تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

«نبع السلام» والحسابات الخاطئة

مصدر الصورة
عن الانترنيت

محمد نور الدين

بعد أكثر من عشرة أيام على بدء العملية تواجه تركيا تحديات لم تكن في حسبانها وأولها التفاهم بين الأكراد والجيش السوري فضلاً عن العزلة الدولية والعربية غير المسبوقة.

يمكن القول إن العملية العسكرية التي أرادها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نزهة تحولت إلى مستنقع للجيش «المحمدي» الذي يتصرف كما لو أنه يقوم بعمليات «فتح» في القرون الغابرة.

حدد أردوغان أهدافاً عديدة للعملية العسكرية؛ منها: ضرب «قوات الحماية الكردية» وتوطين اللاجئين السوريين في تركيا في منطقة شرقي الفرات.

وعلى هذا الأساس بدأ الجيش التركي عملياته في التاسع من تشرين الأول الجاري. وهذه العملية ما كان لها أن تبدأ لولا الضوء الأخضر الذي أعطاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تركيا حين قال إن واشنطن لن تقف عقبة أمام العملية، ولن تدافع عن الأكراد. وبالتالي هو يضع الجيش التركي أمام صدام مع قوات الحماية الكردية.

وكما تشجع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين من السفيرة الأمريكية في بغداد، وغزا الكويت، ها هو أردوغان يتسلح بالموقف الأمريكي ويغزو سورية.

عند هذا الحد يتوقف الغزل الأمريكي - التركي، وتنطوي صفحة لتبدأ أخرى. رغم الضوء الأخضر الذي أعطاه ترامب فإنه سرعان ما هدد تركيا بتدمير اقتصادها. وبالفعل صدرت رزمة عقوبات من وزارة الخزانة الأمريكية على ثلاثة وزراء؛ هم وزراء الداخلية والدفاع والطاقة. إلى ذلك توسعت رقعة العقوبات العسكرية على تركيا بمنع تصدير السلاح لها من جانب عدة دول أوروبية؛ منها فرنسا وألمانيا وتشيكيا. أكثر من ذلك فإن حلف شمال الأطلسي لم يترك واشنطن وحيدة وانتقد العملية العسكرية.

وبلغت حدة الموقف من تركيا حد استغناء فريق سانت باولي من الدرجة الثانية عن لاعبه جنك شاهين الذي أيد في تغريدة له الحملة العسكرية التركية على سورية.

من العزلة على الساحتين الأوروبية والأمريكية كانت المفاجأة في البيان القوي لجامعة الدول العربية الذي أعطى توصيفاً واضحاً وحاسماً وهو أن العملية العسكرية التركية «عدوان وغزو».

وبذلك بدأت تتشكل نواة سياسة عربية جديدة موحدة تجاه تركيا والدعوة لسحب قواتها. ولا شك أن الجميع يترقب أن تتخذ جامعة الدول العربية قرارات إضافية تجعل من التقارب التركي - العربي مرتبطاً بتخلي تركيا عن أطماعها.

في المقلب الآخر للعزلة الدولية نجحت روسيا في فرض نفسها كلاعب أول في الساحة السورية. فهي راقبت بهدوء مسار التطورات، واستغلت كل تفصيل في لعبة الأمم في سورية لبلورة خطة ملموسة. ولعل من أهم التطورات منذ سنوات هو نجاح روسيا في التقريب بين سورية والأكراد على قاعدة انتشار الجيش السوري في المناطق الحدودية فيما تتأجل المفاوضات حول المطالب الكردية السياسية إلى وقت لاحق. ومثل هذا الاتفاق قلب الطاولة رأساً على عقب. وهي الخطوة التي قد تنقذ الأكراد من محاولة أردوغان تصفيتهم وإبادتهم. الأكراد لم يتعلموا درس التعاون مع الأجنبي واستمروا في المراهنة على حماية الأمريكيين حتى اللحظة الأخيرة وهم بلا شك اليوم وبعد الاتفاق مع دمشق في موقع الدفاع عن النفس لا فرض آرائهم على الآخرين.

السؤال اليوم هو، هل ينجح الاتفاق السوري - الكردي في وقف العدوان التركي؟ وهل يمكن أن يتواجه الجيشان التركي والسوري؟ أم إن روسيا بسبب علاقاتها الجيدة مع الجميع ستفرض أجندتها على الأكراد والدولة السورية وأيضاً على تركيا؟

ولا تكتفي عزلة تركيا على عدم استجلاب أي دعم لحملتها العسكرية؛ بل إن الأصوات في الداخل بدأت ترتفع، محذرة من أنه لا يمكن الاستمرار في العملية في ظل العزلة الدولية. ومن هذه الأصوات رئيس الحكومة السابق أحمد داود أوغلو، الذي غرّد قائلاً: إن العملية العسكرية يجب أن تتوقف وعلى تركيا التحاور مع جميع الأطراف في سوريا. وهذا يعني ضمناً التحاور مع النظام السوري.

بعد أكثر من عشرة أيام على بدء العملية تواجه تركيا تحديات لم تكن في حسبانها وأولها التفاهم بين الأكراد والجيش السوري فضلاً عن العزلة الدولية والعربية غير المسبوقة. ولم يكن هذا ليحصل لولا الرهانات الخاطئة المتكئة على سوء تقدير والتغول في الأطماع. وما لم تقدم تركيا على مبادرات جذرية مثل الانسحاب من الأراضي السورية وترك سورية لأهلها وأصحابها فقد تكون أمام مصير يشبه ما كانت عليه الدولة العثمانية عشية انهيارها عام 1918.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.