تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

اَلصِّينُ اَلْجَدِيدَةُ وَالْعَالَمُ اَلْعَرَبِيُّ اَلْمُنْهَارُ فِي لُعْبَةِ اَلْكِبَارِ  

مصدر الصورة
خاص

تميّزت العلاقات العربيّة - الصّينيّة تاريخيّاً بالتّقارب والتّبادل الثّقافيّ والتّجاريّ، وينظر العرب إلى الصّين على أنّها دولةٌ صديقةٌ لم تعد تؤمن بالإيديولوجيّات وليس لديها أطماعٌ جغرافيّةٌ في المنطقة، كما أنّها دولةٌ صناعيّةٌ و لديها منتجاتٌ رخيصةٌ وأيدي عاملةٌ، وبإمكانها المشاركة في إعادة إعمار البنى التّحتيّة وتنمية الدّول العربيّة، وهي تملك الوسائل والخبرات اللّازمة لذلك.

وتشكّل  الدّول الخليجيّة وإيران المورد الرّئيسيّ للطّاقة في الصّين. ولقد تعمّقت هذه العلاقات في عهد الرّئيس الحاليّ - شي جين بينغ - الذي طرح في عام 2013 مبادرة (حزامٌ واحدٌ - طريقٌ واحدٌ)، والتي تعتمد بشكلٍ أساسيٍّ  على إعادة إحياء طريق الحرير. وبدأت هذه العلاقات تأخذ منحىً جديداً عابراً للعلاقات الدّبلوماسيّة الكلاسيكيّة لا تندرج ضمن التّحالفات القائمة على المعاهدات، وتركّز على الأهداف المرجوّة والمكاسب والمنفعة المتبادلة لترتقي إلى مستوى الشّراكة الاستراتيجيّة مع بعض الدّول بمستوىً أعلى من التّواصل المؤسّساتي وبرضى الولايات المتّحدة الأمريكيّة وبريطانيا لاعتباراتٍ أمنيّةٍ صينيّةٍ بحتةٍ. ولذلك يمكن القول أنّ هذه العلاقات الصّينيّة - العربيّة أخذت منحىً جديداً بعد سياسة التّوجه شرقاً للعديد من هذه الدّول. ومع ذلك ينظر البعض إلى الصّين  بعين الشّكّ، وهي التي لم تسرق خيرات العالم العربيّ ولم تحتلّ بلداً من  بلدانه ودعمت حقّ الشّعب الفلسطينيّ في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على أرضه وتحقيق السّلام العادل والشّامل في الشّرق الأوسط بناءً على قرارات الشّرعية الدّوليّة  ذات الشّأن.

وتعدّ السّياسة الخارجيّة الصّينيّة تجاه الدّول العربيّة مستقلّةً غير منحازةٍ لطرفٍ ضدّ الآخر وملتزمةً بالشّرعيّة الدّوليّة، وبدأت تشهد تحوّلاتٍ جديدةً بعد2010  بما يسمى بالرّبيع العربيّ واستغلال تصويت الصّين ضدّ حكومة الرّئيس اللّيبيّ الرّاحل - معمّر القذّافي - وإسقاط النّظام اللّيبيّ بالقوّة من قبل حلف الناتو، كما بدأت تتخوّف من سياسة الولايات المتّحدة والغرب من التّدخّلات الإنسانيّة تحت ذريعة مسؤوليّة حماية المواطنين في أماكن النّزاع وخارج الحدود، وإسقاط الأنظمة بالقوّة. وبدأت بالفعل بالانتقال في هذه العلاقات إلى مرحلة أمن الطّاقة والتّعاون الأمنيّ والعسكريّ لمكافحة الإرهاب والقرصنة، وحماية الممرّات التّجاريّة  العالميّة، وربط الدّول العربيّة الرّئيسيّة بمشروعها البحريّ والبرّيّ من خلال زيادة الاستثمار، وبناء المدن الصّناعيّة والموانئ والأسواق الحرّة الضّخمة. وقد أنشأت بنك استثمارٍ آسيويٍّ للبنية التّحتيّة بقيمة 40 مليار دولارٍ بمشاركة عدّة دولٍ عربيّةٍ، وبدأت تركّز على مشاريع الطّاقة والبنية التحتيّة وتسهيل التّجارة والاستثمار والمجالات التّقنيّة مثل الطّاقة النّوويّة للأغراض السّلميّة والفضاء والأقمار الصّناعيّة والطّاقات الجديدة، بالإضافة إلى بيع السّلاح الصّينيّ المتطوّر وتعزيز قدرات الدّول الشريكة معها وتنفيذ استراتيجيّة القوّة العسكريّة المرنة في الشّرق الأوسط والمحيط، وأخذت تشارك أيضاً في عمليّات حفظ السّلام التّابعة للأمم المتّحدة في السّودان ولبنان والصّحراء العربيّة، وتجري تدريباتٍ عسكريّةً، وتقدّمُ استشاراتٍ وبناء منشآتٍ ومحطّات استخباراتٍ مشتركةٍ.

