تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

د. وائل عواد يكتب ...الهند والولايات المتّحدة لتحجيم الصّين

مصدر الصورة
خاص

تتوجّه أنظار العالم إلى العاصمة الهنديّة التي يزورها وزيرا الخارجيّة والدّفاع  الأمريكيّان، مايك بومبيو ومارك اسبر، للمشاركة  مع نظيريهما الهنديّين، جايشانكر وراجنات سينغ، بالخوض في مباحثاتٍ استراتيجيّةٍ وأمنيّةٍ هامّةٍ، على الرّغم من "هوائها القذر" للعاصمة الهنديّة بحسب تصريحات الرّئيس دونالد ترامب خلال المناظرة الرّئاسيّة ؛ إلّا أنّ الولايات المتّحدة حريصةٌ على بناء حلفٍ قويٍّ مع الهند في ظلّ حكومة حزب بهارتيا جاناتا القوميّ الهندوسيّ والذي أصبح أكثر ميولاً تجاه المعسكر الأمريكيّ  خلال حكمه إذ زاد من التّعاون العسكريّ بين البلدين، ووصل حجم الصّفقات العسكريّة إلى 15 مليار دولارٍ امريكيٍّ  بعد إبرام صفقاتٍ في شهر فبراير/ شباط من العام الجاري بقيمة 3 مليارات دولارٍ أمريكيٍّ أثناء زيارة الرّئيس الأمريكيّ دونالد ترامب للهند.

 تستضيف نيودلهي  الجولة الثّالثة للاجتماعاتِ الأمريكيّة الهنديّة التي تُعرف ب 2+2، والتي تضمُّ وزيري الخارجيّة والدّفاع لكلا البلدين وذلك ليومين متتالين 26-27/10/2020؛ كلّ ذلك قبل أسبوعٍ من موعد الانتخابات الأمريكيّة، وهي إشارةٌ لهذه العلاقات المتنامية بين البلدين، فقد قطعت الدّولتان أشواطاً عديدةً في طريق تعزيز وتوثيق التّعاون بينهما في الوقت الذي تبحث فيه الولايات المتّحدة عن حلفاء وقوىً صاعدةٍ في المنطقة لمواجهة التّنين الصّينيّ لضمّهم إلى الرّباعيّة التي تضمّ الهند واليابان وأستراليا بالإضافة إلى الولايات المتّحدة  بهدف إعادة التّوازن الإقليميّ للمنطقة والحدّ من نفوذ الصّين، ومن المتوقّع أن يستمرّ وزير الخارجيّة الأمريكيّ، مايك بومبيو في جولته لدولٍ آسيويّةٍ أخرى لتشمل سريلانكا وجزر المالديف وأندونيسيا، حيث تحاول واشنطن الضّغط على هذه الدّول للابتعاد عن الصّين من خلال ابتزازها  والتّهديد بفتح ملفّات حقوق الإنسان.

ممّا لا شكّ فيه أنّ توقيت هذه الجولة من المباحثات هامٌّ جدّاً، ولعلّ الأهمّ هو التّوقيع على اتّفاقية التّعاون الأساسيّ  المشترك للتبادل (BICA)  ضمن عدّة  اتّفاقيّاتٍ سترسم معالم المرحلة الجديدة في العلاقات العسكريّة والأمنيّة بين البلدين بعد أكثر من عقدٍ من الزّمن للمباحثات المضنية، ومحاولة تضييق نقاط الخلاف كي تتبلور بما فيه مصلحة البلدين بعد أن أصبحت الصّين الخصم  المشترك ومصدر قلقٍ استراتيجيٍّ متزايدٍ ومعقّدٍ  لكليهما، وسوف تحصل الهند من خلال هذه الاتّفاقيّة على البيانات الجغرافيّة  لجميع دول الجوار بما فيها الصّين .

وتعتبر الهند هذه الاتّفاقية هامّةً للغاية بعد زيادة حدّة التّوتّر مع جارتها الصّين عقب المناوشات الحدوديّة والتّوتّر القائم على طول الخطّ الفعليّ الفاصل بينهما في جبال الهيمالايا؛ بالإضافة إلى التّوتّر مع جارتها باكستان والمناوشات الحدوديّة بين الحين والآخر على طول خط التّماس الفاصل بينهما في إقليم جامو وكشمير المتنازع عليه بينهما من وجهة نظر باكستان، بينما تعتبره الهند شأناً داخليّاً بعد إلغاء المادّة 370 من الدّستور الهنديّ العام الفائت، والذي كان يمنح الإقليم وضعيّةً خاصّةً. وترفض حكومة ناريندرا مودي التّراجع عن قرارها بإلغاء المادّة، وعمدت إلى فصل إقليم لاداخ الحدوديّ، الأمر الذي زاد من حدّة التّوتّر مع الجارتين.

