تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

فشة خلق   المواطن عصام داري -ليمتد...وصية أبي!

مصدر الصورة
وكالات - أرشيف

في موروثنا الشعبي نقول " كانت النصيحة بجمل " ، الآن النصيحة صارت " ببيضة" ! حتى هذه البيضة صارت اليوم تعادل الجمل حسب أسعار السوق والبورصة ودخل المواطن بعد أن حلق سعر البيض في السماء وابتعد عن متناول فقراء البلد!

النصيحة التي أندم اليوم على تجاهلها ورفضها هي نصيحة أبي.

والحكاية أن أبي كان يعمل في إصلاح السيارات، أي ميكانيكي، ولم يكن راغباً في أن أكمل دراستي بعد الشهادة الابتدائية، أي السرتفيكا، وكان ينصحني بأن أترك الدراسة وأنزل إلى سوق العمل، وأن مهنة (الطورنجي) تدر ذهباً!.

ومهنة الطورنجي تقوم على خراطة الحديد وتشكيله حسب طلب الميكانيكي أو أي شخص يقوم بصنع شيء ما، أو يستبدل قطعة تالفة في محرك السيارة بقطعة جديدة لها مواصفات القطعة التالفة نفسها.

وبلا طول سيرة، كان أبي صديقاً لكل من يعمل بهذه المهنة التي(تدر ذهباً) لذا فإن العمل عند هذا أو ذاك مضمون، وكانت في متناول اليد، لكنني أصريت إصراراً على مواصلة الدراسة إلى ما شاء الله، وأبي ألح إلحاحاً على ترك الدراسة والانخراط في سوق العمل.

كانت حجته أنني  حتى لو وصلت إلى مرتبة دكتور أكون خاسراً، فعندما أتخرج وأريد ان أبدأ العمل أكون صفراً في المفهوم الرياضي والاقتصادي، أي أكون في نقطة الصفر، أما في حال عملي في الخراطة (أي الطورنة) فسوف أكون مالك عمارة من أربع طوابق كل طابق بشقتين وسيارتين ومزرعة وشاليه على شط بحر الهوى حتى قبل تخرجي من الجامعة.

طبعاً حساب الوالد كان دقيقاً بدليل أن زميلي  الذي ترك مقاعد الدراسة وعمل معقب معاملات في نقطة حدود الجديدة بين سورية ولبنان امتلك سيارتين وأنا ما زلت في السنة أولى بجامعة دمشق،     وتزوج وأنجب الصبيان والبنات قبل أن أتخرج وأبدأ مشوار البحث عن العمل!!.

لا حسد ولا ضيقة عين كما يقولون، زميلي هذا يملك اليوم عدداً من البيوت التي يعادل قرية صغيرة من قرانا، وأسطول من السيارات، وجيش من الأبناء والأحفاد، الله يبارك في كل ذلك بينما محسوبكم، أي أنا، لا أملك بيتاً وأقف تماماً على خط الفقر، أنزل درجة واحدة، ثم أصعد درجة، وأنا حائر، هل أبقى في خط الفقر أم أتراجع عدة درجات كي أصبح من الناس الذين يستحقون الصدقة والإعانات؟ لكنني أخشى إذا هبطت تلك الدرجات وصرت تحت خط الفقر ألا أحصل لا على الصدقة ولا على إعانات في وضع صار الفقراء في البلد يعادلون أكثر من تسعين في المئة من مجموع عدد السكان!.

اليوم أتمنى أن أركب آلة الزمن التي اخترعها كاتب الخيال العلمي هربرت جورج ويلز في عام 1895 كي أعود بالزمن إلى طفولتي وأعد والدي أنني سأسمع نصيحته ، ومن ثم أرجع إلى الوقت الحاضر وأنا في وضع مادي واقتصادي ممتاز أستطيع من خلاله مساعدة الفقراء والمحتاجين، والله ولي التوفيق!.

المواطن عصام داري – ليمتد          

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية - خاص

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.