تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

د. وائل عواد يكتب ..أفغانستان بين سلام الشّجعان والحروب بالوكالة

مصدر الصورة
وكالات -أرشيف

لم يكن اتّفاق السّلام بين الولايات المتّحدة وحركة طالبان ممكناً في شهر شباط الماضي لولا استضافة الدّوحة للمباحثات السّرّيّة المضنية بين الطّرفين، ووضع آليةٍ لسحب القوّات الأمريكيّة من هناك مع الحفاظ على المصالح الأمريكيّة في المنطقة؛ فقد كانت قطر هي من افتتح مكتباً لحركة طالبان تحت عنوان  "إمارة أفغانستان الإسلاميّة"، ومارست الحركة نشاطاتها وتواصلها مع مسؤولين أمريكيّين للتّوصّل إلى اتّفاقٍ يضمن ماء الوجه للولايات المتّحدة وللرّئيس ترامب بالذّات الذي يريد  تنفيذ وعوده الانتخابيّة بإعادة الجنود الأمريكيّين من هناك إلى الولايات المتّحدة قبل الانتخابات الرّئاسيّة الأمريكيّة المقبلة في شهر نوفمبر/ تشرين الثّاني القادم ، حيث تشير استطلاعات الرّأي إلى تقدّم منافسه جو بايدن  للوصول إلى البيت الأبيض. ويريد الرئيس ترامب، حسب أهدافه المعلنة ، الانسحاب من أفغانستان وإنهاء الحروب العشوائيّة الأمريكيّة التي ورثها عن أسلافه ، على حدّ زعمه، والحصول على وعودٍ من حركة طالبان بعدم استهداف المصالح الأمريكيّة في المنطقة، وعدم السّماح لتنظيم القاعدة أو أيّ جماعاتٍ إرهابيّةٍ بالنّشاط تحت رايتها، مقابل قيام الولايات المتّحدة بإزالة الحركة وعناصرها من قائمة المنظّمات الإرهابيّة، والتعهّد بعدم استهداف قادة الحركة، والتّوصّل إلى اتّفاق سلامٍ دائمٍ بين الفرقاء الأفغان، ووضع آليّةٍ لرسم مستقبل أفغانستان من قبل الشّعب الأفغانيّ بعيداً عن الوجود والنّفوذ الأمريكيّ والأجنبيّ على أراضيه.

دخلت المفاوضات الأفغانيّة - الأفغانيّة مرحلةً حاسمةً بعد لقاء الوفد الحكوميّ مع ممثليّ حركة طالبان وبمباركة جميع دول العالم بما فيها الهند التي كانت تعارض الحديث مع حركة طالبان باعتبار أنّ الحركة مدعومةٌ من باكستان ، بينما  تربط الهند علاقات قويّةٌ مع التّحالف الشّماليّ والحكومة الأفغانيّة الحاليّة. وساهمت الهند بشكلٍ استثنائيٍّ في دعم أفغانستان عسكريّاً ومادّيّاً واقتصاديّاً وسياسيّاً، وكانت من بين الدّول الرّئيسيّة التي ساهمت في إعادة إعمار أفغانستان بجميع المجالات، وأنفقت اكثر من 3 مليارات دولارٍ أمريكيٍّ في هذا المضمار. ومن المتوقّع أن تتمّ مناقشة جميع المسائل العالقة بين الأطراف الأفغانيّة ووضع خريطةٍ لمستقبل أفغانستان والدّور الهامّ الذي سوف يلعبه مجلس الأعيان (اللويا جيرغا) في صياغة الدّستور والتوصّل إلى اتّفاق سلامٍ دائمٍ بين الأطراف الأفغانيّة المتناحرة.

