تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الصحف المصرية.. هل وصلت إلى محطة النهاية؟

مصدر الصورة
السفير

مصطفى بسيوني

النداء الذي ظل بائع الصحف يطلقه لعقود بلا كلل «أخبار، أهرام، جمهورية، إقرا الحادثة»، بدأ في الخفوت شيئا فشيئا، ويوشك ان يختفي نهائيا. فالهواتف الذكية في جيوب زبائنه، تطالعهم بأنباء الحادثة، وكل حادثة، قبل حتى أن تلتقطها المطبعة.

الصحافة المصرية في أزمة حقيقية. خبرها أصبح قديماً، ولن يضيف إليه شيئا إغلاق صحيفة هنا، وتحول أخرى الى موقع إلكتروني، أو اكتفاؤها بعدد أسبوعي، وتخلص اخرى من نصف العاملين فيها، وتأخر صرف الرواتب في بعضها وتخفيضها في أخرى، واضطرار الصحافي للعمل في وظائف عدة ليحصل على أجر كاف.

العقد الأول من الألفية شهد تطورا ملحوظا في الإعلام في مصر.

وبعد حقبة سيطرت فيها الدولة بشكل شبه مطلق على وسائل الإعلام، سواء المقروءة أو المسموعة أو المرئية، بدأت الفضائيات العربية ثم المصرية تهدد احتكار الدولة. وتلا ذلك اقتحام الصحف الخاصة الساحة، وفرض نفسها، وظهر الإنترنت بقوة كساحة إعلامية جديدة.

انفتاح الساحة الإعلامية على هذا النحو أحرز تغيرات واضحة في المناخ السياسي، فثمة اخبار كانت تحجبها وسائل الإعلام الرسمية، أو لا تبرزها سوى من وجهة نظر السلطة، مثل الاحتجاجات والإضرابات والأزمات الاقتصادية، والحوادث الكبرى التي أصبحت تتدفق بانتظام أمام الرأي العام. وآراء ومواقف كانت ممنوعة من الظهور وجدت مساحة لها في الإعلام.

شهدت الصحافة ضمن مختلف وسائل الإعلام ازدهارا ملحوظا في تلك الفترة. وتزايد هذا الازدهار مع الثورة، والتي تبعها افتتاح دفعة جديدة من الصحف والفضائيات. والتوسع في إصدار الصحف واكبه بالطبع توسع للعاملين في المهنة.

هذا الازدهار لم يستمر طويلا، فسرعان ما بدأ الانكماش، خاصة بعد الثلاثين من حزيران العام 2013، فالأموال التي تدفقت في وسائل الإعلام لتوجيهها سياسيا، والمساهمة في خلق رأي عام، بدأت بالانسحاب وترك الصحافة مكشوفة للسوق.

وفي ظل الأزمة الاقتصادية، تراجعت الإعلانات وتفاقمت خسائر الصحف، التي لم تجد أمامها سوى خفض التكلفة، ابتداء من خفض الأجور والعاملين، مروراً بوقف الطبع، وصولا إلى التوقف الكامل.

ولكن مع ظهور الإعلام الإلكتروني وانتشاره بمزاياه المختلفة، سواء في ما يتعلق بالسرعة الفائقة، او التكلفة الأقل، أصبح مصير الصحافة الورقية غامضاً، واحتمال اختفائها في المستقبل المتوسط أو القريب غير مستبعد.

ليلى عبد المجيد، العميد السابق لكلية الإعلام في جامعة القاهرة، تقول في حديثها الى «السفير» ان «هناك أزمة عاصفة في الصحافة الورقية في كل العالم. بعض الصحف اكتفت بالنسخة الإلكترونية، وبعضها أغلق نهائيا، والأزمة انتقلت الى العالم العربي ومصر».

وتضيف عبد المجيد ان «السبب المباشر في ذلك هو الأزمة الاقتصادية التي أدت الى تقلص الإعلانات. ولكن السبب الأعمق هو التطور التكنولوجي، والطفرة في الاتصالات، بحيث أصبحت الأخبار والمعلومات تنتقل أسرع كثيرا من إيقاع الصحف الورقية. وللأسف لم تواكب الصحف التطور. فانهار التوزيع وانصرف القراء عن الصحف الورقية».

