تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الثروة الحراجية رهن التشريعات الحائرة والاعتداءات الجائرة!

مصدر الصورة
البعث

عبد اللطيف عباس شعبان 

قبل عام، في 16- 12- 2021، أقيمت ورشة حوارية تفاعلية في اللاذقية تحت عنوان “الإدارة المستدامة للثروة الحراجية من منظور بيئي اجتماعي تشاركي”، ضمّت اختصاصيين وعاملين في مجال الحراج، وخبراء وقادة من المجتمع المحلي والجمعيات الأهلية، بهدف إعداد مقترح قانون حراج متطور وعصري جديد (بديل عن قانون الحراج رقم 6 لعام 2018) قابل للتطبيق على أرض الواقع، يحقّق مبادئ الحماية والحفاظ على التنوع الحيوي في الحراج ومنع التعديات.

وخلال الورشة أفاد مدير الحراج في وزارة الزراعة، أن قانون الحراج رقم 6 لعام 2018 يعاني من وجود خلل واضح على أرض الواقع له علاقة بالمجتمع المحلي، ما أسفر عن تعديات أدّت إلى فقدان مساحات كبيرة من الحراج، الأمر الذي انعكس سلباً على الغابة والإنسان وعلى حماية التنوع الحيوي.

كان الهدف من الحوار في الورشة يتمثّل بالوصول إلى قانون حراج جديد، ينمِّي المجتمع من خلال المشاريع الحيوية التنموية، لتحسين المستوى المعيشي لدى الناس، بحيث يقوم عدة أشخاص بزرع الغراس في أماكن الحرائق وبالأجر اليومي المناسب، وهذا سينعكس بشكل إيجابي على الحراج.

لكن وكما أشار رئيس دائرة الحراج في اللاذقية، فإن أهم المشكلات الحالية في حراج اللاذقية تكمن في القطع الجائر، الذي كان سابقاً اسمه احتطاب، وحالياً تحوَّل إلى قطع جائر نتيجة الظروف المعيشية الصعبة، وعدم توفر مصادر الطاقة متمثلة في المحروقات (غاز ومازوت وكهرباء)، وأن أهم الثغرات الموجودة في قانون الحراج الحالي تتركز في المخالفات الموجودة على أرض الواقع ولم يذكرها القانون، وأن حماية الحراج تتطلّب تقسيم الحراج إلى قطاعات ومقاسم، تسهل إدارة وحماية هذه الحراج، وتأمين مقرات العمل اللازمة لعناصر الحراج، وتطوير الكادر العامل لحماية الحراج.

الآن وبعد مضي قرابة عام على انعقاد الورشة المذكورة ماذا تغيّر؟ أفادت أخبار ونشاطات وزارة الزراعة مؤخراً وبتاريخ 20 تشرين الثاني 2022، أن مدير الحراج في وزارة الزراعة، أكد أن مشروع قانون الحراج الجديد في طريقه نحو الصيغة النهائية، ويحمل العديد من النقاط الجديدة من ناحية تعديل العقوبات وطريقة التعامل مع المواقع المحروقة، وإشراك المجتمع المحلي في عمليات إدارة وتنظيم الغابات، بما فيها عمليات التحريج والتقليم، وأية عمليات أخرى مرتبطة بتطوير المواقع الحراجية، بما فيها الحماية والمكافحة وبشكل مأجور، وبالتالي تحقيق فائدة مادية للمجتمعات المجاورة للغابات الحراجية، من خلال اعتماد مبدأ النهج التشاركي لإشراك المجتمع المحلي الموجود بجوار الغابات. وبيَّن أن القانون المقترح يحمل الكثير من التغيير، وأن مسوَّدة مقترح مشروعه شبه جاهزة، ويتمّ العمل حالياً على التعليمات التنفيذية التي وصلت إلى مراحلها الأخيرة، حيث يشدّد القانون الجديد في مسألة العقوبات التي تتضمّن السجن والغرامات المالية، ولكلّ جرم عقوبة خاصة، بينما الوضع القانوني السابق كان يشمل سلسلة مخالفات لها العقوبة نفسها.

