تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

"الهيبة" الأمريكية أصبحت من الماضي..؟!!

مصدر الصورة
وكالات

    عندما يكون الجسم سليماً قوياً معافى ويتعرض لفيروس معيّن، فقد لا يشعر ولا يتأثر بالمرض. ولكن ما إنْ تضعف مقاومة الجسم حتى يظهر الفيروس المستوطن في مكان ما من الجسم على شكل مرض معين يبدأ سيطرته وتأثيره، وغالباً ما يكون من الصعب علاجه والشفاء منه. وربما ينطبق هذا الحال على الجسم الأمريكي الذي بدأت تتكشف نقاط ضعفه ومواضع الخلل فيه بعد إصابته بعدد من الأمراض المتنوعة؛

أولاً، إنّ انتشار جائحة "الكورونا" (كوفيد-19) في الولايات المتحدة الأمريكية، وتجاوز عدد الحالات المؤكَّدة 2.27 مليون، وعدد الوفيات المستمرة بالتزايد 121 ألف، حتى كتابة هذا المقال، وفشل القوة العظمى في التعامل مع/أو مواجهة الوباء الخطير؛ قيادياً وإدارياً وطبياً... الخ ، كشف حالة "الضعف" و"الضعضعة" التي أصبحت عليها القوة الاستعمارية المهيمنة على مدار العقود الماضية؛

ثانياً، إنّ قتل المواطن الأمريكي من أصل أفريقي، جورج فلويد «46 عاماً»، يوم 25 أيار 2020 في مدينة منيابولس، مينيسوتا في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قام ضابط شرطة منيابولس «ديريك تشوفين» بالضغط على عنق فلويد (بركبته) لمنعه من الحركة أثناء الاعتقال لما يقارب من تسع دقائق، فيما كان فلويد يصرخ وبشكل متكرر: «لا أستطيع التنفس»، وفيما توقفت حركة فلويد وتوقف نبضه، خلال الدقائق الثلاث الأخيرة، ومع ذلك استمر ضابط الشرطة شوفين بالضغط على عنق فلويد بركبته وخنقه، حتى عندما حاول مسعفو الطوارئ الطبية إسعافه؛

إنّ قتل فلويد بهذه القسوة وهذا العنف، عرّى النظام الأمريكي وفضح المجتمع الأمريكي المفكك والتاريخ الأمريكي المشوّه، وكشف العديد من الأكاذيب وحقيقة الصورة التي تحاول الولايات المتحدة أن تظهر بها وزيفها؛ ومن الآن فصاعداً لا يحق للولايات المتحدة تقييم تجارب الآخرين وإسداء النصائح، والحديث عن الإنسانية، وإعطاء الدروس للآخرين، وما شابه من التضليل الذي اعتادت واشنطن أن تدوخنا به.

ثالثاً، لقد أظهر وصول دونالد ترامب الجمهوري إلى سدّة الرئاسة الأمريكية وما رافق ذلك من حملات تشكيك، على مدى السنوات الثلاثة الماضية، برئاسته وأهليته وكفاءته وقدراته، واتهامه بقلّة الخبرة وضيق المعرفة الجيوسياسية، ومن ثم اتهامه بالكذب والمراوغة ودفع الرشاوى وتقديم مصالحه الخاصة على مصالح البلاد... الخ، أظهر كل ذلك عقم النظام القائم في الولايات المتحدة، وأنه لم يعد يلبي طموحات وحاجة الشعب الأمريكي، لاسيما وأنّ الحزب الديمقراطي المنافس ليس أفضل حالاً، أو أقل سوءاً؛ لقد أثبتت الأشهر والأسابيع الماضية أن الولايات المتحدة ليست أفضل حالاً من بعض دول العالم الثالث في نظام الطبابة ونظام الحكم وحقوق الإنسان والاستعداد لاستخدام الجيش في مواجهة المظاهرات المحلية... والجميع يرى ويشاهد ويسمع ويدرك.

رابعاً، لقد أظهرت جائحة كورونا، عمق النفاق الغربي (hypocrisy)، والأنانية الغربية، الأمريكية بشكل خاص؛ لم تتمكن الدول الغربية من إخفاء أنانيتها عندما حلّت الكارثة، فقد تخلت بمجملها عن التعاون والتنسيق والتعاضد فيما بينها؛ لقد كشفت الأزمات المتلاحقة التي عصفت بالغرب، الخيوط الرفيعة جداً التي تربط بين دوله، بل وتناقض المصالح الكبير الذي يفصل بينها، وتنافر قادتها فيما بينهم، و"البريكست" البريطاني نموذج آخر للتفكك الغربي. في المقابل، قدّمت دول أخرى في الشرق والجنوب لطالما تم تجاهلها، نماذج راقية وحضارية في التعامل مع الأزمات والتحديات ولم تمارس جشعها الاستعماري كما فعل الغرب، ولا سيما قاطرته: الولايات المتحدة بالذات.

   يُجمع العديد من الباحثين والمختصين في العلاقات الدولية، على أنّ الهيبة الأمريكية انتُهِكت وضُربت وتآكلت في الأشهر الماضية، وظهرت "القوة العظمى" بأسوأ حالاتها، قيادة ونظاماً ومجتمعاً وحتى اقتصاداً. لقد بدأ المسار الانحداري للإمبراطورية التي ظنت أنها لن تضعف ولن تنهزم؛ لا يمكن منع أو إيقاف مواصلة الانحدار نحو الانهيار؛ فقط قد تتمكن الولايات المتحدة من تأخير أفول نجمها، ولكن كل المعطيات والتطورات تشير إلى أنّ السوس نخر عميقاً في الداخل، وهو أشدّ مكامن الخطر؛ وهذا يعني أنّ دولاً أخرى تتقدّم على المسرح الدولي وتأخذ المبادرة وتطرح البديل، عبر بناء نظام دولي جديد متعدد الأقطاب أكثر عدلاً وتكافلاً، وأقل هيمنة وعدوانية وابتزازاً.. 

بـديـع عفيـف

 

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.