تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

مينيابوليس تحاصر ترامب!

مصدر الصورة
وكالات

حظر تجوّل وانتشار للحرس الوطني

حتى وقت متأخّر من مساء أمس، كانت مدينة مينيابوليس لا تزال تشهد تطوّرات متسارعة على وقع الاحتجاجات العنيفة التي أعقبت مقتل الشاب الأسود جورج فلويد بطريقة عنيفة على يد رجال شرطة بيض. فكان أن أُعلن فرض حظر التجوّل، بعد نشر قوات الحرس الوطني، وغيرهما من الإجراءات الهادفة إلى تخفيف احتقان الشارع. وبانتظار انفراج هذه الأزمة التي أعادت طرح الأسئلة القديمة الجديدة عن مكامن العنصرية في الولايات المتحدة، يبقى الرئيس دونالد ترامب في خضمّ معارك لا تنتهي، ومآزق تخرج في وجهه من كلّ حدب وصوب، يستغلّها أخصامه في عامٍ انتخابي مصيري، لعلّهم بذلك يقلبون الدفّة لمصلحتهم في الأشهر القليلة المتبقية قبل الانتخابات العامّة. هو يُدرك ذلك تماماً، ويعرف صعوبة الاستثمار في هذه الأزمات الداخلية لصالحه الانتخابي، وربما للتعمية على هذا الواقع المتأزّم، ارتأى أمس الاستدارة، كالعادة، إلى الخارج موجّهاً سهامه إلى الصين ومنظمة الصحة العالمية.

«الرماد يرمز إلى سنوات وأجيال من الألم والمعاناة»، كلماتٌ صادرة عن حاكم ولاية مينيسوتا، تيم وولز، تعقيباً على أعمال العنف والتكسير التي قام بها متظاهرون في مدينة مينيابوليس، احتجاجاً على مقتل الشاب الأسود جورج فلويد (46 عاماً) على أيدي رجال شرطة بيض، بطريقة عنيفة وثّقتها كاميرا هاتف أحد المارّة، فأثارت غضب الملايين عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول العالم، وليس في الولايات المتحدة فحسب.

«علينا أن نعيد النظام»، عقّب حاكم الولاية بعدها، فاتحاً الباب أمام انتشار الحرس الوطني بعديد وصل إلى 500 عنصر، علّه بذلك يضع حدّاً لليالي الاحتجاج التي تشهدها مينيابوليس، منذ الإثنين الماضي، مع ما تخلّلها من حرق للمباني وسرقات، ومواجهات مع الشرطة.

تصريحات وولز، وغيره من المسؤولين في المدينة، توحي بأنّ الفوضى باتت سيّدة الموقف بالفعل. ولربما تكفي مشاهدة صور المباني المحروقة، وواجهات المحالّ المكسّرة، والسيارات المتضرّرة، لمعرفة مدى فداحة التظاهرات التي قد لا تعبّر إلّا عن غضب متعاظم، في ظل التباطؤ في توجيه أي اتهام إلى أحد الشرطيين الأربعة المسؤولين عن مقتل فلويد. جاء ذلك بينما تكرّرت التصريحات الشاجبة الصادرة عن الرئيس الأميركي، وغيره من المسؤولين، واكتفت وزارة العدل بالإعلان عن قيام مكتب التحقيقات الفدرالية بتحقيقاته في هذا المجال.

ولكن، بغية تخفيف الاحتقان، ارتأت السلطات أمس، أخيراً، تسريع الإجراءات الرامية إلى وضع حدّ للتطوّرات، قبل خروجها عن السيطرة نهائياً. فأعلنت عن توقيف الشرطي المتّهم بمقتل فلويد، وهو «ديريك شوفن الذي وُضع قيد الحجز» من قبل الشرطة الجنائية، ليلي ذلك إعلان آخر عن توجيه المدّعين تهمة القتل غير المتعمّد إليه.

استطلاع: 65% من السود يرون أن «الوقت سيّئ كي تكون أسود في أميركا»

