تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

انتشلوا المصارف من «غينيس»

مصدر الصورة
الوطن

علي هاشم

 

حسناً أن رمى وزير المالية بحجر في مستنقع التمويل المصرفي الراكد، ففي ثنايا طلبه إلى مصرف التوفير «إعداد دراسة حول الإيجار التمويلي لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة»، إنما يعيدنا إلى المشكلة الأساس في عجز نشاطنا الإنتاجي.

قبله بأيام، أتت الحكومة بمثله، وذكّرت نفسها -ولو لِماماً- بضرورة البحث في إمكانية الزج بالقرض التشغيلي مجدداً ضمن معترك خططها الإنتاجية.

كلا «الحجرين»، يعيد الاحترام لحقيقة عجز قطاعنا المصرفي عن دعم الإنتاج، هذه سابقة فريدة، وبالطبع يمكن للبيروقراطية المصرفية المحاججة بأن ثمة ظروفا موضوعية تحول دون ذلك، إلا أن كون كلا «التشغيلي» و«التأجيري» منتج ينتمي لمرحلتي الحرب وما قبلها، يدحض دفاعها ذاك.

فبغض النظر عن اختلافاتهما، ثمة عامل حاسم مشترك، كلا المُنتَجين المصرفيين، يلخصه فشلهما في النفاذ إلى الأسواق ونجاحهما الباهر في التسلل إلى أعلى تصنيفات قائمة موسوعة «غينيس» عن صنف أقل المنتجات المصرفية طلبا في التاريخ منذ بزوغ عصر الزراعة، ولولا أن ظروفنا الموضوعية لا تساعد، لكنا احتفلنا معاً بهذا الإنجاز؟!

ورغم جدية النيات الحكومية نحو تفكيك ملف الديون المتعثرة وإطلاق دراساتها لاستئناف الإقراض «التمويلي» أو «التشغيلي» وأثرهما الإيجابي المتوقع على إنقاذ القطاع التمويلي من عطالته، فثمة أسباب موضوعية للتشكيك في قدرتها على انتشال الجسد المصرفي المثخن بالعجز، فكلا القرضين -باعتبارهما الوحيدين المطروحين على الطاولة- يعاني عجزا بنيويا يمنعه من النفاذ إلى الاستثمار.

حديث العجز هذا يقودنا تلقائياً إلى التضليل الذي مارسه بعض خبرائنا وإداراتنا المصرفية على مدى العام الأول من عمر القرض التشغيلي، ملقية بلائمة إخفاقه على قصر مدة تسديده، متجاهلة -تماما- دور فائدته الباهظة عند 13%.

في الواقع، فهذا التضليل هو ما يشرع التشكيك بجدوى النيات الحكومية بعد تهجير اهتمامها إلى حلول لمشاكل ثانوية بعيداً عن جوهر معاناة سياستنا الإنتاجية، ومثل تلك المشاكل الثانوية، انهماكها التام في «إدارة ملف الصادرات السورية» وتعظيم الإنتاج التصديري الذي يرتبط عضويا بتنمية الإنتاج المنافس.. وهذا يقودنا -عفويا- إلى السؤال الجوهري: هل تعرف الحكومة ولو سلعة واحدة يمكن إنتاجها وبيعها «تصديرا أو طرحها داخلاً بعد تذخيرها بكلفة مبدئية باهظة عند 13% تكرسها الفائدة المصرفية الراهنة؟. وما جدوى إنفاق الوقت الحكومي على خطط لتنمية التصدير والإنتاج، على حين سلعنا لن تتمكن من المنافسة في السوق المحلية التي تعج بالمهربات والمستوردات، ولا خارجها بطبيعة الحال؟

في المطلق، لا إنتاج من دون تمويل، ولا جدوى للإنتاج بغير سوق، وبلا مخزون تنافسي فالسوق مجرد تابوت للسلع، والفائدة المرتفقة تطيح بالتنافسية.. وفق ذلك، ومع اغتراب جهد الحكومة عن الجوهر، فليس لها سوى خيارين لا ثالث لهما لاستنهاض الإنتاج ومن ثم التصدير: فإما تحريك سعر الفائدة بطريقة ما تتيح إطلاق الإنتاج التنافسي وإما أن تزود القطاع الإنتاجي بلوائح موثوقة لمنتجات فريدة لا مثيل لها في العالم أجمع، كـ «صيد السمك المشوي في المجرة».. مثلاً!!.

الخيار الثاني عبثي بالطبع، أما الأول فليس بسهل على الحكومة إتيانه، لتداخله الحساس مع السياسات الاقتصادية الكلية.. إلا أنه مقدارها الوحيد لربما.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.