!

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.