حادثة مقتل جورج فلويد، وقبله أنطون روز في بيتسبرغ - بنسلفانيا (17 عاماً)، وتيرينس كراتشر في تولسا - أوكلاهوما (40 عاماً) ومايكل براون في ميسوري (18 عاماً)، وإيريك غارنر في نيويورك (43 عاماً)، والذي توفي بالطريقة ذاتها مثل فلويد، اختناقاً، وكان وراء انطلاق حركة «حياة السود تهم» (Black lives matter)، وغيرهم من الأميركيين السود الذين قتلتهم الشرطة عن طريق الخطأ، أو عبر استخدام العنف المُفرط، كلّها أحداث تتكرّر، في فترة زمنية قد لا تتخطّى العام الواحد في بعض الأحيان. وفي كلّ مرّة تعيد فتح الباب على طرح أسئلة كثيرة تتمحور حول مكامن السلوك العنصري في الولايات المتحدة. وإن كانت هذه الأحداث توحي بأنّ هذا السلوك متغلغل في مجتمع متنوّع ومعقّد، فهي تحيل إلى الإشارة إلى أنه يتعدّى كونه موجّهاً ضد السود، إلى المسلمين وغيرهم من الأميركيين من أصول مهاجرة. ولكن ذلك لا يمنع من طرح سؤال آخر أكثر جدّية، عن مدى أهلية الحكومات الأميركية المتعاقبة على معالجة هذا الواقع.

سؤال لن يجد إجابة بوجود رئيس مثل دونالد ترامب، عكَف منذ بداية ولايته على تسعير الخطاب العنصري ضد المهاجرين، أو الأميركيين من أصول لاتينية أو مسلمة، في وقت يملك فيه شعبية منخفضة جداً بين السود، وبينما يرى فيه الأميركيون البيض «الأكثر عنصرية» خير ممثّل لهم.

 

وبحسب استطلاع صادر عن صحيفة «واشنطن بوست»، في شهر كانون الثاني/يناير الماضي، وصف 8 من كل 10 أميركيين سود ترامب بـ«العنصري» الذي ساهم في تحويل العنصرية إلى مشكلة أكبر في البلاد، بينما اعترض 9 من كل 10 أميركيين سود على عمله بشكل عام. التشاؤم ذهب أبعد من تقييم الرئيس، إذ رأت أغلبية تصل إلى 65% من السود أن «الوقت سيّئ كي تكون أسود في أميركا». وفي المقابل، اعتبر 77% من الأميركيين السود أنّ «الوقت جيّد» كي تكون شخصاً أبيض. الأهم من كلّ ذلك، هو أن الغالبية الساحقة تعتقد بأنّ البيض لا يفهمون التمييز الذي يواجهه الأميركيون السود.

ترامب، مثلُه مثل الرئيس السابق باراك أوباما، الذي كان قد أرسل الحرس الوطني إلى مدينة فيرغسون في ميسوري، بعد أعمال العنف التي أعقبت مقتل مايكل براون، في عام 2014. ولكن خطوة الرئيس الحالي، والتي جاءت بهدف تقييد العنف وإيقاف أعمال التكسير والسرقة، قابلها هو نفسه بتصريحات قد لا تساهم سوى في استعار الغضب المقابِل، الصادر عن الشارع. ففي تغريدة يمكن وصفها بالمستفزّة، ارتأى موقع «توتير» أمس وضع إشارة عليها على أنها «تبجّل العنف»، قال ترامب: «تكلّمت للتو مع الحاكم تيم وولز وقلت له إن الجيش سيكون إلى جانبه. عند أي مشكلة، عندما تبدأ عمليات السطو، يبدأ إطلاق النار. شكراً!».

يمكن تأويل هذه الرسالة بأنها تحريض لقوات الأمن على استعمال أسلحتها. ويمكن فهم تصرّف «تويتر»، الذي يدخل في إطار الحرب القائمة بينه وبين ترامب منذ أيام، فقد قام بإخفاء التغريدة، مع الإبقاء على إمكانية قراءتها عند الضغط عليها. وأعلن في بيان أنّ «هذه التغريدة انتهكت قواعد تويتر بشأن تمجيد العنف. لكن تويتر قرّر أنه قد يكون من مصلحة الجمهور أن تظل التغريدة متاحة».

بغضّ النظر عن مفارقة اهتمام موقع اجتماعي بحماية المصلحة العامّة من رئيس الدولة نفسها، ففي هذه الظروف يكثر في المقابل الأشخاص الذي يسعون إلى الاستثمار في الحدث، لأغراض سياسية، ولا سيما أنها تأتي في عام انتخابي يشهد الكثير من التطوّرات المعاكسة لترامب... ومن هؤلاء الرئيس باراك أوباما، الذي شهد عهده أكثر من ستة حوادث قتل أميركيين سود عن طريق الخطأ أو باستخدام العنف. فقد اعتبر هذا الأخير، أمس، أن وفاة جورج فلويد، يجب ألا تعتبر «أمراً عادياً في أميركا 2020، ولا يمكن أن يكون عادياً». وقال أول رئيس أسود للولايات المتحدة، في بيان: «إذا أردنا أن يكبر أولادنا في بلد يكون على مستوى أعظم قيمه، بإمكاننا ويجب علينا القيام بما هو أفضل».

مصدر الخبر
الأخبار

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.