تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

زعيم التشتت... وتشتت الغرب..!!

مصدر الصورة
وكالات

ليس قليلاً أن تصف رئيسة الديمقراطيين في الولايات المتحدة، نانسي بيلوسي، رئيس بلادها برئيس "التشتت". أجل، منذ أن حلّ رونالد ترامب في البيت الأبيض والعالم لم يعد يرى يوماً أبيضاً؛ الرئيس الأمريكي ضد اتفاق المناخ، وضد اتفاق الحد من التسلح، وصد الاتفاق النووي مع طهران , وضد الوجود البريطاني في الاتحاد الأوروبي، وأعلن الحرب التجارية ضد الصين، وهزّأ نظيره الفرنسي، وتحدى رئيسة وزراء ألمانيا، وفرض عقوبات على روسيا، وهاجم نظيره الكوري الديمقراطي ثم التقاه، وحاول قيادة انقلاب في فنزويلا وفشل، وحاصر تركيا وأفقد ليرتها جزءاً من قيمتها، وابتزّ الأنظمة الخليجية "الصديقة" حتى الإهانة، وها هو يحرّض ضد إيران ولا يقف عند حدّ...؛ أما في الداخل الأمريكي، فحدّث ولا حرج عن المشاكل التي يقف ترامب طرفاً فيها. ولكن هل كان الداخل الأمريكي والعالم والعلاقات الدولية "قطعة" من الجنّة وواحة من الاستقرار قبل وصول ترامب إلى الرئاسة الأمريكية، وجاء الأخير وأفسد كل شيء..؟! بالطبع لم يكن العالم كذلك ولا الولايات المتحدة.

العالم يتحوّل من الأحادية القطبية إلى عالم متعدد الأقطاب. ذلك يعني تراجع هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية بعد عجزها "وحدها" عن ممارسة دور الشرطي العالمي. التراجع الأمريكي يمثّل زلزالاً كبيراً في السياسة والعلاقات الدولية، وانعكاساته بدأت تظهر في العالم الغربي قبل ترامب وبعده. وهذا يعني أيضاً تراجع الحلف الذي كانت تقوده واشنطن "الناتو"، وتراجع حلفائها أيضاً؛ ليس ترامب مسؤولاً عن قرار "البريكست" البريطاني وإنْ حاول الاستثمار فيه؛ وليس ترامب مسؤولاً عن الشعبوية المنتشرة في الغرب، وأوروبا خاصة، وإنْ أراد الاستفادة منها... الخ. المسألة يمكن قراءتها بشكل بسيط؛ الغرب الاستعماري قدّم لعقود نموذجه القائم على الاستعمار والهيمنة والاستغلال ووصل حدّ النهاية. في المقابل، جاء من يقدّم مشروعاً دولياً جديداً أكثر عدالة وتوازناً وخدمة للبشرية ويعترف بالآخر ويحترمه، فانجذبت الدول تلقائياً نحو القيادة الجديدة للعالم التي بدأت تتشكل في الشرق؛ الصين الاقتصادية وروسيا القوة العسكرية تُحدثان الفارق في هذا المجال.

بمقارنة بسيطة، نجد أن الصين تمدّ الطرق والسكك والجسور مع العالم؛ إلى إفريقيا ودول آسيا وحتى أوروبا، عبر مشروعها الكبير "الحزام والطريق" لتصنع عالماً متشابكاً من المشاريع والمصالح والخدمات ليستفيد الكل منه، فيما تشنّ الولايات المتحدة الحروب الاقتصادية والتجارية وتفرض العقوبات والرسوم على الآخرين وتحاصرهم. مشكلة الغرب أنّه لم يعد لديه الجديد ليقدّمه؛ عصر الابتزاز والتهديد انتهى؛ العالم لديه نظام دولي جديد بديل قائم على التعاون والاحترام ولن يرفضه.  

ومع ذلك فقادة النظام العالمي الجديد لا يريدون تدمير الغرب ولا يسعون لذلك، بل يريدون إثبات أنفسهم ومصالح بلدانهم وإيجاد "توازن" دولي يحمي الجميع في عصر الخطر النووي والأسلحة الفرط صوتية، وقدرة الجميع على امتلاك السلاح والإيذاء والتخريب. ولكن هل يستطيع الغرب، ولاسيما الولايات المتحدة استيعاب ذلك وإفساح المجال للتعايش، أم أنّ معاندة الغرب للنظام العالمي الجديد ستفقده توازنه هو، وتقود إلى انهياره..؟!

حتى الآن تقاوم الولايات المتحدة تشكّل النظام المتعدد الأقطاب، ولكنها تكاد تخسر وتتراجع في كل الجبهات، ويخشى من انهيارها هي، وهو ما قد يترك آثاره السلبية على الاقتصاد والاستقرار والسلام الدولي؛ الصراعات تغذيها الولايات المتحدة في كلّ مكان، ولكن النجاحات أصبحت محدودة. أمورٌ كثيرة ستحدث في الأسابيع والأشهر القادمة، ستقدّم مؤشراتٍ للمرحلة المقبلة، منها على سبيل المثال؛ انتخابات المحافظين البريطانية وانعكاساتها على الداخل البريطاني وعلى أوروبا؛ الخيار التركي بين "أس400" الروسية أو "أف35" الأمريكية، سيكون مفصلياً في بلورة نوع من التوازن الجديد. كلّ ذلك، ولا يمكن بالطبع، إغماض العين عن القمة الروسية ــ الصينية الأخيرة على هامش منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي والعلاقات التي ترتقي تدريجياً بين بكين وموسكو من التعاون إلى الشراكة الاستراتيجية، بعكس ما تشتهي وتسعى الولايات المتحدة..!!

                                                                بديع عفيف

 

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.