وبدورها، لم تُخفِ الولايات المتّحدة عداءها للصّين والذي جاءعلى لسان كبار مسؤوليها، وضدّ الحزب الشّيوعيّ الحاكم بالذّات، والعمل على تحجيم دورها، وإرغامها على دفع التّعويضات بسبب جائحة فيروس كورونا التي حمّلها الرئيس الأمريكيّ مسؤولية تفشّيه في العالم .

إذاً، سيكون الملف الصّينيُّ الحاضرَ الأكبرَ في هذه الجولة  الثّالثة بين الولايات المتّحدة والهند مع ارتفاع حدّة التّوتّر وقيام الرّئيس الأمريكيّ برسم خطّ اللّاعودة لمن سيتسلّم السّلطة في الولايات المتّحدة لمواجهة الصّين على جميع الجبهات السّياسيّة والاقتصاديّة والتّجاريّة والأمنيّة والعسكريّةِ، بغضّ النّظر عمّن سيتسلم رئاسة البيت الأبيض، وإن كانت درجات العداء للصّين تتفاوت بين الحزبين المتنافسين والمرشّحين، لكنّ الرّئيس ترامب يبدو أكثر حدّةً ضدّ الصّين من منافسه، مرشّح الحزب الدّيمقراطيّ جو بايدن. وقد لاقى ذلك استحساناً لدى صنّاع القرار في العاصمة الهنديّةِ، خاصّةً بعد تصريحات القادة الأمريكيّين بدعم الموقف الهنديّ خلال الأحداث الأخيرة بين الجارتين، وبالتّالي فإنّ إعادة انتخاب الرّئيس ترامب للبيت الأبيض سوف يساهم في رسم معالم المرحلة القادمة من المواجهة مع الصّين وطبيعة العلاقة الاستراتيجيّة بين الهند والولايات المتّحدة الأمريكيّة، في حين قد تتريّث نيودلهي بعض الشّيء في حال فوز بايدن الذي يبدو أكثر ميولاً إلى استعادة المكانة العالميّة للولايات المتّحدة، والعودة إلى المنظّمات الدّوليّة والاتّفاقيّات المبرمة التي انسحب منها الرّئيس ترامب، وهذا سوف يحدّ من النّفوذ الصّينيّ العالميّ، ويدفع واشنطن نحو الحوار والمنافسة مع الصّين، وتخفيف حدّة التّصريحات العدائيّة والنقد العلنيّ للحزب الشّيوعيّ الصّينيّ، والتّركيز على سياسة الحزب الدّيمقراطيّ تجاه الصّين بتعزيز قوة الرّدع والمنافسة والتّركيز على المبادئ الدّيمقراطيّة. وبالتّالي فإنّ نيودلهي تتريّث لما بعد الانتخابات الرّئاسيّة وماهية ردود فعل الصّين العالميّة والإقليميّة للسّياسة الأمريكيّة تجاهها، وهذا بحدّ ذاته سوف يرسم معالم المرحلة المقبلة في التّعامل بين عملاقي آسيا.

 وسوف يتمّ خلال هذه الجولة الحاسمة من المباحثات الأمريكيّة الهنديّة مناقشة ملفّاتٍ إقليميّةٍ ذات اهتمامٍ مشتركٍ، مثل أفغانستان وإيران وباكستان، بالإضافة إلى قضايا تتعلّق بمجال الطّاقة، والعلاقات بين الشّعوب، والتّعاون الإقليميّ والأمنيّ بين الطّرفين في منطقة آسيا باسيفيك والتّحديات هناك.