وترى عبد المجيد أن هناك مشكلة أيضا في المعايير المهنية التي ترتبط بها المصداقية لدى القارئ، ولكنها تضيف: «لا يمكن اعتبار مشكلة المهنية هي السبب الرئيسي، لأنها المعايير نفسها في الصحف الورقية والمواقع الإلكترونية، والفضائيات، ولكن الصحف أكثر تأثرا بها نتيجة عجزها عن مواكبة التطور، والفشل في الاستجابة لمتطلبات الأجيال الجديدة من القراء».

وترى انه «في حال لم تتمكن الصحف من الاستجابة لمتطلبات العصر الحديث، فإنها ستكون في أزمة مصيرية خلال 20 سنة، وإن كنت أستبعد اختفاءها تماما، إلا أنها ستكون من الماضي».

ربما تظهر أزمة الصحافة في إطار اقتصادي بالأساس، ولكن لا يمكن إغفال الكثير من العوامل التي تنتج تلك الأزمة.

الناشر هشام قاسم يقول في حديثه الى «السفير» إن «أزمة الصحافة ليست مالية فقط، فجوانبها المهنية والسياسية واضحة. لقد أصبح الصحافي مرتبطاً بالمصدر أكثر من ارتباطه بالقيم المهنية، وبالجريدة. كما أن الحالة السياسية أدت الى حالة من عدم الإبداع في الصحافة»، مشدداً على ان الخروج من الازمة الحالية يحتاج الى جهد هائل.

ويوضح ان «التحول من الصحيفة الورقية الى الصحيفة الإلكترونية، ليس حلا للأزمة القائمة، بل على العكس، قد يكون إعلان إفلاس. فقد يعني هذا التحول توفيرا في جزء من التكلفة، ولكنه أيضا يهدر مكاسب أكبر من الإعلانات».

ويضيف قاسم: «من الملاحظ مثلا أن معظم الصحف التي برزت عقب الثورة مباشرة، صدرت سريعا. وهو ما يعني أنها لم تُعدّ جيدا، ولم يكن لها تصور تحريري أو مالي واضح، ومن الطبيعي أن تنجم عن ذلك أزمة. فغياب تصور الجدوى الاقتصادية، والرؤية التحريرية، يعني أن المشروع ليس بعيد المدى».

ويرى قاسم أن هناك حلولا ممكنة لأزمة الصحافة، موضحاً ان «الصحافة الإلكترونية المدفوعة تمثل احدى آليات الحل. ولكن ذلك يتوقف على تطوير المنتج الصحافي، حتى يقتنع القارئ بالاشتراك فيه، خاصة أن هناك مواقع مجانية. كذلك يجب أن يكون هناك تصور واضح للسوق، فحجم الإنفاق على الإعلانات هو 3.5 مليارات جنيه تقريبا، وهذه الكعكة الإعلانية الضخمة، تحتمل صدور عشرة صحف يومية من دون خسائر. ولكن من ناحية ثانية، هناك فوضى، سواء في سوق الإعلانات أو الصحافة. ومن ناحية أخرى هناك افتقار للمهارة والفهم ووضع التصورات الجدية».

ظهور وسائل الاتصال الحديثة، كان يمثل دعما قويا للصحافة. فما كان الصحافي يبذل فيه جهدا ومجهودا ضخما، أصبح متاحا له بسهولة ويسر. هذا الامر كان يبشر بمهنة أكثر سهولة. ولكن ما أتيح للصحافي، أتيح للقارئ في الوقت ذاته، وبنفس التكلفة والجهد. وهو ما وضع عبئا مضاعفا على الصحافي لإقناع القارئ بما يقدمه.

ومع تتابع الأزمات في كل صحيفة، لم يعد بالإمكان إنكار أزمة عميقة في الصحافة نفسها. ومع أزمة اقتصادية، وتراجع في القيم المهنية، أصبحت الحلول المطروحة محدودة، ولم تعد من دون خسائر.

وبالرغم من أن هناك حلولاً مطروحة لأزمة الصحافة، وربما أقربها الصحافة الإلكترونية، إلا أنه لا يمكن تفادي سقوط ضحايا جراء هذا الهجوم، فقطاع التنفيذ والإخراج والجمع في الصحف قد لا يكون له مكان في مرحلة مقبلة... وقبله قد يكون الضحية بائع الصحف!

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.