تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الإحباط يعمق الفجوة بين المصريين وحكومتهم

مصدر الصورة
وكالات

المصريون يعتبرون الجهود الحكومية لمواجهة الأزمة الاقتصادية وسيلة لتهدئة الغضب لا أكثر.

يعكس عدم اهتمام المصريين بالجهود التي تبذلها حكومتهم في مواجهة الأزمة الاقتصادية، التي تعصف بالبلاد والسبل الكفيلة بمعالجتها رغم الزخم الإعلامي الذي يرافقها، الإحباط الذي ينتاب المواطنين الباحثين عن تحسين معيشتهم بدلا من جهود عادة ما تصنف ضمن خانة تخفيف الاحتقان الشعبي.

القاهرة - رغم الزخم الإعلامي في مصر حول المؤتمرات الاقتصادية واللقاءات السياسية وإحاطتها باهتمام رسمي، يبدو المواطن العادي عازفا عن متابعتها، وتمر على كثيرين بلا اكتراث مع تفاعلاتها، حيث يشكو عدد كبير من المصريين من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وأدت إلى ارتفاع أسعار العديد من السلع والخدمات.

وأوحى عزوف شريحة كبيرة من الناس عن متابعة المؤتمر الاقتصادي الذي عقد الأسبوع الماضي بتراجع منسوب ثقة الشارع في الفعاليات التي تنظمها الحكومة ما لم تؤد إلى الخروج من دوامة الأزمة الراهنة، وبدت مؤسسات رسمية في واد وفئة كبيرة من المواطنين تسير في اتجاه معاكس، ما تسبب في فجوة بين الطرفين حول طريقة الخروج من المأزق وتداعياته.

ولا يختلف الحال بالنسبة إلى الحوار الوطني الذي تشارك فيه الحكومة وقوى معارضة، فحتى الآن أخفقت التغطية الإعلامية الواسعة له في إقناع فئة كبيرة من المصريين بأهميته السياسية، وعمقت اجتماعاته النخبوية من رؤية غالبية البسطاء بأن أهدافه لن تهمهم إلا بالقدر الذي يفضي إلى مردودات اقتصادية مباشرة عليهم.

واكتشف من تابعوا المؤتمر الاقتصادي أن الحكومة ومؤسساتها ورجال الأعمال والخبراء الذين شاركوا فيه كأنهم خاطبوا نخبة معينة، وهو ما ظهر من خلال تجاهل منصات التواصل الاجتماعي لما تمخّض عنه بعد ثلاثة أيام من المناقشات، فقد باتت المنصات مقياسا لنبض الناس تجاه الحديث عن سياسات الحكومة الاقتصادية وما تخطط له والجدوى منها، رغم الإجراءات الهامة التي تم الإعلان عنها.

ووجه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الحكومة في كلمته بختام المؤتمر الاقتصادي، قائلا “أوجه الحكومة بالعمل على عدم تحميل المواطن أعباء إضافية خلال الفترة المقبلة نظرا إلى الظروف الاقتصادية العالمية”، وهي إشارة تعني أن المؤتمر لم يعقد للنخبة فقط، لكن من أجل تخفيف المعاناة عن المواطنين.

وأشار مصطفى مدبولي رئيس الحكومة خلال جلسات المؤتمر الاقتصادي إلى إحصائية خطيرة بتأكيده أنه تم إجراء استطلاع رأي بين المستثمرين والمواطنين في الشارع حول القرارات والمحفزات التي أصدرتها الدولة لتحسين مناخ الاستثمار والمستوى المعيشي ومعدلات التنمية، وتبين أن الغالبية لا تعرف شيئا عنها.

وترتب على هذا الواقع أن نسبة كبيرة من الجمهور الذي يشكو من الظروف الاقتصادية لا تهتم بما تتبناه الحكومة من خطط تصب في صالحها ما يزيد عليها عبء ترضية الناس، فمهما اتخذت من قرارات فهي لا تحظى بتأييد واسع، طالما أنها في نظر هؤلاء تسببت في وصول الأوضاع إلى ما آلت إليه من تخبط في تحديد الأولويات.

ويفضي تجاهل الشارع لطبيعة الأزمة الاقتصادية وغض الطرف عن الاهتمام بأي تحرك لتخفيف تداعياتها إلى مضاعفة الضغوط الواقعة على الحكومة، ويسهم أيضا في زيادة الشكوك حيال السياسات المرتبطة بالأوضاع العامة في ظل تصاعد حدة الغضب في الشارع، والجهل بتفاصيل ما يخص النواحي الاقتصادية.

