تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الولايات المتحدة ذئب يعوي في الظلام..؟!

مصدر الصورة
وكالات - أرشيف

لعقود مديدة والولايات المتحدة تفكر وتخطط وتقرر وتنفّذ نيابة عن العالم وبالعالم وضد العالم؛ ولعقود أيضاً صبَر العالم على التجبر والغطرسة الأمريكية، وبدا في أغلب الأحيان لا حول له ولا قوة؛ فقد انهار الاتحاد السوفيتي وبدت "أوروبا" ذات الماضي الاستعماري غير معنية بأي دور مستقل، بل تركت نفسها منقادة بالرغبة الأمريكية والقيادة الأمريكية والمصالح الأمريكية.

وللمرة الأولى منذ عقود، ولربما منذ قيامها قبل قرابة نصف حول، تدور الكاميرا للخلف، لتنقل المشهد المختلف؛ المشهد الأمريكي الغريب والمفاجئ؛ القوة العظمى مثلها مثل غيرها من دول العالم؛ تواجه مشاكل وتحديات تبدأ ولا تنتهي؛ وأنّ القوة العظمى بقيت قوة عظمى وحيدة لأنه لم يكن هناك منافس على زعامة العالم: لتكشف أنّ الذئب الذي يعوي في الظلام ليس كله قوة وتوثب، بل هو يعوي من شدة الخوف والفزع.

تنتقل الكاميرا من زاوية إلى أخرى لتكشف أنّ الواقع الأمريكي ليس زاهياً وأرجوانياً كما كان يُظن، أو كما كانت تظهره وسائل الإعلام الأمريكية؛ والأهم أنّه رغم كل مراكز الدراسات والأبحاث المنتشرة، فقد فشلت الإدارات الأمريكية في قراءة الواقع والمخاطر القائمة والمحدقة، وبالتالي التنبؤ بالمستقبل والتحضير لما هو آت من مشاكل وتحديات.

الإعلام الأمريكي بحدّ ذاته يشكل نموذجاً آخر للفشل؛ لقد نجح هذا الإعلام عندما تسلّط على دول فقيرة بدعم المخابرات الأمريكية والغربية الأخرى، وألّب خلفه وسائل الإعلام الأخرى الحليفة والتابعة؛ ولكن عندما انتقلت الكاميرا إلى الداخل الأمريكي وتوسعت عدستها، كان المشهد مربكاً ومرعباً. وبالأمس أكد الرئيس ترامب في شهادته على هذه الحقيقة، وأن بلاده لا تتمتع بحرية الصحافة وفيها قمع للحقيقة، وكتب في تويتر، قائلاً: "الولايات المتحدة ليس لديها حرية صحافة، لدينا فقط قمع للحقيقة، أو مجرد أخبار مزيفة". وأضاف: "لقد تعلمت الكثير خلال الأسبوعين الماضيين حول مدى فساد وسائل الإعلام لدينا، والآن ربما تكون شركات التكنولوجيا الكبرى أسوأ" في إشارة إلى الشركات المالكة لوسائل التواصل الاجتماعي.

وعندما تنتقل الكاميرا إلى زاوية أخرى، تعرض القصور الأمريكي الذي ظهر في إدارات الدولة عامة. وكان عجز المؤسسات الصحية والإدارة الصحية مفاجئاً وخطيراً ومؤشراً دالاً؛ بدت الإمكانات والتحضيرات أقل تطوراً واستجابة للتحديات منها في العديد من دول العالم الثالث التي تكاد الولايات المتحدة لا تراها على الخارطة؛ مئات آلاف المرضى والمصابين والقتلى من جراء وباء "الكورونا" والإدارة الأمريكية تقف شبه عاجزة، وما زالت الأزمة مستمرة.

وفي زاوية أخرى ترصد الكاميرا المظاهرات ومهاجمة المحلات والسرقات والنهب والقتل وأعمال الشرطة القمعية وقيامها بالقتل والتنكيل، مثلها مثل شرطة أي "نظام استبدادي" حسب التعريف الأمريكي نفسه؛ عندما شعر الأمريكيون بالخوف تصرفوا غريزياً وظهرت حقيقة المجتمع الأمريكي المفكك والضعيف؛ أغنياء وفقراء، سود وبيض، متطرفون ومتعصبون، أنانيون ومتسلطون... الخ؛ أجل، عند الخوف من الجوع والمرض تصبح الصورة مختلفة.

