تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

يوميّات قنّاص كركرونا – الدكتور وائل عواد يتابع الكتابة من الهند من وحي الحجر الصحي عن كورونا ويوميّات قناص كركرونا  –زَوَاجُ اَلْغَرَائِبِ فِي زَمَنِ اَلْعَجَائِبِ – 57 -

مصدر الصورة
خاص

لم يعد لعيد العشّاق (الفالانتاين) قيمةً ملومسةً عدا عن كونه احتفالاً عبر الشّبكة العنكبوتيّة يتبادل فيه العشّاق كافّة أنواع الورود والقبلات والعناق الافتراضيّ دون طعمٍ او لذّةٍ. ويبدو أنّ الاستمرار في هذه الحالة من الحجر المنزليّ والتباعد الجسديّ سوف تمتدُّ حتّى العام المقبل؛ وبالتّالي قد يقتصر عيد الحبّ على المحبّة عن بعدٍ دون حاجةٍ للاعتناء بالهندام والتأنّق للمناسبة، مسألةٌ قد تجد الفتيات صعوبةً في تقبّلها، سيما وأنّ على العشّاق إرسال الورود والهدايا التي تقتصر على الصّور ومقاطع الفيديو بالبريد الالكتروني أو حساب الفيس بوك أو الواتس آب.

كم من قصصٍ للعشق كتب لها النّجاح! وكم من العشّاق بقيوا على العهد! بعيداً عن العشّاق وقصصهم إذ سنخصّص لها زاويةً فيما بعد، هناك زيجاتٌ غريبة الأطوار خاصّةً في المناسبات. وبما أنّنا في موسم الأمطار الموسميّة الذي بدأ في معظم أجزاء شبه القارّة الهنديّة، وثمّة مناطق تتعرّض إلى  الفيضانات مثل الولايات الشّمالية الشّرقيّة، وثمّة مناطق مازالت الأمطار فيها شحيحةً. نورد أنّهم يعقدون قراناً للضفادع كي يهبط المطر هنا في الهند؛ وهذا ليس غريباً أو مستهجناً في الهند باعتبار أنّ هناك من يعبد آلهة المطر، ولابدّ من حفل زواجٍ للضفادع لإسعاد الإلهة. وتسمّى هذه الطّقوس ماندوكا بارينايا (Mandooka Parianay )، ويشرف على عقد القران منتدىً متخصّصٌ يوم السّبت ليرى النّاس المحلّيّون هذا العرس الذي سيؤدّي إلى هطول الأمطار، خاصّةً في المناطق التي تعاني من أزمةٍ في المياه وتشتدّ فيها حرارة الصّيف. ويتمُّ تحضير العروس الضّفدع، ويشارك في تحضير ثياب العرس عددٌ لابأس به من الأهالي وكذلك فريقٌ خاصٌّ بالعريس الضّفدع  من قريةٍ مجاورةٍ ضمن ترتيباتٍ خاصّةٍ، ويتمّ عقد الزّفاف بحضور قرابة مائة شخصٍ من القريتيتن وسط أجواءٍ من الفرح والبهجة يتمّ فيها التقاط الصّور التذكاريّة وفق التّقاليد والطّقوس المتّبعة. وسبق لي وشاركت بعرسٍ في ولاية كارناتكا الجنوبيّة في حفلةٍ صاخبةٍ، وكنتُ على مقربةٍ من العروسين وقد زُيّنا بطوقٍ من الفلّ والياسمين، وأُلبِسا ثياب العرس المطرّزة والمزركشة بالألوان الهنديّة، وقد أمسك كلٌّ من النّاسكَين بالعروسين، وكانا يردّدان بعض الكلمات والتّراتيل التي لم أفهمها، ولكنّني سمعت بق بقيق ونق نقيق، وعلمت أنّ العروسين وافقا على الزواج بملء إرادتهما، فلم يكن زواجاً قسريّاً، ووُضعت النّقشة الحمراء على جبين العروس وعلى رأس العريس أيضاً، وتمّ تبادل القبل. بيد أنّني بكلّ أسفٍ  لم أرافق العروسان في رحلة شهر العسل، لكنّني تمنّيتُ لهما السّعادة والهناء، ولم أجد أحداً من عائلة العروسين قد شارك بالعرس، وعدت أدراجي إلى العاصمة دلهي وأنا أتساءل عن زواج آخر الأزمان، وكيف يمكن للعروسين عقد القران دون مشاركة الأصدقاء والأقارب الذي يحضرون المناسبة عادةً ويلبسون الجديد ويستعدّون للرّقص والهرج والمرج والدّبكة ليتحدّثوا بعد ذلك عن العرس الطّنّان، وكم تمّ الإنفاق من الأموال، وماذا ارتدت العروس من الحلي والمجوهرات، وغيرها من الأسئلة والتّعليقات على اللّبس والبذخ وهزّ الخصر وغيرها. على أيّة حالٍ لاحظتُ في عروض الأزياء أنّ هناك زيٌّ يُدعى "لباس الضّفدعة"، وكانت إحدى عارضات الأزياء الحسناوات تتمختر على خشبة المسرح، وقد صفّقت لها بحرارةٍ فقد أعادت لي شريط الذّكريات.