ويرى العديد من صنّاع القرار في العاصمة الهنديّة أنّ نيودلهي بحاجةٍ للدّعم الأمريكيّ لمواجهة المخاطر المحدقة من الصّين و الممرّ الاقتصاديّ الصّينيّ الباكستانيّ الذي تعارضه الهند. وحَمّلت نيودلهي بكّين مسؤوليّة تدهور العلاقات بين الطّرفين وانعدام الثّقة بينهما بسبب سياسة الرّئيس الصّينيّ، شين جي بينغ، بمنع الهند من تحسين البنية التّحتيّة وإقامة القواعد العسكريّة على طول الخطّ الفعليّ الفاصل بينهما  في  المناطق المتنازع عليها بجبال الهيمالايا. وسارعت واشنطن، بحزبيها الجمهوريّ والديمقراطيّ، إلى تقديم الدّعم اللّامحدود للموقف الهنديّ من النّزاع و اللّوجستي لها، واستعدادها لمدّها بالأسلحة المتطوّرة وأجهزة المراقبة والطّائرات بدون طيّارٍ لنصبها على طول المناطق المتوتّرة بين الجارتين. وهنا تكمن أهميّة الاجتماع الثّالث هذا للكشف عن الثّغرات ونقاط الضّعف والنّقص في الجيش الهنديّ لتوفير مايحتاجه سلاحا البحريّة والجويّة الهنديّان  لمضاهاة الصّين .

تأتي هذه التطوّرات في الوقت الذي تعيد الهند مذهبها النّوويّ من مبدأ "عدم الاستخدام أوّلاً" الذي انتهجته كدولةٍ مسؤولةٍ دوليّاً منذ أن تحوّلت نوويّاً عام 1998 رافضةً استخدام السّلاح النّوويّ في الحروب، وإنّما إبقاؤه كقوّة ردعٍ فعّالةٍ و ضربةٍ انتقاميّةٍ ضدّ أيّ اعتداءٍ على كيانها.

ولكن مع زيادة حدّة التّوتّر مع الجارتين النّوويّتين،  وشبه حالة الحرب بينهما، يبدو أنّ نيودلهي تعيد النّظر في مذهبها النوويّ بالنّسبة لإسلام آباد التي قالت إنّ سلاحَها النوويّ هو لمضاهاة القوّة العسكريّة التّقليديّة الهنديّة في حال نشبت حربٌ بينهما، وبالنّسبة لنيودلهي فإنّها مازالت بعيدةً عن مضاهاة جارتها بكّين المتفوّقة عسكريّاً، ممّا قد يدفعها لإعادة النّظر بـ"عدم الاستخدام أوّلاً" للسّلاح النوويّ رغم التزامها العلنيّ بالموقف القديم، إذا لم يتمّ نزع فتيل الأزمة الحدوديّة بينهما بالطّرق السّلميّة  وبما يُرضي الطّرفين قبل تفاقم الأزمةِ، خاصّةً وأنّ الدّولتين قد أرسلتا تعزيزاتٍ عسكريّةً ضخمةً إلى المنطقة مع بدء فصل الشّتاء القارس في المناطق الثّلجية ممّا قد يؤدي إلى نشوب حربٍ عن طريق الخطأ في حال وقعت استفزازاتٌ جديدةٌ. ولذلك، وعلى الرّغم من الحديث عن حلٍّ سلميٍّ، تستعدُّ الهند لحربٍ طويلةِ الأمدِ مع استبعاد حلٍّ سريعٍ مرتقبٍ، وتُعزّز الإمدادات العسكريّة للقمم التي تسيطر عليها في جبال الهيمالايا.

وبانتظار شتاءٍ قارسٍ في جبال الهيمالايا الثّلجيّة، وماهيّة الصّيد الأمريكيّ الثّمين هناك، وماذا ستكسب الولايات المتّحدة استراتيجيّاً من التّدريبات العسكريّة الرّباعية المقبلة في المحيط الهنديّ  للولايات المتّحدة والهند واليابان وأستراليا. ولعقدين من الزّمن، لم تعد الهند لتؤمن بالحياديّة في القرارات الاستراتيجيّة، وابتعدت عن سياسة عدم الانحياز التّقليديّة لتحقيق توازنٍ استراتيجيٍّ ودرءِ التّحدّي الاستراتيجيّ الصّينيّ المتنامي في المنطقة، ورمت بنفسها في الحضن الأمريكيّ.

ويبقى السّؤال هل دخَلنا مرحلة حربٍ باردةٍ جديدةٍ بين القوى العظمى ؟

وإلى حينه ،علينا أن ننتظر ونراقب ...

                                               د. وائل عوّاد

                             الكاتب والصّحفي السوري المتخصّص بالشّؤون الآسيويّة

 

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.