تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

موسكو وبكّين تقطفان فرصتهما: «حيادٌ منحاز» إلى الفلسطينيين

مصدر الصورة
الأخبار اللبنانية

يفتح تمنّع روسيا والصين عن إدانة حركة «حماس» جرّاء عملية «طوفان الأقصى»، وإلقاؤهما اللوم على سياسة الغرب الداعمة لإسرائيل، بالتسبُّب في التصعيد المتواصل في قطاع غزة، الباب واسعاً على مشهد متغيّر في الشرق الأوسط، وفي التفاعلات الإقليمية والدولية المحيطة به. ولعلّ الموقف المستجدّ من جانب كلتا الدولتَين، وهو أقرب ما يكون إلى «حيادية منحازة إلى الفلسطينيين» ، وفقاً لتوصيف دوائر إسرائيلية، ورغم كونه منسجماً مع معايير «القانون الدولي»، ومتّسقاً بالقدْر نفسه مع مقتضيات «التضامن» التقليدي الذي طبع سياسات موسكو وبكين إزاء حركات التحرّر الوطني طوال عقود، ولكنه يبدو، في واقع الأمر، مرتبطاً، من جهة، بحسابات روسيا في حرب أوكرانيا، لناحية الأمل بإثقال كاهل بلدان «الناتو» بفاتورة دعم باهظة موازية تَشغلها عن مساندة كييف.

ومن جهة أخرى، بطموحات الصين صعبة المنال، وربّما شبه المستحيلة، لإرساء ما تسمّيه «الاستقرار الإقليمي» و«التنمية»، ضمن آليات بديلة للرعاية الأميركية ترى أنه آن الأوان لتفعيلها، وفي صلبها «مبادرة الحزام والطريق» الاقتصادية، المترافقة مع مبادرات سياسية كالتقارب السعودي - الإيراني الذي رعته بكّين، و«المؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط» الذي تصرّ عليه، وذلك بما يتلاءم مع دورها ومكانتها، وبما يفيد «الجمهورية الشيوعية» في «تحييد» حلفاء واشنطن عن الانجرار خلفها، في حال أُعيد «السيناريو الأوكراني» على أرض تايوان.

وفيما بدا الاكتفاء بالإعراب عن القلق من تفجُّر «دوامة عنف» في المنطقة، علامة فارقة في الموقف الذي عبّر عنه الكرملين ووزارة الخارجية الروسية، يظلّ التقاطع بين موسكو وبكين حاسماً، حتى اللحظة، في ما يخصّ التمسّك بـ«حلّ الدولتَين»، والميل إلى تحميل تل أبيب، أسوةً بداعميها الأميركيين، مسؤولية المراوحة في ما يسمّى «عمليّة السلام». وجاء إعلان وزارة الخارجية الصينية، في الساعات الماضية، إيفاد مبعوثها الديبلوماسي الخاص بشؤون الشرق الأوسط، جاي جون، في جولة إقليمية الأسبوع المقبل، بهدف إجراء محادثات مع الأطراف الفاعلة في المنطقة حول سبل وقف التصعيد، كصورة من صور إعادة الإحياء لـ«مبادرة النقاط الخمس» الصينية لتسوية القضيّة الفلسطينية. وكان جون التقى، قبل أيام، ممثّلي «جامعة الدول العربية» في بلاده، وبلّغهم عزمها العمل على استئناف «عمليّة السلام»، إضافةً إلى إجرائه اتّصالات بالجانبَين الفلسطيني والمصري، وكذلك الإسرائيلي، في إطار حثّه الأطراف المعنيّة على وقف إطلاق النار، وإيصال مساعدات إنسانية إلى القطاع المحاصَر.

وسبق ذلك تأكيدُ وزير الخارجية، وانغ يي، في محادثات هاتفية مع نظيره السعودي، فيصل بن فرحان، أن «تصرّفات إسرائيل تجاوزت حدود الدفاع عن النفس»، وتنديده بـ«سياسة العقاب الجماعي» في حقّ الشعب الفلسطيني، بوصفها انتهاكاً للمبادئ الأساسية لـ«القانون الدولي». وفي تصريح آخر، أشار يي إلى أن تجدّد الصراع في غزة، أَثبت مجدّداً أن «حلّ القضيّة الفلسطينية يكمن في استئناف محادثات سلام جدّية في أسرع وقت ممكن، والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني».

وإذا كانت مبادرة بكين المشار إليها، منذ إطلاقها في عام 2003، وإضفاء تعديلات متلاحقة عليها، قد اصطدمت لسنوات خلت بعدد من العراقيل أبرزها الحضور الأميركي القوي في المنطقة، واختلال موازين القوى الفادح لمصلحة الإسرائيليين، فإن أحداث غزة الأخيرة، المتزامنة مع انكفاء أميركي ملحوظ، توازياً مع اتّساع حجم المصالح الاقتصادية والروابط السياسية للصينيين مع دول المنطقة، وما تراه بكين انسياقاً من جانب تل أبيب في الحملة الغربية ضدّها في قضيّة الأويغور، تؤسّس لتغيير في تلك الموازين لمصلحة الجانب الفلسطيني، وتغيير المعادلة الإقليمية في الشرق الأوسط.

