تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الأردن: الإضراب "المحترم" والحكومة المحاصرة..

مصدر الصورة
وكالات

بديع عفيف:

مرّ شهر على إضراب المعلمين في الأردن الشقيق وما زال الطلاب والتلاميذ ينتظرون العودة إلى مدارسهم ومقاعدهم، ولكن لا بارقة أمل بذلك حتى الآن، ولا بادرة تبدو أنها قادرة على إنهاء حالة الاستعصاء المستمرة التي يجسدها إضراب السادة المعلمين بقيادة نقابتهم؛ سبب الاستعصاء واضح تقريباً، وهو يكاد يكون قاتلاً، لأن كلا الطرفين على حق؛ الحكومة الأردنية ونقابة المعلمين، ولذلك لا يمكنهما التراجع، كيف؟

قبل الإجابة عن السؤال، لا بد من التذكير بأن الأردن بلد فقير وقليل الموارد ويعتمد في جانب كبير من ميزانيته على المساعدات الخارجية والتي، تزيد أو تقلّ، حسب السياسة الإقليمية والدولية والحاجة إلى الدور الأردني، والمطلوب منه تنفيذه في المنطقة، كبلد ينتهج سياسة تتماشى بالعموم مع سياسات الدول الغربية، ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية التي لا ترحم ولا تهتم إلا لمصالحها ومصالح الكيان الإسرائيلي الذي ترعاه. ولذلك فإن حجم المساعدات الغربية والعربية يزيد أو يقلّ ويتراجع، لا وفق حاجة الدولة الأردنية والشعب الأردني، بل وفق مقتضيات المرحلة وكوسيلة ضغط على المملكة الهاشمية لابتزازها.

ونعلم أنّ هذه المساعدات تراجعت في السنوات الأخيرة مع تراجع الدور الأردني ومحاولة "الأشقاء" الخليجيين القفز فوقه وتجاوزه.

وبالعودة إلى إضراب المعلمين المستمر منذ قرابة الشهر، فإننا تشير إلى النقاط التالية التي تلخّص جوهر المشكلة؛

أولاً، إنّ الحكومة الأردنية تواجه حالة فريدة من نوعها، ولا يمكنها التعامل معها بغير المنطق والعقل والقانون، بل لا يمكنها أن تقول كلمة سوء واحدة بحق المضربين، لأنها ستدين نفسها عند ذلك؛ فهؤلاء ليسوا همجاً رعاعاً ولا مندسين ولا خونه ولا تابعين للخارج؛ هم قادة المجتمع ونخبته ومربو الأجيال الذين على دولتهم وحكومتهم تبجيلهم واحترامهم وتقدير رسالتهم، والعمل قدر المستطاع على تمكينهم من أداء هذه الرسالة براحة وأمانة ومسؤولية.

ثانياً، إنّ المطالب التي يرفعها هؤلاء بزيادة العلاوة والتعويضات، هي مطالب محقة وليست تعجيزية، وربما يستحقون أكثر منها.. والحقيقة لا يمكن لأي بلد النهوض والتقدم إذا لم يعامل المعلمين وبناة الأجيال باحترام وتقدير، وإذا لم يكرّم هؤلاء ويعطيهم حقّهم، وإذا لم يعمل على تحقيق استقرارهم وراحتهم وإسعادهم؛ فلا يمكن لأي شخص أنّ يعطي مهما حاول وتفانى إن لم يكن مرتاحاً ومستقراً نفسياً، لاسيما وأنّ ظروف الحياة قاسية وصعبة، ومؤلمة.

ثالثاً، إن الحكومة الأردنية التي يقودها د. عمر الرزاز، لم تصنع الوضع الحالي ولا الظروف التي وجدت نفسها بها. هي، أكثر من نقابة المعلمين، تعاني من ضغوط وتحديات وعراقيل على كافة الأصعدة وفي جميع القطاعات؛ المشاكل مزمنة؛ الأموال قليلة؛ الموارد شحيحة؛ الفساد كبير؛ المطالب واسعة، ومن أين تأتي بالمال لتلبية مطالب المعلمين وغيرهم!! وليس ذلك فحسب؛ بل إنّ تلبية مطالب هؤلاء المعلمين تعني أنّ نقابات وجهات أخرى ستنطلق في إضرابات جديدة ومطالب واسعة وعديدة لا تستطيع الحكومة الأردنية المحاصرة بضعف الإمكانات وحجم المطالب، ولا في الأحلام، تنفيذها.

نرى أنّ ما تحتاجه "الحكومة والنقابة" هو الجلوس معاً والمصارحة والحوار الشفاف والطويـل والمستمر والمكثّف والتعاون، بعيداً عن المكابرة والعناد، لتخطي الأزمة القائمة والنهوض بالواقع وتجاوز المرارة معاً عبر استخلاص العبر من التجارب السابقة، ووضع الأسس السليمة للمرحلة القادمة؛ وربما من حسن حظ الأردن حتى الآن أن "المعلمين" هم من قاموا بإضرابهم واستمروا به، فأعطوا درساً بليغاً للشارع الأردني عبر كشف الحقيقة والإضاءة على الواقع الصعب والإمكانيات المحدودة المتاحة، بعيداً عن التخريب والتدمير والقتل وما شاهدناه في الدول العربية الأخرى. الاقتصاد العالمي يتراجع والموارد تتراجع، والأردن ولبنان والعراق ومصر وغيرهم ليسوا استثناء، وعلى الجميع الحذر والمحافظة على بلدانهم، والذكي هو من يتعلم من تجارب غيره وهي كثيرة ومريرة وما تزال ماثلة حيّة أمام الجميع..

 

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية - خاص

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.