تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

فؤاد المهندس.. مهندس البهجة الذي يحمل قدرا من الجدية

مصدر الصورة
العرب

لقب الفنان المصري الراحل فؤاد المهندس بسفير الكوميديا الراقية لالتزامه بتقديم أعمال سينمائية ومسرحية ذات جودة، لكنه يعرف أيضا بالمهندس، الذي هندس له طريقا في الساحة الفنية والثقافية، وهو وإن كان طريقا طويلا وبطيئا إلا أنه مكنه من جماهيرية واسعة مستمرة إلى الآن يتناولها الكثير من النقاد والباحثين بالدرس والتحليل وحتى التوثيق.

انطلاقا من تجربة فنان (1924 – 2006)، وما حملته من اختلافات وتقاطعات مع مجايليه، جعلته أحد الفنانين الأكثر جماهيرية، ألف الدكتور وليد الخشاب كتاب “مهندس البهجة” والذي يحمل عنوانا جانبيا هو “فؤاد المهندس ولاوعي السينما”. والكتاب من إصدار دار المرايا للناشرين يحيى فكري ودينا قابيل ويأتي في 224 صفحة من القطع المتوسط فيما صمم الغلاف الفنان أحمد اللباد.

والكتاب نتاج ورش ومحاضرات عن الكوميديا بشكل عام وعن فؤاد المهندس بشكل خاص نظمت في دار المرايا.

بداية من عنوان كتاب الدكتور الخشاب عن الفنان الكوميدي المهندس، هناك توفيق في استخدام اسم عائلة المهندس الذي يهندس أي يؤسس ويشيد بناء فن يبعث على البهجة. وتوازي بين ناصر السياسي والمهندس الثقافي. يؤكد الخشاب أن الكوميديا مسألة جادة، وأن فن المهندس يحمل قدرا عظيما من الجدية. تشكل وعيه الثقافي مخزنا للبوح والإسقاط والتلميح في تعبير عن عصر كامل وكان تفوقه في الإذاعة والسينما والمسرح والتلفزيون معتمدا على الاقتباس من المحتل الذي تقاومه شخصياته، اقتبس المهندس فكرة القرين وطوعها في أعماله.

ويأتي الفنان المهندس وسطا بين عملاقي الكوميديا في مصر والوطن العربي نجيب الريحاني وعادل إمام ناجحا من خلال أعماله في هندسة المجتمع اجتماعيا وثقافيا في مجال الفكاهة.

وليوضح مدى أهمية تجربة الفنان اعتمد الخشاب على مبدأ التأويل، مؤكدا على مبدأ لا وعي الفنان أي أنه في اللاوعي يقيم بناء فيلمه وشخصياته على صورة الزعيم في لا وعي المواطن. كل هذا يدلل عليه الخشاب بالتعامل مع الكوميديا بجدية واحترام.

وشغلت الكوميديا وفن المهندس وليد الخشاب وحركت ما وصفه بأنه تأملات حول فن المهندس وتفاعله مع التاريخ.

وفي سؤاله المعنون لماذا المهندس اليوم؟ منطلقا من فرضية أساسية وهي أن الكوميديا تتمتع بحرية لا تسمح بها الرقابة الرسمية والذاتية في حالة الإنتاج الثقافي الجاد غير الكوميدي. فمن خلال الكوميديا يمكن تمرير بعض النقد أو كثيره عبر النكتة والإيفيه. يقدم الخشاب في كتابه ما يشبه البحث التاريخي من حيث اندماج التاريخ الفني للفنان مع التاريخ الوطني والسياسي العام.

ويذكر الكاتب رجوعا إلى تاريخ ميلاد الفنان أن وعي المهندس كفنان وكشاب بدأ مع تفتح البلاد لحركة إصلاحية تحديثية هي ثورة 1952.

كما ركز المؤلف على فكرة اللاوعي في السينما الكوميدية عند المهندس وأثبت بالتجربة أنه مازال إلى يومنا هذا صاحب أكبر جماهيرية بين أبناء جيله، الهنيدي ومحمد عوض وحتى عبدالمنعم مدبولي، وأنه في الذاكرة مازال حيا ومتألقا. ومتميز في الإذاعة والمسرح والسينما والتلفزيون.

ويعمد الخشاب إلى تفسير أفلام المهندس- وهو ينسبها إليه على طريقة جموع المشاهدين- ونقرأ له جملة، وحتى لا نسرف في التأويل.. وهذه الخشية من الإسراف تأتي بعد أن دلل على تفسيره بالوصف وعقد المقارنات بين مسيرة النجم المهندس والزعيم ناصر ومصادفة ميلاده قبل الزعيم بعام واحد ومصادفة شهر سبتمبر الذي رحلا فيه معا. ليصل إلى نتيجة تثبت كيف لعب المهندس دورا مميزا عبر موجات الإذاعة وعبر خشبة المسرح وعلى شاشة السينما، ليمحوا آثار الهزيمة منذ يونيو 1967 بتعبير الخطاب الرسمي في الستينات.

 

فنان يستدعي الرموز للإضحاك

فنان يستدعي الرموز للإضحاك

 

سأقفز عبر صفحات الكتاب الدسم لأصل إلى فصل يفسر فيه المؤلف هذا الدور بشكل لا واع مع فيلم “فيفا زالاطا” الذي يصفه بأنه فيلم رعاة بقر عربي، حيث الإسقاط المباشر بين شخصية زلاطا حامي الفقراء وبين الزعيم ناصر المدافع عن بسطاء المصريين وعن الشعوب الواقعة تحت نير الاستعمار.

كما يتنبأ الفيلم أيضا، طبقا لتحليل الخشاب، برواية أنصار السادات عن تفضيل السلام الساداتي فهل أسرف في التأويل حقا؟

وللتدليل على ما ذهب إليه لجأ الخشاب إلى تحليل مشاهد الفيلم التي جرت بين متولي/ المهندس، وبين بيلي ذا كيد/ حسين فهمي الذي يكشف أن الكاوبوي المصري اختار السلام لأن رجاله لا يجيدون استخدام السلاح.

ويعود الخشاب ليؤكد أنه لا يقصد أن زلاطا يمثل ناصر ولكنه يستلهم نموذج قائد حركة التحرير الوطني في العالم الثالث.

وعند تحليل فيلم “إنت اللي قتلت بابايا” تم استدعاء الأبوة الرمزية للبطلين اللذين يجمعهما اليتم، لذلك الأب الذي يظنه الجميع مقتولا، ويأتي قرارهما بأن يبحثا معا عن أبيهما وهما يهتفان آه يا بابانا، ويستمر الخشاب في تأويله دون مبالغة ويؤكد فرضيته عن التوازي بين صورة الأب وصورة الزعيم ثم تأزم هذه الصورة بسبب غيابه الرمزي وينتهي الفيلم باكنشاف أن الأب لم يمت بل ظل كالإله لا تدركه الأعين والأبصار. وفيما يشبه الخاتمة يقول هكذا كانت أفلام التهريج الجميل بعد هزيمة 1967.

أجد الكتاب إضافة للمكتبة السينمائية التي انتعشت في مصر في السنوات الأخيرة وخاصة عن نجوم فن السينما الذين أسعدوا الملايين بأعمالهم الجادة حتى لو كانت في صيغة الكوميديا.

 

الفنان فؤاد المهندس يتوسط عملاقي الكوميديا نجيب الريحاني وعادل إمام ناجحا من خلال أعماله في هندسة المجتمع

مصدر الخبر
العرب

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.