هل حقّاً أنّ الولايات المتّحدة داعية سلامٍ؟

إذا كانت الأهداف المعلنة ممّا تمّ سردها آنفاً وراء القرار الأمريكيّ بالانسحاب  السّريع من أفغانستان، فإنّ الرّئيس الأمريكيّ يستحقّ جائزة نوبل للسّلام في  تحقيق السلام في أفغانستان و فرضه الاستسلام العربيّ لاسرائيل ضمن سياسة واشنطن وأهدافها تجاه المنطقة العربية . لكن في حقيقة الأمر هناك الكثير من الخفايا في الأهداف غير المعلنة للسّياسة الأمريكيّة وحروبها الاستراتيجيّة وسعيها الدّؤوب للحدّ من نفوذ المحور الصّينيّ – الإيرانيّ - الروسيّ وكبح التّمدّد الصّينيّ وتنفيذ مبادرته  طريق الحرير (حزامٌ واحدٌ - طريقٌ واحدٌ). ومن المعروف أنّ إيران سيكون لها الدّور الرّئيسيّ في المبادرة الصّينيّة، إذ لم  ترُق للإدارة الامريكيّة الاتّفاقيّات بين الثّلاثي  و تجاوزهم الخطوط الحمراء، خاصّةً  مسألة التّداول بالعملات المحليّة والمقايضات والابتعاد عن الدّولار الأمريكيّ، ناهيك عن اللّوبي اليهوديّ في الولايات المتّحدة والذي يدفع بالرّئيس ترامب والصقور في إدارته  للقيام بعملٍ عسكريٍّ ضدّ طهران بعد نجاحه في جرّ دولٍ عربيّةٍ للتّوقيع على اتّفاقيّات سلامٍ مع إسرائيل وإجبار بقيّة الدّول للاصطفاف والتّطبيع مع إسرائيل دون مقابلٍ، وهذا يلقي الضّوء على أنّ الولايات المتّحدة وإسرائيل ماضيّتان قدُماً في تعزيز محورٍ معادٍ لإيران، واحتمالات قيام الولايات المتّحدة بعملٍ عسكريٍّ ضدّ إيران قبيل الانتخابات الأمريكيّة ،غير مستبعدةٍ للحصول على التّأييد الشعبيّ للرّئيس  ترامب وتحسين فرص إعادة انتخابه للبيت الأبيض لدورةٍ رئاسيّةٍ ثانيةٍ.

