تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

تركيا دولة وظيفية

مصدر الصورة
عن الانترنيت

محمد خليفة 

بدأ يتضح للعالم أن تركيا عازمة كل العزم على أن تصبح القوة الإقليمية العظمى في العالم الإسلامي، والمركز الهندسي لنظام سياسي يقوم على «الأصولية العنيفة» الحاضنة الأساسية الوحيدة للإيمان، من أجل إحداث مزيد من تفكيك العالم العربي واستتباعه وحصره داخل إطار الهيمنة الشاملة.

وعلى الرغم من أن الحزب الحاكم في تركيا يحاول أن يقدمها إلى العرب كدولة قوية ذات مصالح مثلها مثل أي دولة كبرى أخرى، محاولاً استعادة الذاكرة التاريخية العثمانية، فإن الواقع غير ذلك، فتركيا في واقع الأمر دولة وظيفية في إطار منظومة حلف شمال الأطلسي وتنفذ السياسات العميقة لهذا الحلف في المنطقة، ومنذ صعود «جماعة الاتحاد والترقي» إلى السلطة في تركيا العثمانية، بدأ الغرب يضع يده على تركيا، لكن بعد هزيمة هذه الدولة في الحرب العالمية الأولى، تم إكمال مشروع السيطرة عليها.

وكانت تركيا الدولة الإسلامية الوحيدة خارج منطقة الأطلسي التي تنضم ويتم قبولها في حلف شمال الأطلسي عام 1952، وعلى الرغم من أن الأتراك يبررون ذلك بالخوف من اليونان التي كانت قد انضمت إلى الحلف قبل سنة من انضمام تركيا، فإنه كان باستطاعتها التحالف مع الاتحاد السوفييتي السابق الذي كان دولة عظمى منتصرة في الحرب العالمية الثانية.

وظلت تركيا مدة من الزمن غير مهتمة بالعالم العربي الذي كان موضع تنازع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق، لكن بعد انهيار هذا الاتحاد وظهور الولايات المتحدة قوة عظمى وحيدة، بدأت تركيا تتحرك ببطء للاستدارة نحو العالم العربي، وفق التوجهات الأمريكية الجديدة، ذلك أن الولايات المتحدة عمدت إلى تعميق وجودها في هذه المنطقة من خلال السيطرة على العراق.

وكانت تركيا قد استفاقت منتصف التسعينات على موجة إسلامية هزت أركانها؛ إذ نجح حزب الرفاه الإسلامي عام 1996 بقيادة نجم الدين أربكان في الفوز برئاسة الوزارة، وعلى الرغم من أن حكم أربكان لم يدم طويلاً، حيث أوقفه العسكر وتم حل حزبه، فإن حزباً إسلامياً آخر باسم «حزب الفضيلة» ظهر في الحال من كنف ذلك الحزب، وقد تم حل هذا الحزب الجديد أيضاً، لكن خرج من رَحِمه أيضاً حزب ثالث هو حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان، وتغاضى العسكر عن هذا الحزب لأهداف أطلسية بعيدة، حيث كانت الولايات المتحدة تتحضر لاحتلال العراق، وأعلن عن فوز رجب طيب أردوغان رئيس حزب العدالة والتنمية برئاسة الوزراء في تركيا، وفي نفس التاريخ قامت الولايات المتحدة باحتلال العراق، وتدميره مفتتحة تاريخاً دموياً في المنطقة العربية.

ومنذ ذلك التاريخ بدأت تركيا تستدير نحو المنطقة العربية، وهي استدارة كانت بطلب من حلف الأطلسي بهدف تغيير المنطقة العربية بالكامل، من خلال حركات التطرف التي بدأت تطل برأسها من العراق الجريح لتتمدد وتضرب في هذه الدولة العربية أو تلك، واكتمل المشهد مع موجات فوضى «الربيع العربي»، حيث أصبحت تركيا تدافع علناً عن المتطرفين وتسعى إلى حمايتهم بكل قوة، وتدخلت في سورية ودفعت أفواجاً ضخمة من المتطرفين من شتى بقاع العالم إليها لتخريبها، ولاتزال تمارس نفس السياسة ضد هذه الدولة العربية، كما وقفت إلى جانب حكم «الإخوان» في مصر، ولاتزال تقدم الدعم للمتطرفين في ليبيا وفي كل دولة ينشطون فيها، وهذا الدعم لا تتحمله تركيا لوحدها؛ بل مجمل دول حلف شمال الأطلسي؛ ذلك أن التوجه الغربي العميق منذ ما قبل احتلال العراق، هو إغراق المنطقة العربية بالفوضى من خلال جماعات التطرف التي سبق أن دمرت أفغانستان تحت ستار محاربة الوجود السوفييتي فيها.

والآن هناك توجه للعودة إلى تركيا السابقة بلا متطرفين، مما يوحي بأن الغرب قد أقلع عن تبنّيه لمشروع التخريب في المنطقة بعد أن وصلت النار إليه من خلال الأعداد الهائلة من المهاجرين واللاجئين، وأيضاً من خلال الهجمات الإرهابية التي ينفذها متطرفون على أرضه، ولذلك ظهر منافس لأردوغان هو أكرم إمام أوغلو الذي فاز برئاسة مدينة إسطنبول العام الماضي، مما يعني أن عهد العدالة والتنمية يُشرف على النهاية.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.