تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

بريطانيا.. ماذا بعد الخروج؟

مصدر الصورة
عن الانترنيت

ليوك ريدر *

على الرغم من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي رسميّاً في 31 كانون الثاني، لن يتغيّـر إلاّ القليل حتى نهاية العام. ستظلّ بريطانيا ملتزمة بالحريات الأربع للسوق الموحدة الخالية من التعرفة الجمركية- وهي حريّات تنقّل السلع والخدمات ورأس المال والناس- وكذلك الأحكام التي تصدر عن محكمة العدل الأوروبية. والمقصود من الفترة الانتقالية هذه، هو إعطاء بريطانيا والاتحاد الأوروبي، الوقت لترتيب علاقاتهما في مرحلة ما بعد «بريكسيت».

أنا مؤرخ يدرُس التأثير الذي يُحدثه «بريكسيت» في المجتمع والثقافة البريطانيّيْـن. ومن الواضح لي أن بوريس جونسون والبلاد يواجهان بعض المشكلات، منها، أن مؤيدي «بريكسيت» يريدون مغادرة الاتحاد الأوروبي سريعاً. ولكنْ لديهم أهدافٌ مختلفة- ومتضاربة- يريدون من بريكسيت أن يحققها. ويأمل منتقدو الاتحاد الأوروبي، الذين يعتقدون بأنه ينظم الأعمال التجارية بإحكام شديد، في أن «بريكسيت» سوف يحوّل بلادهم إلى اقتصاد مزدهر، غير خاضع للتنظيم، منخفض الضرائب، ومفتوح للجميع، يَدْعونه «بريطانيا العالمية». ويريد مؤيدون آخرون لبريكسيت، قلقون من أن بريطانيا كانت قد تنازلت عن سيادتها للاتحاد الأوروبي، إعادة فرض السيطرة على سياسة الهجرة، ووقف أحكام محكمة العدل الأوروبية التي تضع قانون الاتحاد الأوروبي فوق القانون البريطاني. ومؤيدو «بريكسيت»، البيض، من الطبقة العاملة، ولا سيّما أولئك الذين اعتادوا التصويت لصالح حزب العمال، الذي ينتمي إلى يسار الوسط، لديهم توقعات مختلفة.

إنهم يأملون في العودة إلى اقتصاد الأجور المرتفعة، الذي يقوده التصدير، والذي كان قائماً في الفترة من 1945 إلى 1979. وفي الانتخابات العامة في كانون الأول 2019، تَجَمّعَ هؤلاء الناخبون معاً، ليقدّموا لمحافظي يمين الوسط، أغلبية 80 مقعداً في البرلمان. وَعَدَ الوزراء بسياسات من شأنها جذب الناخبين العماليين سابقاً، الذين تحوّلوا في العام الماضي نحو المحافظين: مزيد من الأموال للخدمة الصحية الوطنية، والاستثمار في المناطق الصناعية المتراجعة. ولكن، إذا كانت هذه هي الخطة، لم يُخبر أحدٌ «ساجد جافيد»، وزير الخزانة البريطاني، الذي ذكر فـي الآونة الأخيرة أنه يجب على بريطانـيا الابتعاد عــن «المتطـلبات التنظيميـة» للاتحاد الأوروبي، المصمَّمة لمعالجة المخاوف المتعلقة بالصحة والسلامة والبيئة.

ويمكن أن يرُدّ الاتحاد الأوروبي باستبعاد المنتجات البريطانية من أسواقه، ممّا يجعل حدوث أضرار اقتصادية كارثية من خروج بريطانيا من الاتحاد، أكثر احتمالاً. وسيزيد ذلك من صعوبة توليد الحكومة للإيرادات لدعم وعود الإنفاق. وعندما لا تعود بريطانيا عضواً في الاتحاد الأوروبي، وبصرف النظر عن مدى قربها من السوق الموحدة للاتحاد، فإن نفوذها سيتلاشى. ولكيْ تتاجر، يتعيّن عليها قبول قواعد الاتحاد الأوروبي، ولكنْ لن يكون لها دور في وضع تلك القواعد.

وإذا ابتعدت عن تنظيمات الاتحاد الأوروبي ومعاييره، فسوف تعزل نفسها عن الأسواق الأوروبية. ويجادل بعض مهندسي بريكسيت، بأن تجديد الروابط مع الإمبراطورية البريطانية السابقة، ولا سيّما الهند وما يُسمّى «المجال الإنجليزي» (الدول الناطقة بالإنجليزية)، بما فيها أستراليا، وكندا ونيوزيلاندا- يمكن أن يعوّض عن خسارة أسواق الاتحاد الأوروبي. ويُسْتمَدّ هذا الاعتقاد من بئر عميقة (أي يصعب استخراج مائها) من الغرور والحنين للنظام الإمبراطوري. ولسوء الحظ أنّ ذلك غير متبادل، من قِبل أولئك الذين يعيشون في الإمبراطورية السابقة. وستكون الدول الأخرى معذورة في جعل ثمن «بريطانيا العالمية» تصفية حساب متأخرة مع بريطانيا، بسبب فظائع الإمبراطورية. ولكن بريطانيا في مأزق جيوسياسي. وهي تعيد توكيد نفسها كدولة قومية، في ذات اللحظة تماماً، التي يُنظم فيها العالم نفسه في تحالفات وكتل تجارية متعددة القوميات قويّة.

* زميل تدريس، قسم التاريخ، جامعة «كيس ويسترن ريسيرْف» (الأمريكية). موقع: ذي كنفرسيشن.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.