وقال عبدالحميد زيد أستاذ علم الاجتماع السياسي إن الحكومة بحاجة إلى التواصل مع الناس في الملف الاقتصادي بخطاب شعبي، فالمجتمع يضم 40 في المئة ممن ينقصهم الحد الأدنى من الوعي، ولا علاقة لهم بكل ما يدور حولهم من قرارات وتصورات اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، وهؤلاء يفترض أنهم القاعدة الأهم.

وأضاف لـ”العرب” أن الزخم الإعلامي الذي حظي به المؤتمر الاقتصادي لم يحقق الغرض من المتابعة الشعبوية، لأن الحدث يناقش قضايا متخصصة ومهنية لا يدرك معناها كثيرون، رغم نتائجها المؤثرة، فالأغلبية تحتاج أولا إلى الإحساس بنتائج العائد الاقتصادي على حياتهم مباشرة ومدى ما يحدث من تحسن في ظروفهم المعيشية.

ويشير الوضع الراهن في مصر إلى أن شريحة من الناس تتعامل مع الفعاليات التي تنظمها الحكومة، الاقتصادية والسياسية والمجتمعية، كوسيلة لتهدئة غضب الشارع ليس أكثر، على غرار اللقاءات الشبابية السابقة التي لم ينبثق عنها تحسن ملموس في أوضاع الشباب بشكل يرضي طموحات من اهتموا بها.

ويعكس عدم مبالاة الشارع كثيرا بما يجري من مؤتمرات حالة إحباط يعيشها الناس بسبب إصرار الحكومة على إقناعهم بواقع خيالي، فهي لا تتوقف عن الحديث حول ارتفاع معدلات التنمية وانخفاض البطالة وتحسن المستوى المعيشي وزيادة أعداد المستفيدين من مظلات الحماية الاجتماعية المتعددة، بينما منسوب الفقر يتصاعد والظروف المعيشية أكثر قسوة، والانسداد السياسي لم يشهد انفراجة حقيقية حتى الآن.

ولدى شريحة من المواطنين شعور بأن المؤتمر الاقتصادي مثلا كان أشبه بفعالية بحثت خلفها الحكومة عن انتصار سياسي يدعم إنجازاتها ويسوق لقراراتها، مستفيدة من الزخم الإعلامي المحلي، على أمل أن تتمكن من تغيير النظرة السلبية لها.

الحكومة تراهن على الصفوة لتحريك الرأي العام لدعم التوجهات الاقتصادية، لكن ما يهم المواطن هو الحصول على سعر أقل للسلع، وراتب معقول

ولا يستهوي البسطاء في مصر أن تخاطبهم الحكومة بطريقة تعتمد على تجميل الصورة ونقل شعور للناس بأنهم يعيشون في واقع جيد، ولا تصل معاناتهم إلى صانع القرار، في حين يبحث هؤلاء عن أنفسهم ضمن قائمة أولويات المؤسسات الرسمية.

كما لا يستهوي هؤلاء الحديث عن معاناة شعوب أخرى وأهمية الصبر وزيادة فائض القدرة على التحمل دون رؤية تؤكد أن المستقبل سوف يشهد تحسنا ملموسا.

ولذلك كانت النتيجة أنهم يديرون ظهورهم لكثير من الفعاليات الرسمية التي تبدو موجهة إلى النخبة المجتمعية والاقتصادية والسياسية أكثر من غيرهم.

وتستهدف الحكومة إعادة صناعة الأمل لدى المواطنين وإقناعهم أن الأوضاع ليست سيئة للغاية، ما يخلق حالة من التفاؤل عند المصريين ويغلق الباب أمام دعوات التحريض ضد النظام الحاكم من خلال التركيز على تردي الأوضاع المعيشية وارتفاع منسوب الفقر بذريعة السياسات الاقتصادية الخاطئة التي تتمسك الحكومة بتطبيقها.

وأوضح زيد أن الحكومة تراهن على الصفوة لتحريك الرأي العام لدعم التوجهات الاقتصادية، لكن ما يهم المواطن هو الحصول على سعر أقل للسلع، وراتب معقول، ولذلك تظهر المتابعة الجماهيرية ضعيفة.

وسواء فهمت الحكومة رسائل الشارع بشأن الفعاليات الرسمية أم لا أصبحت مطالبة بتسريع خطواتها لتقريب المسافات مع الناس، وعدم مخاطبتهم عبر جلسات لا يتابعها الجمهور المستهدف، مع إجراء تعديلات جذرية في خارطة الأولويات، لأن الغالبية لا تعنيها التنمية والاستثمار والمشروعات الكبرى إلا إذا اصطحبت معها مردودات فورية تغير حياتهم للأفضل.

مصدر الخبر
العرب

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.