لا يخفى على أحدٍ أنّ ثقافة الجهاد في أفغانستان قادتها الاستخبارات الأمريكيّة والسّعوديّة والباكستانيّة لدحر الاتحاد السوفييتي آنذاك، وكان عرّاب الجهاد مستشار الرّئيس الأمريكيّ الرّاحل بريجنسكي الذي ألقى خطباً شهيرةً بالمقاتلين العرب والأفغان لحثّهم على الجهاد الأمريكيّ الوهّابيّ التّكفيريّ  ضدّ الاتّحاد السّوفييتيّ وطرده من أفغانستان. وقد ولدت حركة طالبان "السّنيّة" المتشدّدة في أفغانستان لتضاهي الثّورة الإسلاميّة الإيرانيّة "الشّيعيّة" التي أسقطت نظام الشّاه. ولم تُخفِ إدارة ترامب عداءها لإيران، بل على العكس تماماً، كان الرئيس ترامب وراء الانسحاب من الاتّفاقيّة النووية مع إيران، وزاد من العقوبات الاقتصاديّة والضّغوط العسكريّة،  وجيّش بعض القادة العرب بأنّ عدوّهم إيران وليست تل أبيب. وعلى الرّغم من فشل الولايات المتّحدة في حشد تأييدٍ داخل مجلس الأمن في الأمم المتّحدة لفرض عقوباتٍ على إيران من جديدٍ، بدت إدارة ترامب مصمّمةً على إعادة فرض العقوبات الصّارمة على إيران حتى لو وقعت مواجهةٌ عسكريّةٌ مع طهران، فهي تحاول سحب قوّات بحريّتها من المنطقة لتخفيف الخسائر البشريّة للجنود الأمريكيّين في حال شنّت حرباً استباقيّةً على الجمهوريّة الإسلاميّة ضمن سياسة الأحاديّة والانفراديّة في تفسير وتطبيق القرارات الدّوليّة، وتكتفي باستهداف سفن النّفط الإيرانيّة في البحار لاستفزاز إيران للانتقام من التّصرّفات الأمريكيّة، الأمر الذي سوف تعتبره الولايات المتّحدة عملاً إرهابيّاً، و سيدفع بإدارة ترامب إلى حشد الحلفاء الأوربيّين لدعم السّياسة الامريكيّة ضدّ إيران، وشن ضرباتٍ استباقيّة لمواقع استراتيجيّةٍ في إيران، وكسب تأييد الشّارع الأمريكيّ للرّئيس ترامب، دون ردٍّ إيرانيٍّ انتقاميٍّ موجعٍ. هذه الحملة والحرب الاستباقيّة ، يقودها وزير الخارجيّة الامريكيّ - مايك بومبيو - لرفع أسهم الرّئيس ترامب في الانتخابات الرّئاسيّة  بعد فشله في  إدارة أزمة جائحة كورونا وتضييق الخناق على  الصّين دولياً ، وإنّما فضّل صناع القرار في البيت الأبيض الاكتفاء  بتصعيد العداء  ضد إيران والدّخول بعدها في حربٍ باردةٍ مع الصّين وروسيا. ومن يتابع التّصريحات الأمريكيّة والتّهديدات المتكرّرة لطهران بعدم الانتقام لمقتل قاسم سليمانيّ يدرك تماماً أن الحملة العدائيّة ضد إيران يشتدّ سعيرها قبل خوض الانتخابات الأمريكيّة.

لعلّ هذه التّحضيرات الأمريكيّة العدائيّة  لعلَمٍ زائفٍ (False Flag) من جديدٍ، ضدّ إيران هذه المرّة، تفسّر العجالة الأمريكيّة لسحب قوّاتها من ألمانيا والعراق وأفغانستان، والإبقاء على قواعد عسكريّةٍ لاستهداف إيران، ولا تدلّ على رغبة الإدارة الأمريكيّة في تحقيق السّلام المنشود في أفغانستان، كما يروّج له الإعلام الأمريكيّ. وافغانستان هي الأقرب إلى التّقسيم والحرب الأهليّة منها إلى الاستقرار والازدهار، خاصّةً وأنّ الجميع يعلم مَن وراء نقل الإرهابيّين والمرتزقة من تنظيم داعش الإرهابيّ إلى أفغانستان. ومن المعروف انّ المذهب العسكريّ الجديد للولايات المتّحدة  المستند على الصّدمة والرعب  قد بدأ في أفغانستان والعراق، ومن ثمّ سورية و ليبيا واليمن.

ومن المعروف أنّ الغزو الأمريكيّ لأفغانستان هو جزءٌ من الصّراع بين القوى العظمى على المصالح الاقتصاديّة في المنطقة، والهدف من إسقاط نظام حركة طالبان كان جزءاً من الانتقام من الحركة لعدم منحها خطوط مدّ انابيب الغاز والنّفط من دول آسيا الوسطى  للشّركات الأمريكيّة، وجاءت ذريعة اعتداءات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر  للانتقام من حكومة طالبان بحجّة عدم تسليمها لزعيم تنظيم القاعدة الإرهابيّة - أسامة بن لادن - المتّهم الرّئيسيّ بالهجمات ضدّ الولايات المتّحدة. ومع اكتشاف الغاز والنّفط في الولايات المتّحدة، فإنّ من مصلحتها ابقاء حالة التّوتّر قائمةً في هذه المنطقة من العالم وغرب آسيا والمتوسّط لبيع منتجاتها لأوربا من جهةٍ وللهند والصّين من جهةٍ ثانيةٍ، وإلّا لا يمكننا تفسير إبقاء قواعد أمريكيّةٍ وقوّات المارينز في قطر والبحرين والكويت وجيبوتي والسّعوديّة وسلطنة عُمان!

