تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

فساد من نوع خاص..!

مصدر الصورة
البعث

ربما لم يعُد الحديث عن نزيف الخبرات والكوادر الوطنية مستهجناً، لاعتبارات تتعلق –على ما يبدو– بلا مبالاة حكومية غير مبررة، إذ ما زلنا نسمع ونلامس بين الفينة والأخرى هجرة كفاءة من بلدنا، وتميّزاً لأخرى في بلاد الاغتراب، ويمرّ الأمر مرور الكرام وكأن شيئاً لم يكن..!.

يُدهش المستعرض لتاريخ الكثير -وليس البعض- من المؤسسات السياسية والعلمية والاقتصادية العالمية والعربية، لدى معرفته بأن السوريين تركوا بصماتهم فيها، فمنهم من ساهم بتأسيس هذه الكيانات، ومنهم من عمل فيها بفعالية مكّنتهم من تطوير أدائها أو تصويب مسارات العمل فيها..!.

اللافت في هذا السياق تهميش معظم الأسماء إعلامياً وتغييبها عن الثقافة السورية بالمجمل، إذ قلما نجد أحداً يعلم أن أحد مؤسسي جامعة الأمم المتحدة في طوكيو عام 1973 هو العلامة الدكتور عبد الرزاق قدورة رئيس الجامعة السورية، وأن مصمم مدينة عمان هو المهندس السوري صبحي كحالة الذي أصبح وزيراً لسدّ الفرات لاحقاً، وأن مؤسس وزارة المالية في الأردن هو رئيس وزراء سورية حسن الحكيم والقائمة تطول..!.

لعل الرجل الذي نال الحظوة الأكبر من الإنصاف الإعلامي هو رئيس الوزراء فارس الخوري نظراً لموقفه التاريخي الشهير في الأمم المتحدة عندما استفز السفير الفرنسي بأن جلس على مقعده حتى استشاط الأخير غضباً، فما كان من الخوري إلا أن خاطب السفير “سعادة السفير.. جلست على مقعدك لمدة خمس وعشرين دقيقة فكدت تقتلني غضباً وحنقاً.. وقد استحملت سورية سفالة جنودكم خمساً وعشرين سنة.. وآن لها أن تستقل”، وعندها بالفعل نالت سورية استقلالها، إلا أن المعلومة التي ربما لا تزال غائبة عن الكثيرين منا هي أن الخوري من أحد واضعي شعار الأمم المتحدة وأحد مؤسسي المنظمة الدولية عام 1945..!.

هذا غيض من فيض القامات السورية وبصماتها عبر العالم أجمع، يشهد بها القاصي قبل الداني، ويقدّرها البعيد قبل القريب، ما يستوجب بالضرورة توطين خبراتنا بأي شكل كان، فالموجود منها حالياً قد يكون مشروعاً عالمياً نحن أحق به.

نعتقد أن أخطر ما يكتنف هذه الحيثية من مواردنا البشرية هو تحوّلها إلى ظاهرة توحي بأن هذه الخبرات باتت مستهدفة لاعتبارات تتعلق بالمحسوبيات، والحفاظ على المكتسبات غير المشروعة، علماً أن حيثيات اقتصادنا الوطني تستدعي بالضرورة البحث عمن لديه حلول استثنائية..!.

ما يجعلنا شبه جازمين بأن التهاون بوضع حدّ لاستنزاف خبراتنا الوطنية يندرج بشكل أو بآخر تحت بند الفساد، أن الفساد لا يختصر بتقاضي الرشوى فحسب، بل يتعداها أيضاً ليشمل عدم الاهتمام بمواردنا البشرية وما تزخر به من كفاءات تحتّم وضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب..!.

حسن النابلسي

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.