تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

أمريكا وهاجس الصين الواحدة؟

مصدر الصورة
عن الانترنيت

إدريس لكريني

ظلت الولايات المتحدة على امتداد العقود الأخيرة تنظر بقدر من الواقعية إلى التمدد الصيني، وعلى الرغم من التعاون الحاصل بينهما على عدة مستويات، فإنها تحاول التضييق على هذا القطب الصاعد بسبل مختلفة، مع الحرص على تلافي حدوث صدام مباشر معه، وفي مقابل ذلك، تسعى الصين إلى الاستفادة من التقدم التقني الغربي والأمريكي لصالحها، كما تستفيد من أسواقها المربحة على المستوى المالي والاقتصادي. ومع ذلك، فهناك الكثير من القضايا الخلافية بين الطرفين، وهي تتنوع بين قضايا اقتصادية وتجارية وسياسية وأمنية واستراتيجية، وكثيراً ما عمدت الولايات المتحدة إلى توظيف الجانب الحقوقي في الضغط على الصين، إلى جانب عدد من الملفات الأخرى؛ كما هو الشأن بالنسبة للقضايا الاقتصادية بين الجانبين.. كما عبّرت عن انزعاجها أيضاً من المساعدات العسكرية والتقنية التي تقدمها الصين لعدد من القوى النووية الصاعدة.

وتبدو قضية استقلال تايوان كإحدى أهم النقاط العالقة بين الطرفين، بالنظر إلى التوجه الأمريكي منذ منتصف القرن الماضي نحو توجيه الدعم الكامل لهذا الانفصال، وتعي الولايات المتحدة حجم القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي ستكتسبها الصين في حال عودة تايوان إلى سيادتها. وجدير بالذكر أن استراتيجية الصين فيما يتعلق بالتعامل مع هذا الملف الحساس تحولت من المقاربة العسكرية إلى التعاطي السلمي الدبلوماسي، وفي ضوء الحرب الجارية في أوكرانيا، تنظر الولايات المتحدة الأمريكية بعين الحذر إلى تطور العلاقات الروسية - الصينية التي شهدت تطوراً كبيراً على مختلف الجوانب، وسبق لروسيا أن بادرت إلى إحداث المثلث الاستراتيجي الروسي – الصيني- الهندي كسبيل لإرساء قدر من التوازن في مواجهة الولايات المتحدة.

ولا تخفي الكثير من الأوساط الأمريكية قلقها من الطموحات الصينية نحو بناء نظام دولي تلعب فيه دوراً طلائعياً، ولذلك حرصت واشنطن على اتخاذ مجموعة من التدابير الاحترازية بصورة هادئة وناعمة، كما هو الأمر بالنسبة لفتح قواعدها العسكرية في عدد من المناطق الآسيوية. إن التطور الذي تشهده الصين على مختلف الواجهات وتأثيراتها الواضحة في تطور النظام الدولي، تواجهه مجموعة من التحديات، سواء تعلق الأمر بكسب رهانات العدالة، إضافة إلى الضغوطات الاقتصادية التي تتعرّض لها المنتجات الصينية المختلفة، فيما لا يزال موضوع استقلال تايوان يمثل مشكلة حقيقية مؤرقة وأحد العوامل التي تربك طموحاتها الاستراتيجية.

من المعلوم أن الولايات المتحدة، أضحت شريكاً اقتصادياً مهماً للصين على الرغم من وجود عدد من المشاكل بينهما، ذلك أنه في الوقت الذي تشير فيه بعض الآراء إلى أن الصين تحاول قدر الإمكان تقزيم الدور الأمريكي في منطقة بحر الصين الجنوبي الاستراتيجية، لا تتوقّف الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي عن دعوة الصين إلى احترام التزاماتها المرتبطة بعضويتها داخل منظمة التجارة العالمية بشكل كامل، وكذا احترام حقوق الإنسان وإجراء إصلاحات اقتصادية تدعم تحرير السوق. عاد موضوع ضم تايوان بقوة ضمن الخطابات الصينية الرسمية خلال السنوات الأخيرة، وقد أثارت الزيارة المفاجئة التي قامت بها رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، وكذا الزيارة التي أجراها وفد من الكونغريس لتايوان، استياء كبيراً لدى بكين، التي اعتبرت أن الولايات المتحدة بهذا الفعل «تلعب بالنار» مبرزة أن الأمر يتعلق بانتهاك لوحدتها وسلامة أراضيها.

وفي الوقت الذي أكدت فيه بكين على مبدأ «الصين الواحدة» وكثّفت من مناوراتها العسكرية «استعداداً للحرب وللدفاع بحزم عن سيادتها الوطنية وسلامة أراضيها»، وحمّلت الولايات المتحدة المسؤولية إزاء أي تدهور محتمل في العلاقات بين الجانبين، حاول الرئيس الأمريكي جو بايدن بعث رسائل مطمئنة، معتبراً أن واشنطن تعارض أي تحركات أحادية لتغيير الوضع في الجزيرة، منبهاً إلى أن السياسة الخارجية تجاه تايوان ثابتة، لكنه لوّح في كثير من المناسبات بإمكانية اللجوء إلى الخيار العسكري، إذا ما بادرت الصين إلى الدخول إلى تايوان بالقوة.

وبموازاة كل ذلك، تبرز التقارير الدولية أن الصين وإلى جانب إنجازاتها الاقتصادية، تمكنت من تطوير قدراتها العسكرية بشكل كبير، وتمركزها في عدد من المناطق الاستراتيجية إقليمياً ودولياً خلال السنوات الأخيرة، ما يجعلها في موقع قوة يتيح لها إمكانية المراهنة على الخيار العسكري، إلى جانب التحرك الدبلوماسي في تحقيق الوحدة، خصوصاً أن روسيا استطاعت أن تنفذ وعودها بالتدخل العسكري في أوكرانيا على الرغم من الكلفة الاقتصادية الكبيرة لهذا الخيار.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.