وممّا لا شكّ فيه أنّ الشّعب الأفغانيّ دفع ثمناً باهظاً في الصّراع العالميّ من  دماء الأبرياء من أبناء شعبه المُسلم المُسالم، وسوف يبقى يُستغَلُّ من قبل الدّول العظمى لشنّ حروبٍ بالوكالة ضدّ جيرانه بعد زرع الإرهاب والتّشدّد والتّطرّف والتّنظيمات المسلّحة بداخله بحجّة حماية الإسلام. ولا يسعنا سوى أن نتفاءل حسب المعطيات الدّوليّة الجديدة، ونتمنّى للشّعب الأفغانيّ الأمن والأمان والاستقرار والازدهار والتّوصّل لحلٍّ سلميٍّ بين الفرقاء على الرّغم من التّباعد والتّضارب في المواقف بدعمٍ دوليٍّ بعد 19 عاماً على الاحتلال الأمريكيّ لأراضيه  ومقتل المئات من المدنيّين وتشريد الملايين من الشّعب الأفغانيّ.

وعلينا أن نتذكّر أوّلاً أنّ مجرّد التوصّل لاتّفاقيّة سلامٍ مع الولايات المتّحدة حسب شروط حركة طالبان دون وقف الحرب على الولايات المتّحدة والحكومة الأفغانيّة، هو انتصارٌ لها على الولايات المتّحدة وتصل بموجبه إلى هدفها الأساسيّ بطرد القوّات الأجنبيّة كافّةً من أفغانستان. وقد تكون مجرّد تكتيكٍ أمريكيٍّ  لمحاربة الإسلام  والدّول الإسلاميّة والفوز لحروبٍ مستقبليّةٍ عن طريق الحلفاء الإقليميّين على سبيل المثال تركيا في البحر المتوسط وإسرائيل في منطقة الشرق الاوسط والهند في غرب وجنوب آسيا ، دون  الحاجة لخسارة جنديٍّ أمريكيٍّ واحدٍ أو وضع قدم مارينز في مناطق النّزاع الجديدة، وبالتّالي التفرّغ للصّين وروسيا لحروبٍ مستقبليّةٍ  في الصّراع على قيادة العالم ضمن نظامٍ عالميٍّ جديدٍ.

خلاصة القول، إنّ مستقبل السّلام في أفغانستان دخل مرحلة الاعتماد على دول الجوار والتّنافس فيما بينها على الرّغم من الإجماع على ضرورة تحقيق الأمن والاستقرار في أفغانستان بعد الفوضى الخلّاقة للغزو الأمريكيّ والفراغ الذي سوف يخلّفه وراءه إثر سحب قوّاته من هناك  كما هو الحال لأكثر من 2500 عاماً منذ عهد ألكسندر الكبير ،حيث بقي الصّراع على  أهميّة أفغانستان الجيوسياسيّة،  بينما يدفع الشّعب الأفغانيّ الثّمن في حالات السّلم والحرب وعلى حساب أمن  شعبه وسيادته على أرضه.

وهل ستنجح الصّين في مدّ الخطّ الاقتصاديّ إلى أفغانستان عبر باكستان وكسب رضى الأطراف الأفغانيّة المتنازعة، أم أنّ الولايات المتّحدة ستواصل وضع العوائق في وجه المخطّط الصّينيّ لإفشال المبادرة بمدّ خطّ الحرير من جديدٍ؟

لا بدّ لنا من الانتظار والمراقبة...

 

                           الكاتب الصّحفيّ الدّكتور وائل عوّاد

                            المتخصّص بالشّؤون الآسيويّة

 

 

 

 

 

 

 

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.