ولا تقتصر عادة زواج الضّفادع على منطقةٍ معيّنةٍ في الهند، ولكن تجرى الطّقوس في معظم أرجاء القارّة، وهذه طقوسٌ متعارفٌ عليها.

وهناك العديد من الزّيجات والعادات التي قد تبدو مستهجنةً للبعض، ولكنّها جزءٌ من التّقاليد والأعراف، ولكلّ بلدٍ عاداته وتقاليده. وسوف نذكر الأقرب منها لمراسم الزّواج، فعلى سبيل المثال إذا لم تتمّ دعوة أمّ أحد العروسين، يُعتبر ذلك غير مستحبٍّ وليس فألاً جيّداً، خاصّةً في ولاية البنغال الغربيّة، بسبب العواطف والأحاسيس لكلا الوالدتين. وفي ولاية غوا الغربيّة التي كانت مستعمرةً برتغاليّةً، يقومون بحمل العروسين ورميهما في بركةٍ من الماء، ويعتبرون ذلك طالع خيرٍ للإنجاب وكثرة البنين للعروسين. أمّا الزّواج الآخر،  فهي عادةٌ متّبعةٌ  تسمى سانث (Saanth)، وفيها يتمّ صبّ زيتٍ على رأس العريس، و يقومون بإلباس فردةً من الحذاء في قدمه اليمنى، ومن ثمّ يحطّمون جرّةً من الفخّار بالقرب من قدمه، ويتمّ تمزيق ثياب العريس داعين له بالحظّ السّعيد. وفي ولاية مانيبور، شمال شرق الهند، يقوم العروسان بإطلاق سمكتين في بركة المياه لطرد الأرواح الشّرّيرة، وإذا قامت السّمكتان بالسّباحة معاً، فإنّ ذلك يُعدّ طالع خيرٍ وهناءٍ للعروسين. لا تتعجّب من ذلك، ولو كنت من أهل القوم لوجدتها عاداتٍ طبيعيّةً، وهناك الكثير والكثير. وهنا أذكر قرص أذن  العريس في ولاية مهاراشترا الغربيّة أو أنفه في ولاية غوجرات الغربيّة، وهي دعوةٌ للعريس أن يكون حنوناً، و بمثابة التّهديد في حال لم يهتمّ  بالعروس ويوفّر لها الرّاحة والسّعادة، وطبعاً تلبية كافّة طلباتها وما أكثرها!