كذلك يتضمن مقترح القانون الجديد، طريقة وآلية التعامل مع المناطق المحروقة والآليات الواجب اتباعها حتى تتمّ استعادة النظام البيئي وتجنُّب التعديات. واستبعد مدير الحراج بشكل كامل إمكانية توزيع مساحات محدّدة من الغابات المحروقة للأهالي المجاورين لها، أو لعائلات الشهداء أو حتى لمهندسين زراعيين، بغية زراعتها وتحويلها إلى أراضٍ منتجة، وأن المساعي تنصبّ نحو التوسع في مساحة الحراج، لا أن يتمّ الاجتزاء منها.

وأكد أن مساحة العقارات الحراجية حالياً لا تزيد على 3% من مساحة سورية، وأن الحراج في سورية تسير نحو التحسُّن، بعد الانتكاسة التي تعرّضت لها بفعل سنوات الحرب الإرهابية، وما نجم عنها من تعديات وحرائق طالت مساحات كبيرة منها خلال العام 2020، إضافة إلى التعديات التي نتجت عن اعتماد الناس على الأحطاب بدل المحروقات، كما أكد وجود خطة سنوية للتحريج الاصطناعي وخطة لإنتاج الغراس الحراجية في المناطق المحروقة، باستخدام الغراس الحراجية بعد تحديد نوعها ومساحة الموقع، أو من خلال الترقيع أو رفع كثافة بعض المواقع تبعاً للحاجة المقررة، مبيِّناً أن فِرَقْ التحريج التابعة لوزارة الزراعة في المحافظات تنفذ عمليات التحريج خلال الفترة الممتدة من 1-11 وحتى 31-3 من العام، وأن المشاتل الحراجية (30 مشتلاً حراجياً) في العديد من المواقع والمناطق السورية، تؤمِّن جميع الأنواع الحراجية الموجودة محلياً والمنتشرة طبيعياً، إلى جانب بعض الأنواع الجديدة التي يتمّ العمل على إنتاجها، بما يتفق وطبيعة كل منطقة.

هنا من حقّ المراقب أن يسأل: لماذا ظهرت سلبيات القانون رقم 6 لعام 2018 والحاجة الماسة لتعديله، ولم يمضِ على صدوره ثلاث سنوات؟!، أليس من المفترض أن يكون من أعدّوا القانون المذكور وناقشوه واعتمدوه متمتعين بالأهلية المعرفية الكافية، التي تجعل وجوب ضمان صلاحية القانون لعشرات السنين القادمة؟!، والملفت للانتباه أيضاً أن نقاشات الندوة التي مضى على انعقادها عام لغاية تعديله، لم تسفر حتى الآن عن قانون جديد بديل، والمشروع الجديد لا يزال على الطاولة، وما من مدة محدّدة لإصداره، وطالما أن الخلل قائم في القانون السابق فمن المؤكد أن الوضع الحراجي القائم في حالة خلل متتابع خلال السنوات المنصرمة، وهذا ما يؤكده واقع الغاز والمازوت والكهرباء، الذي يفرض المزيد من القطع الجائر المستمر للثروة الحراجية، وهذا ما يبدو من الانتشار الكبير للمتاجرة بالحطب والفحم، الأمر الذي يجعل الثروة الحراجية رهن التشريعات الحائرة والتعديات الجائرة!

واقع يفرضُ الحاجة الماسة لوجوب وجود تشريعات موازية تعالج معاناة المواطن في ميداني الإنفاق والدخل، لتساهم في دور أكثر إيجابية للمجتمع المحلي المنشود دوره، والمؤسف أن واقع الحال يُظهر ضعفاً في التشريع وقصوراً في الرقابة، ومن يقرأ الصفحات بِتمَعُّن، يجد ذلك بين السطور وبالخط العريض، والأدق تمعُّناً يستنتج أن ذلك لا يعود فقط لحالات ضعف البصيرة عند بعض المفاصل وأصحاب القرار، بل لنوايا وأفعال فساد وإفساد شريرة وخطيرة عند بعضهم الآخر، فهل من أخيار حكماء يراقبون ويؤسّسون لمحاسبة الأشرار والأغبياء؟

عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية

مصدر الخبر
البعث

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.