تنتقل الكاميرا إلى مشهد آخر؛ ترصد الديمقراطية الأمريكية؛ مشاكل الانتخابات الرئاسية؛ فضائح بالجملة؛ لكن الأهم والأخطر هو القلق الموجود والمتنامي داخل مجتمع الخبراء والمفكرين الأمريكيين أنفسهم على الديمقراطية الأمريكية نفسها؛ الولايات المتحدة التي ثابرت لعقود على إعطاء العالم الدروس بالديمقراطية، تجاهد نفسها لتتمكن من ممارسة أهم وأبسط وأول هذه الدروس: إجراء الانتخابات بشكل نزيه دون تزوير، ودون اضرابات وأعمال ترهيب وقتل، ومن ثم القبول بنتائجها دون تأخير ودون محاكم واهتزاز الاستقرار.

لقد كتبت لورا روزنبيرجر (مديرة التحالف من أجل ضمان الديمقراطية، وموظفة سابقة في مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية الأمريكيةــ مجلة فورين أفيرز)، قائلة إنه و"بينما تقترب الولايات المتحدة من فترة ربما تكون فوضوية في تاريخ ديمقراطيتها، يجب على الأمريكيين أن يتذكروا قبل كل شيء أن الهدف من التدخل الأجنبي هو جعلهم يفقدون الثقة بالديمقراطية نفسها، ويجب أن يرفضوا السماح بحدوث ذلك".

أما الادعاء بالتدخل الخارجي في هذه الانتخابات فهو إقرار أمريكي ذاتي بالضعف والعجز، وإقرار بقوة الأطراف الدولية المنافسة المتدخلة أو المتهمة بالتدخل أياً تكون؛ هو اعتراف ذاتي بسقوط مريع للأحادية القطيبة التي سادت وهيمنت في العقود الأخيرة، وبأن حلبة العلاقات الدولية تحمل لاعبين جدد طموحاتهم لا تهاب الغطرسة الأمريكية.

وهذا يقودنا إلى زاوية أخرى تسلّط الكاميرا الضوء عليها؛ الفشل الأمريكي في وقف القوى الصاعدة، وبالتالي حتمية مواجهة المنافسين الدوليين القادمين بكل تصميم؛ روسيا تكاد تتخطى الولايات المتحدة عسكرياً، إن لم تكن قد تخطتها فعلاً لاسيما في مجال الأسلحة الفرط صوتية؛ الصين تكاد تسبقها اقتصادياً وتكنولوجياً وعلمياً والاقتصاد الرقمي الصيني يغزو العالم؛ أوروبا تتنمر وترفض الاستمرار بقبول القيادة الأمريكية والتبعية العمياء لواشنطن، بل وتعلن صراحة أن مصالحها أولاً، وأنّ حلف "الناتو" أصبح بالياً، وأن المحيط الأطلسي أصبح أكثر اتساعاً وخطورة بين القارتين الحليفتين.

بالمحصلة، يبدو أن الولايات المتحدة بدأت تدفع ثمن سياساتها العدوانية الماضية؛ الحروب الخارجية وإهمال الداخل. لقد أظهرت الأحداث الأخيرة أنّ النموذج الأمريكي الذي اعتادت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على تقديمه وتصديره للعالم، لم يعد مرغوباً؛ الثقافة الأمريكية لم تعد مرغوبة في العالم؛ الولايات المتحدة لم تعد قبلة العالم ولا الخيار الأول له، وقد حدث هذا بفعل التدمير الذاتي في معظمه. خوفُ الأمريكيين من المستقبل لا يقل عن خوف أي شعوب أخرى تتعرض للتحديات والحروب؛ هل بدأت الولايات المتحدة تشعر بالخوف والرعب الذي اعتادت أن تزرعه في نفوس الآخرين.. ربما، ولكن الخطورة أنّ ذلك مصحوب بسقوط النموذج والثقافة الأمريكيين..؟!!

                                                                بديع عفيف

 

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.