وأذكر في إحدى المرّات أنّنا كنّا نشاهد عرضاً لعرسٍ في العاصمة دلهي، وكان معي الزّميل م .عبد اللّطيف الشلبي، وكان معه أخوه  محمد الشلبي أبو العبد المقيم في السّعوديّة يزوره في الهند، وخرجنا من الفندق إلى السّاحة لمشاهدة العريس والرّقصات على طول الطّريق من قبل أهالي العريس والعروس والمدعوين شبّاناً وفتياتٍ، وهو يركب على ظهر حصانٍ. وبدون سابق إنذارٍ، توجّه أخو عبد اللّطيف أبو العبد إلى العريس وأدخل اصبعه في مؤخرته، فقفز من على ظهر الحصان وهو ينظر إلى أبو العبد مستهجناً  ومتوجّعاً، وهنا أمسك بقبضته ولوّح له بالهواء كن قويّاً (Be Strong, Ok! ) يا عريس ، وردّ العريس بابتسامةٍ  كئيبةٍ ظنّاً منه أنّه من أهل العروس المغتربين، واختفينا وسط الحشد ومضى العرس على خيرٍ.

من الزّيجات الغريبة عاداتٌ غريبةٌ واعتقاداتٌ باليةٌ يمكن أن يكون قد سبق لأحدنا مشاهدتها في أفلام بوليوود وهي تزويج العروس من شجرةٍ أو كلبٍ، ويتمّ إقامة الطّقوس بأكملها، وهذا مؤشّرٌ على طرد الأرواح الشّريرة وتعرف بمانغليك (Manglik) أي الفأل السّيّء من قبل الزّوجة، وبالتّالي لا بدّ من ممارسة هذه الطّقوس لطرد الشّرّ، وبعدها تكون جاهزةً للزّواج الثّاني هذه المرّة من العريس من بين البشر! أمّا أكثر الزّيجات غرابةً فهي في ولاية تاميل نادو ووولاية اندرا برادش الجنوبيّتين، حيث يُسمح للعريس  بالرّفض وتغيير رأيه خلال حفلة الزّواج ويحقّ له مغادرة المكان، ويقوم والد العروس أو أخوها باللّحاق به لإقناعه وإعادته إلى القفص الزّوجيّ، وهذا يذكّرني بالنّصيحة التي أعطاها احد المتزوّجين لشابٍّ اراد نصيحته ليلة عرسه، فقال له: "لا تذهب للعرس..."

وبعيداً عن الزّواج، وبسبب قيظ حرارة الصّيف، فقد قام الكهنة و النّسّاك  الهندوس في معبد سوميشوارا في ولاية تاميل نادو الجنوبيّة  بأداء الطّقوس الهندوسيّة وهم داخل وعاء الطّبخ الضّخم المليء بالماء، ومن داخل الطّناجر كانوا يتصفّحون أجهزة هواتفهم ويدعون إله المطر للشّروع بموسم الأمطار الموسميّة .

عادات الزّواج في الهند

تشتهر الهند بعاداتٍ وتقاليد متنوّعةٍ للزّواج بسبب التعدّدية الثّقافية والعرقيّة والدّينيّة التي تعكس عمق الحضارة الهنديّة. وتُعدُّ نسبة الطّلاق قليلةً إذا ماقورنت بباقي دول العالم، فهي لاتتجاوز1.1%، بينما تصل نسبة الطّلاق في بعض الدّول إلى46%. ويعود الفضل في ذلك إلى الزّواج التّفليديّ (Arranged Marriage) المدبّر من قبل الاهالي، الذي يعدّ الزّواج الأنسب لهم،  ولا علاقة للوعي والثّقافة والمجتمع الذي يعيش فيه الهنود، إذ مالا يقلّ عن  70%من الشّعب الهنديّ  يفضّلون هذا النّوع من الزّواج. ويتمّ اختيار العريس من قبل ذوي العروس. وتشتهر الشّبكة العنكبوتيّة بالمواقع التي تروّج للزّواج، وترى صوراً للذّكور والإناث من كافّة شرائح المجتمع، وحتّى وسط المغتربين الهنود الذين يعربون عن رغبتهم بالفتاة او الشاب المناسب، خاصّةً من أبناء الطّبقة الهندوسيّة الواحدة  للحدّ من الطّلاق والخلافات العائليّة، في حال تمّ التّزاوج من طبقاتٍ مختلفةٍ. وتشتهر الهند بالتعدّديّة الزّوجيّة داخل الطّوائف الهندوسيّة وبعض المجتمعات غير المسلمة، وهي عادةٌ متعارفٌ عليها، حتّى أنّ العديد من المشاهير كانوا يحتفظون بزوجتين أو زوجةٍ وخليلةٍ، ومنهم اميتاب باتشان و دارمندرا ,وحتى وسط ابناء الطائفة المسيحية هناك تعدد للزوجات في بعض المناطق خاصة في ولاية ميزورام الشمالية الشرقية ومؤسس هذه الطائفة المسيحية اسمه زوينا ،66 عاما" ،واطلق عليها  تشانا(Chana ) و لديه 39 زوجة و 94 طفلا" و33 حفيداً وجميعهم يعيشون تحت سقف واحد!