ينصّ مشروع القرار الروسي بصورة أساسية على وقف إطلاق النار في غزة، وتوفير ممرّ آمن لدخول المساعدات الإنسانية


وفي مقابل ما يُشاع حول نيّة البرازيل تقديم مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي حول التطوّرات في غزة، يحمل إشارات إدانة صريحة لعملية «حماس»، كان فريق البعثة الروسية الدائمة في المجلس قد أنهى، يوم الجمعة الماضي، توزيع مشروع قرار مقابل على الهيئة الأممية، مبدياً، في الوقت ذاته، انفتاحه على مناقشة نصّ المشروع مع الأعضاء الآخرين. علماً أنه، وخلافاً للمقترح الذي تعتزم البرازيل تقديمه، لا يتطرّق المشروع الروسي بصورة سلبية مباشرة إلى حركة المقاومة الفلسطينية. ويأتي ذلك في ظلّ مواصلة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، «ديبلوماسيته الشرقية»، بعد كشف السفير الفلسطيني لدى روسيا، عبد الحفيظ نوفل، عن زيارة مرتقبة لعباس إلى موسكو، لم يُحدّد موعدها بعد من جانب الكرملين. وكان «أبو مازن» قد زار، في حزيران الماضي، العاصمة الصينية، والتقى الرئيس شي جين بينغ، في وقت كان يستعدّ فيه الأخير إلى لقاء مرتقب مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في الشهر الجاري، قبل أن يحتلّ العدوان على غزة الصدارة على سلّم الأولويات لقادة كيان الاحتلال.
وإذ لا موعد محدّد بعد لعقد جلسة التصويت على المشروع الروسي، في انتظار تبلور مواقف الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي حياله، وإبداء ملاحظاتها عليه، فالجدير ذكره، أن هذا المشروع، الذي وُزّع في جلسة مشاورات مغلقة للمجلس انعقدت بناءً على طلب البرازيل بصفتها رئيسته للشهر الجاري، جاء بعد نحو أسبوع من إخفاق أعضائه في جلسة سابقة في إصدار قرار أو بيان حول تطوّرات الأوضاع في غزة، وذلك على وقع إصرار الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، على إدانة «حماس»، وتوفير دعم غير مشروط لإسرائيل داخل أروقة الأمم المتحدة في عدوانها المتواصل ضدّ الفلسطينيين. وهو أمر رفضه أعضاء آخرون في المجلس، وفي طليعتهم روسيا، لأسباب لا تزال تصرّ عليها الأخيرة، جوهرها السعي إلى إيجاد إجماع أوسع بين هؤلاء الأعضاء حول جملة نقاط متّصلة بوقف فوري لإطلاق النار، والدفع بتسوية جدّية للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وفقاً لمرجعيات التسوية الدولية، عوض التركيز على إدانة «حماس».

ولم يكن مستغرَباً أن تسارع الصين، بعد الجلسة المذكورة، وفي معرض التساوق مع موقف روسيا، إلى انتقاد غياب الإجماع بين أعضاء مجلس الأمن حول هذه المسألة، حيث كال الديبلوماسيون الصينيون انتقادات لاذعة لتل أبيب، بالتوازي مع مناخ عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي داخل بكين، جارى الموقف الرسمي، ودلّل على حالة الاستنكار العارم للجرائم الإسرائيلية.
كذلك، جرى التداول بتسريبات في خصوص مشروع القرار المقترح روسيّاً، تفيد بأنه ينصّ بصورة أساسية على وقف إطلاق النار في غزة، وتوفير ممرّ آمن لدخول المساعدات الإنسانية، إضافةً إلى إيلاء الأهميّة لملفّ الأسرى، وإدانة «الإرهاب»، مع الدعوة إلى تسوية «سلمية» للصراع داخل الأراضي المحتلّة.

ووفقاً لمحلّلين، فإن هذه «الانتفاضة» الديبلوماسية الروسية في وجه كيان الاحتلال، تحمل دلالات حول مدى تنامي علاقات موسكو مع طهران وحلفائها في «محور المقاومة»، بخاصّة على المستوى العسكري، وإحباط الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من نهج «صديقه»، نتنياهو، حيال حرب أوكرانيا، على وقْع تقارير حول ضغوط أميركية على تل أبيب لتزخيم دعمها لكييف.

ومع هذا، لا يمكن الجزم على أيّ نحو بأن روسيا في صدد الإقلاع عن تأييد «اللازمة» التي لا ينفكّ الغرب يردّدها حول «حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، والتنديد بقتل «المدنيين المسالمين»، وهو ما جاء في تصريحات للسفير الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نابينزيا. لكن ما استرعى الانتباه في حديثه، هو استنكاره ترويج الإعلام الغربي لرواية منحازة لحساب طرف واحد، تقوم على مزاعم مهاجمة «إرهابيين» فلسطينيين لـ«مدنيين» إسرائيليين، مؤكداً أن الغرب يتجاهل جانباً ممّا سمّاه «مأساة ذات وجهَين». أيضاً، لم يوفّر الديبلوماسي الروسي واشنطن من سهام نقده المباشر، إذ أشار إلى أن الولايات المتحدة عرقلت عمل الوسطاء الدوليين في الشرق الأوسط، بهدف فرْض أجندتها الخاصّة القائمة على تطبيع اقتصادي بين العرب والإسرائيليين، من دون إيجاد حلّ للصراع، في إشارة إلى تجاهل «اتفاق أوسلو» القائم على أساس دولة فلسطينية على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

مصدر الخبر
الأخبار اللبنانية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.