ويمكن القول إنّ أكبر المشاريع في دول الخليج هي:

        الكويت: شريكٌ استراتيجيٌّ لتطوير البنى التّحتيّة لمدينة الحرير، وهو أهمّ وأضخم المشاريع في منطقة الخليج بتكلفة قرابة 100 مليار دولارٍ أمريكيٍّ، والذي يُعدّ أضخم واجهةٍ بحريّةٍ في العالم، ويتّسع ل700 ألف مقيمٍ.

        المملكة العربيّة السّعوديّة: مصفاة تحويلٍ متكاملةٌ ومشاريع أخرى بقيمة 87 مليار دولارٍ أمريكيٍّ

        دولة الإمارات العربيّة المتحدة: حجم التّبادل التّجاري 53.3 مليار دولارٍ أمريكيٍّ (90% صادراتٌ صينيّةٌ)، وإقامة أضخم سوقٍ للتّجارة الحرّة في منطقة جبل علي على مساحة 3 كيلومتراتٍ مربّعةٍ، بالإضافة إلى أكبر مشروعٍ في العالم للطّاقة الشّمسيّة.

وفي شمال إفريقيا:

        مصر: مشاريعٌ ضخمة ٌ في المنطقة الصّناعيّة الصّينيّة بمنطقة خليج السّويس بقيمة 8 مليار دولارٍ، وتوفير 20000 وظيفةٍ، ومشروعٌ بقيمة 3 مليار دولارٍ لإنشاء العاصمة الإداريّة الجديدة بالقاهرة، ويضمّ أكبر برجٍ في إفريقيا، و12 مبنىً تجاريّاً، ووحداتٍ سكنيّةً، و فندقين كبيرين.

        الجزائر: أكبر مسجدٍ وأطول مئذنةٍ بقيمة مليار ونصف المليار دولارٍ، ومشروع الطّريق السّيّار بطول 1200 كم ومتوسّط التّكلفة 19 مليار دولارٍ، بالاضافة إلى مشروع ميناء شرشال الأكبر بقيمة 3 مليار دولارٍ خلال 7 سنواتٍ.

  • المغرب : من المتوقّع ان تحتضن المدينة الصّناعية في مدينة طنجة 200 شركةٍ صينيّةٍ وتوفّر 100000 وظيفةٍ.

وبالتّالي يمكن القول إنّ السّياسة الصّينيّة الجديدة تهدف إلى خلق توازنٍ إقليميٍّ استراتيجيٍّ في منطقة الشّرق الأوسط مع الولايات المتّحدة كي تضمن الهدوء والاستقرار ضمن حسابات الأمن القوميّ الصّينيّ الجيوسياسيّة، خاصّةً بعد زيادة أعمال العنف والإرهاب في الصّين على أيدي مجموعاتٍ درّبت ضمن تنظيمي داعش والقاعدة الإرهابيّين في أفغانستان وسورية والعراق بمشاركة عددٍ كبيرٍ من الأقليّات العرقيّة الصّينيّة المسلمة في هذه التّنظيمات الإرهابيّة بإشراف الولايات المتّحدة وحلفائها، خاصّةً تركيا. وتتخوّف بكّين حاليّاً من الانسحاب الأمريكيّ المفاجئ من أفغانستان ومحاولة تمهيد تسلّل الإرهابيّين إلى الأقاليم العرقيّة المضطربة في شينجيانغ والتبت لعرقلة مبادرة (الحزام الواحد) والممرّ الاقتصاديّ الصّينيّ – الباكستانيّ، وتضييق الخناق على التّنين الصّينيّ.

التّحدّيات والعوائق

مع انحسار النّفوذ الأمريكيّ في منطقة الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا والأوضاع الاقتصاديّة المتردّية للدّول الغربيّة بسبب جائحة فيروس كورونا يمكن القول بأنّ الصّين التي تحاول النّهوض من الجائحة وإعادة عجلة النّموّ الاقتصاديّ لن تقف مكتوفة الأيدي أمام التّحديات الأمنيّة والمخاطر المحدقة بأمنها القوميّ، وبالتّالي سوف تعزّز من وجودها في المنطقة عبر أسلوب القوّة النّاعمة والضّاغطة لتحقيق أهدافها الاستراتيجيّة وتحرير الشّرق الأوسط من النّفوذ الأمريكيّ، وإن كان ذلك شبه مستحيلٍ، وسوف تبقى العلاقات العربيّة الصّينيّة رهينة الارتباط البيولوجيّ الأمريكيّ والبريطانيّ مع دول الخليج  وقدرة هذه الدّول على الاستقلاليّة من هيمنة القيود الأمريكيّة البريطانيّة، ولذلك لا يوجد حليفٌ عربيٌّ استراتيجيٌّ للصّين، بل ثمّة شركاء،  فالسّعوديّة شريكٌ استراتيجيٌّ، وإيران شريكٌ طبيعيٌّ، وهذا ما يثير حساسيّة الرّياض التي تحاول بشتّى الوسائل إغراء الصّين لقطع علاقاتها مع طهران.