ولكن كيف يمكن الدّيمومة لمثل هذه الزّيجات؟ يبدو أنّ دور الأهالي في اختيار الشّريكين يلعب دوراً هامّاً في حسن الاختيار، ولعلّ ذلك من شأنه أن يخفّف من المشاكل الزّوجيّة والعائليّة باعتبار أنّ الكبار هم من اختاروا الشّريكين ودرسوا الوضع الماليّ لكليهما ودرجة الثّقافة والنّظام الطّبقيّ الطّائفي  والمهر الذي سوف تدفعه العروس، ولو أنّ هذه العادة محظورةً، إلا أنّها مازالت تمارس بطرقٍ أخرى. وكذلك الأمر تكون التوقّعات عند الزّوجين ضعيفةً، وبالتّالي يحلّ القبول والرّضى من علامات الدّيمومة بعيداً عن الرّومانسيّة والحب الجارف،  وتفضي  في الكثير من الأحيان إلى حبٍّ دائمٍ او طلاقٍ وذكريات وقصص زواج مؤلمة تؤدّي إلى الموت والانتحار وحرق الزّوجة وغيرها من الآفات الاجتماعيّة.

مع دخول الألفيّة الثّالثة والشّبكة العكنبوتيّة إلى المنازل، بدأت الاستعراضات على شاشات الموبايلات، وازدادت نسبة الطّلاق في الهند بشكلٍ ملحوظٍ،  وكذلك الأمر في العديد من دول العالم. بيد أنّ ظاهرةً جديدةً برزت وسط الجيل الشّاب هنا في الهند، ألا وهي الابتعاد عن الزّواج، حيث هناك شخصٌ من بين أربعةٍ يرفض الزّواج وغير مهتمّين بالإنجاب بسبب الأحوال الاجتماعيّة المادّيّة الصّعبة من جهةٍ، ودخول جائحة كورونا المنازل، وتدمير الأواصر الاجتماعيّة للعديد من الأسر مع انعدام الدّخل اليوميّ، وطرد الكثيرين من وظائفهم، والخوف من المستقبل القاتم.

أضف على ذلك ، فقد ألقت جائحة فيروس كورونا على مراسم  الزّواج في الهند والتي تعدّ من أكبر الاستعراضات واكثرها  فخامةً وسخاءً وترفاً، والتي يتمّ التّحضير لها على مدى سنةٍ كاملةٍ، ويتمّ دعوة مشاهير السّينما الهنديّة – بوليوود - كضيوف شرفٍ، ويحضرها ما لايقلّ عن 500 شخصٍ، بينما لا يُسمح حاليّاً لأكثر من 50 شخصاً حضور الحفل. وجذبت الأعراس أنظار العديد من المشاهير الذين فضّلوا الزّواج على الطّريقة الهنديّة لتصبح  أهمّ المعالم السّياحيّة في الهند أماكن الأعراس والدّيكورات المميّزة لها.

وينتظر الكثيرون بفارغ الصّبر انجلاء أزمة كورونا وعودة الحياة الطّبيعيّة إلى مجاريها لإقامة حفلات الزّواج، وإلى حينه للقصّة تتمّةٌ...

                                       الدّكتور وائل عوّاد

                         الكاتب والصّحفي السّوريّ الأصل المقيم بالهند

 

 

 

 

 

 

 

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.