تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الأمـن العالمي بعد جائحة "الكـورونا"..

مصدر الصورة
عن الانترنت

تزداد المخاطر والتحديات العالمية وتتشابك وتتعقد يوماً بعد يوم، ويصبح التحليل أو القراءة أو الاستنتاج ضرباً من التبصير وربما التنجيم، لأن تطورات الأحداث العالمية تسير بشكل درامي متسارع وغير منطقي، ولذلك فمن الصعب التحليل بشكل منطقي وتوقع نتائج معينة لأحداث وتطورات غير منطقية وغير متوقعة بهذا الشكل.

لعقود وسنوات ركزت الدراسات والنظريات الأمنية على نزع السلاح النووي، ثم الحد من انتشاره، ثم منع دول أخرى من انتاجه أو امتلاكه، كما على وسائل ضبط ومراقبة الدول الطامحة في هذا المجال. وتم توقيع العديد من الاتفاقيات في هذا الإطار، بعضها نفّذ وبعضها بقي حبراً على ورق؛ ومع ذلك شهد العالم في السنوات الأخيرة تقدماً جديداً في حيازة أسلحة الدمار الشامل، وطوّرت الدول الكبرى أنواعاً جديدة من هذه الأسلحة، تتقدمها الصواريخ والأسلحة "الفرط صوتية" المدمرة، وكل ذلك تحت مسمّيات الدفاع ومنع الآخر من الهجوم، وتوازن الردع، وغير ذلك من شعارات تخفي أو تحاول طمس معالم معارك سباق التسلح المستمرة بسرعة وعناد بين القوى الكبرى.

وفجأة ظهر فيروس "الكورونا" ليفرض على العالم إعادة النظر بكل ممارساته وقراءاته السابقة للأمن والدفاع الوطني والعالمي؛ ليس جديداً أن تتحول مهمة الجيوش النظامية إلى مواجهة أحداث وتحديات داخلية، لكن الجديد في هذا المضمار، هو حاجة دول العالم كلها، وفي وقت واحد تقريباً، إلى جيوشها، لتقوم بالمساعدة في أعمال الإغاثة وحماية الأمن الداخلي، كلٌ في بلاده؛ فقد خرق فيروس "كوفيدـ19"، كل معايير السلامة ونظريات الأمن العالمي السائدة، وأربك العالم برمته؛ فقد سبب انهيار الأنظمة الصحية لمعظم البلدان وأظهر عجز أغلب الدول عن مواجهة التحديات التي فرضها؛ وليس ذلك فحسب، بل شلّ الاقتصادات والتجارة والمصانع وأوقف الأعمال وتسبب خسائر بمئات مليارات الدولارات للجميع؛ الدول الغنية والفقيرة، المتقدمة والنامية؛ الانهيار الاقتصادي المتوقع يكاد يفوق جميع التصورات، رغم أنّ جائحة الفيروس لم تتراجع وانتشاره لم يبلغ ذروته بعد..؟!

 والحقيقة أنّ انتشار وباء "الكورونا"، العابر للحدود والخارق لكل نظريات الأمن والدراسات الأمنية، يجعلنا نتساءل: هل سيتراجع اهتمام العالم بالسلاح النووي والفرط صوتي وكل أنواع أسلحة التدمير الشامل الأخرى، التي أصبحت هي بحدّ ذاتها، أخطاراً كامنة على الدول التي تمتلكها قبل غيرها؟ وهل سيُعاد النظر بكيفية الحفاظ على الأمن الوطني للدول، لصالح التعاون والتنسيق والعمل المشترك لتأمين الأمن والحماية للجميع؟! ففي مقاله في مجلة "تايم، الأمريكية، قبل أيام، دعا آخر رئيس للاتحاد السوفيتي السابق، ميخائيل غورباتشوف، جميع الدول إلى أن تلتزم بتخفيض ميزانياتها العسكرية بنسبة10- 15 %. ورأى غورباتشوف أن وباء الفيروس التاجي العالمي أظهر بوضوح ضرورة إعادة توجيه الأموال من الأهداف العسكرية لضمان الأمن البشري.

ولكن ما يصدر عن قادة الغرب، ومحاولتهم استخدام جائحة فيروس "الكورونا" لتحقيق أغراض وغايات استراتيجية أو للتغطية على فشلهم وقصور إمكاناتهم، لا يبشر أنّ الأمور تسير بهذا المنحى التعاوني؛ ويبرز ذلك في محاولة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تحميل الصين مسؤولية وجود وانتشار الفيروس لتحقيق أهداف ذاتية داخلية، وأخرى جيوسياسية وتجارية واقتصادية وتكنولوجية وسيبرانية، لا علاقة لها "بالكورونا" وانتشاره، بل هي محاولات لمنع الصين من تثبيت موقعها في المقعد العالمي الأول، والذي بات واضحاً أنها تنافس عليه بقوة.

وكعادة الغرب، تبعت بريطانيا وفرنسا خطوات الإدارة الأمريكية، إذ توعدت لندن بتوجيه "أسئلة صعبة" للصين بعد انتهاء جائحة فيروس "الكورونا"، تتعلق بسير التفشي والسبل التي كان من الممكن أن تمنعه، وأعلنت وحكمت "سلفاً" على لسان وزير خارجيتها، دومينيك راب، أن العلاقات بين البلدين لن تكون على ما كانت عليه، فيما أوحت تصريحات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بأنه في "المركب الأمريكي"، حين أعلن أنّ هناك فجوات في إدارة الصين لأزمة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، مشيرًا إلى أن “هناك أشياء حدثت ولا نعرفها“، غامزاً من قناة الديمقراطيّات التي تضمن حرّية متقدمة وأخرى نامية في مواجهة هجمة الفيروس العابر للحدود الذي أزال الفوارق وأزاح التصنيفات والهوامش دون اعتبار.

وبالخلاصة، فإنّ التطورات والأزمات الكبيرة التي تواجه وتهدد البشرية مجتمعة، تحتّم البحث عن آفاق جديدة لضمان الأمن العالمي وحمايته، ومع ذلك، يبقى السؤال المهم: هل سيستفيد العالم من تجربة "الكورونا"، ويستخدم عقله وحكمته للخروج بنظريات جديدة، تعيد قراءة الواقع الدولي الجديد، والتحديات والمخاطر الكونية الجديدة، وتقدّم فكرة التعاون الدولي لمواجهة هذه الأخطار بشكل جماعي وحماية البشرية، بدل تطوير أسلحة الخراب والقتل والتدمير الشامل؟ والحقيقة، ليس من المطمئن حتى الآن، ما نراه ونسمعه ونقرأه في وسائل الإعلام من تصريحات للقادة الغربيين، وبالتالي، فإن درس "الكورونا" القاسي، على الأرجح، لم يتم استيعابه بعد..

بـديـع عفيـف

 

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية - خاص

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.