تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

انفتاح صيني.. مرونة روسية.. فلماذا أمريكا أولاً؟

مصدر الصورة
وكالات - أرشيف

أعلن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو أن بلاده بدأت بالإجراءات الرسمية للانسحاب من اتفاق باريس حول المناخ، فأعربت باريس، عن "أسفها" لقرار واشنطن، وقال قصر الإليزيه في بيان إنّ "هذا يجعل الشراكة الفرنسية الصينية أكثر من ضرورية حول المناخ والتنوع البيولوجي". ليكن؛ لكن حصيلة زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الصين، قبل أيام، ولقائه نظيره الصيني شي جين بينغ تجاوزت التوقيع على وثيقة مشتركة حول المناخ بأنه "لا عودة عن اتفاقية باريس للمناخ"؛ فقد أعلن مسؤول حكومي صيني أنّ فرنسا والصين وقعتا عقودا بقيمة إجمالية قدرها 15 مليار دولار خلال زيارة الرئيس ماكرون للبلاد؛ اتفاقيات في مجالات الطيران والطاقة والزراعة، بما في ذلك الموافقة لعشرين شركة فرنسية على تصدير الدواجن ولحوم الأبقار والخنازير إلى الصين.

وللحقيقة، فقد عاد ماكرون غانماً من بكين؛ عقود تعاون اقتصادي وتجاري ضخمة تشمل فرنسا والاتحاد الأوروبي. وللتذكير، فإن زيارة ماكرون إلى الصين هي الزيارة الثانية له إلى بكين منذ وصوله إلى الإليزيه، ولقاؤه بالرئيس شي جين بينغ هو الثاني في أقل من ستة أشهر. ولذلك، فإن ما أعلن وجرى خلال الزيارة الأخيرة يكتسب أهمية بالغة إذا ما وضع في سياق المستجدات الدولية..

قبل فترة تحدثنا عن "الانزياح الفرنسي نحو الشرق"؛ يبدو أنه أكثر من ذلك؛ فقبل عدة أسابيع، أعلن ماكرون انتهاء عصر الهيمنة الغربية؛ وبالأمس اعتبر الرئيس الفرنسي أن حلف شمال الأطلسي "الناتو"، يعيش حالة "موت سريري"، وعزا السبب في ذلك إلى نقض الولايات المتحدة التزاماتها تجاه حلفائها في الناتو، وتصرفات تركيا العضو في الحلف. وذهب ماكرون أبعد من ذلك، ودعا إلى ضرورة تعزيز القدرات الدفاعية لأوروبا "وتحديد الأهداف الاستراتيجية للناتو". وأكد ماكرون أنه "لا يعرف" إذا كان لا يزال مؤمناً بالمادة الخامسة من معاهدة الناتو، التي تنص على ضرورة "الدفاع الجماعي".

مقابل تحميل الولايات المتحدة وتركيا مسؤولية الموت السريري للناتو، دعا ماكرون دول الاتحاد الأوروبي إلى إعادة النظر في العلاقات مع روسيا من أجل إحلال السلام في أوروبا واسترجاعها لاستقلاليتها الاستراتيجية عن الولايات المتحدة. واعتبر أن الأوروبيين "سيرتكبون خطأ كبيرا" إذا لم يحاولوا تطبيع العلاقات مع موسكو. وشدد على أهمية أن تنتهج أوروبا سياسة مستقلة عن تلك التي يحاول فرضها البيت الأبيض عليها لا سيما في العلاقات مع روسيا؛ كلام ماكرون تزامن مع تقارير إعلامية تتحدث قيام دول أوروبية عدة بخطوات عملية نحو تأسيس قيادة عمليات مشتركة قد تشكل خطوة أولى نحو الانفصال عن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.

ومقابل الجدران التي بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برفعها على حدود بلاده مع المكسيك، وفي أماكن أخرى؛ وفيما بدأ التصدع في العلاقات الغربية يتزايد؛ وفيما بدأت ترتفع جدران جديدة بين دول حلف الناتو؛ أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ أن على دول العالم أن "تهدم الجدران" فيما بينها، وأن على المجتمع الدولي أن يستمر بهدم الجدران بدلا من بنائها، وأن يرفض الحمائية والأحادية بحزم، وأن يخفف باستمرار من العوائق التجارية. وتعهد القائد الصيني بمزيد من الانفتاح في الاقتصاد الصيني.

عملياً، تمارس الصين سياسة انفتاح واسعة ضمن مشروعها الكبير "الحزام والطريق"، وهي تؤسس لعلاقات شاملة مع دول أوروبا وآسيا وإفريقيا، وتسيطر حتى على البنية التحتية الاستراتيجية للكيان الإسرائيلي وهو ما يقلق واشنطن بشدة. وبالطبع، ليس الرئيس الفرنسي غافلاً عن سطوع النجم الصيني وأفول نجم الولايات المتحدة والقارة العجوز في السياسة والاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا الرقمية المتطورة؛ بل ربما يقفز ماكرون من السفينة الأوروبية الغارقة قبل فوات الآوان..!!

وإلى الشمال من الصين، يواصل الاتحاد الروسي التقدم والتوسع بنجاح، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً؛ نجاح روسيا يتم عبر الجمع بين الدور المسؤول كعضو دائم في مجلس الأمن، ومن خلال الدبلوماسية متعددة الأطراف، وإقامة تحالفات مرنة مبدأ عضويتها ليس المصالح السياسية كما الغرب، بل إمكانية ابتكار حلول واقعية ناجعة. وتقدم هذه السياسة ذخرا قويا للانفتاح ولإيجاد حلول لأعقد مهام العصر. ولقد أظهرت روسيا نفسها كشريك يجيد الوفاء بالوعود، وليس مهماً أن يصفها الإعلام الغربي بالشر الجديد؛ فدول العالم تشعر بالخطر الحقيقي والقلق الفعلي من سياسة إدارة ترامب المتغطرسة ونزعتها الاستعمارية وتقلباتها وغموض نواياها... وحتى المملكة المتحدة التي لطالما كانت حليفة واشنطن، حائرة وخائفة من مستقبل علاقاتها مع الولايات المتحدة.

المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، علّقت على تصريحات ماكرون التي قال فيها إن حلف الناتو في حالة "موت سريري" ووصفتها بأنها "كلام من ذهب". وتساءلت: "كيف يمكن لأوروبا بالضبط التحكم بمصيرها؟ في القرن العشرين حربان عالميتان. في القرن التاسع عشر وما قبله إلى غابر التاريخ حروب لا تنتهي و(تصدير أيديولوجيا) على أسنة الرماح ونصال السيوف".

أجل، كيف يمكن لأوروبا بالضبط التحكم بمصيرها؟ الجواب، ربما يكمن في المرونة الروسية وهدم الجدران بين الدول على الطريقة الصينية.. والابتعاد عن أمريكا أولاً..

بـديـع عفيـف

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية - خاص

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.