لابدّ من الإشارة هنا إلى أنّ فقدان استراتيجيّةٍ صينيّةٍ تجاه الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا منبعه أنّ هذه المنطقة بعيدةٌ عن الاستقرار، ومهدّدةٌ بالانقسام والتّمزّق بسبب مطامع الدّول الغربيّة، ودعم الولايات المتّحدة لإسرائيل لكي تكون القوّة الوحيدة المهيمنة في المنطقة التي تحمي مصالحها.

الصّين والعالم العربيّ

بدأ الصّراع بين القوى العظمى يتبلور أكثر مع تفشي جائحة فيروس كورونا  و تداعياته على النّفوذ والهيمنة على ثروات وخيرات  المنطقة  العربيّة  من محيطها إلى خليجها. وبقدر ما يحمل عنوان المقالة من بعدٍ استراتيجيٍّ للبحث عن موقعٍ لهذه الأمّة المشرذمة في المسرح الدُّولي أكثر من كونها ساحةً للنّزاع والحروب  بين القوى العظمى، بقدر ما يصدمنا واقعنا العربيّ ويُبعدنا عن الحديث عن وجهة نظر ورؤيا طويلة الأمد لمستقبل العالم العربيّ، وإن كانت هذه التّسمية بعيدةً عن الواقع الأليم أيضاً، فلا أحد ينظر للدّول العربيّة ككيانٍ موحّدٍ، بل كدويلاتٍ تتقاتل فيما بينها إذ فرّقتها الحروب المفتعلة المدعومة من أنظمةٍ مُسيّرةٍ وليست مخيّرةً، ففضّلت زيادة الألم والتّباعد بين الدّول العربيّة وزيادة أوجاعها وآلام شعوبها المغلوب على أمرها.

 

 خلاصة القول ودون الدّخول هنا في الحديث عن كلّ دولةٍ على حدة، باتت ملامح المرحلة المقبلة واضحةً يسودها  الذلّ والعار والتّبعيّة والجهر بها، ويشرف قادة بعض هذه الدّول على سقوطها مع  شعوبها التي لاحول لها ولا طاقة بسبب أزمة الفقر والجوع وتردّي الأوضاع الاقتصاديّة في زمن جائحة كورونا. لقد أصبحت الدّول العربيّة طعماً سائغاً لقوىً إقليميّةٍ وعالميّةٍ على حدٍّ سواء، ومنهم من فضّل التبعية ليرجعوا بشعوبهم إلى كنف السّلطنة الإردوغانيّة، بعد أكثر من قرنٍ مضى، ويدخلوا في هذه الحروب المفتعلة لمصلحة الدّول العظمى التي تتربّص لتقسيم الدّول العربيّة أكثر بما يخدم مآربها، في الوقت الذي يستمرّ بعض قادة الدّول العربيّة باستهداف دولٍ عربيّةٍ أخرى منها: سورية والعراق ولبنان وفلسطين  وليبيا، ويشارك في تدمير اليمن وتشريد أهله وتقسيم وطنهم، وهم يعلنون جهاراً عن رغبتهم في التّطبيع مع "إسرائيل الكبرى"، ويباركون خطّة الضّمّ للأراضي الفلسطينيّة المغتصبة وحرمان الشّعب الفلسطينيّ من حقّه الشّرعيّ في إقامة دولته المستقلّة على أرضه.

ونحن في العالم العربيّ نتحدث عن محاور معاديةٍ لبعضنا البعض بعيداً عن المحاور الدّوليّة التي تحاول الدّول العظمى  من خلالها ، رسم معالم جديدةٍ للنّظام العالميّ والهيمنة على العالم، وهذا ما أبعدنا عن الواقعية وعن تبني منظومةٍ أمنيّةٍ عربيّةٍ تضمن أمن واستقرار وازدهار العالم العربيّ. وبالتّالي علينا أن ننظر لعلاقة الدّول العربيّة ضمن هذه المعطيات وبشكلٍ فرديٍّ في التّعامل مع دول العالم، وخاصّةً الصّين الجديدة التي بدت أكثر فعاليّةً في فرض نفوذها وحماية أمنها القوميّ ومصالحها في المنطقة، وهي لا تريد  ان تحلّ محلّ الاتّحاد السّوفييتيّ السّابق، ولا تريد منافسة الولايات المتّحدة، خاصّةً في محميّاتها - دول الخليج - التي ربطتها باتفاقيّاتٍ أمنيّةٍ واقتصاديّةٍ وعسكريّةٍ طويلة الأمد. ويبدو أنّ الرّهان الصّينيّ قائمٌ على شعوب المنطقة وليس على حكوماتها لأنّ المرحلة المقبلة لن تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على قرارات هذه الحكومات، بل على التّوازن الدّوليّ بين الدّول العظمى التي سوف تتقاسم الهيمنة على العالم أو تقوده إلى التَهلُكة.

                                    الدّكتور وائل عواد

                         الكاتب و الصّحفي المتخصّص بالشّؤون الآسيويّة

 

 

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.