تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

بنات"النّور"في سورية..يحلمن أن يصبحن سارية السواس

"نحن بنات النور محرومين من أشياء عديدة...." جملةٌ قالتها "تونس" وصمتت... سحبت الدخان من سيجارتها... أعادت رأسها إلى الخلف وتنهدت طويلاً...

دقائق من الصمت الذي انتقل إلى جميع من في الغرفة ... بدأت بعدها "تونس" ذات العشرين عاماً والمشهورة في الملاهي الليلية في منطقة معربا قرب دمشق بـ"الفنانة أحلام" برواية قصتها لنا قائلة:"ما الذي علي أن أحكيه لكم، عيشتنا عذاب بعذاب، الناس يعتقدون أننا مرتاحون لعملنا بالملاهي الليلية لكن عملنا هم بهم ليس إلا!!!".
 
قصة لقائنا بـ"تونس" بدأت عندما كنا نسأل عن عنوانٍ في حي تشرين على أطراف مدينة دمشق، ودخلت مع أخواتها "جزائر، وسوريا" لتغيير أجهزة الموبايل التي يحملونها...
كانوا يرتدون الكثير من الألوان، وتفوح منهم رائحة عطر من نوعٍ خاص، ويتكلمن بلغة غريبة فيما بينهم، مما دفعنا إلى الاستفسار من البائع الذ ي أخبرنا أن الأخوات الثلاث هم من عشائر النور التي بدأت تغزو الحي منذ مدة وبكثرة، كما منطقة برزة القريبة من الحي، والذين قدموا من مناطق حمص وريفها وقرروا الاستقرار عوضاً عن حياة التنقل التي يعيشونها، وأنهم يعملون بالرقص في الملاهي الليلية.
فضولنا دفعنا إلى التحدث معهم، في البداية رفضن التعامل معنا لكن عندما أخبرهم البائع أننا من الصحافة ظنوا أننا نريد أن نصور لهم "فيديو كليب" فدعوننا إلى منزلهم....
وينقسم النور على عدة انواع "القرباط، الرياس، الحجيات"، وتتم التفرقة بينهم حسب المهن التي يقومون بها، إذ يعمل القرباط في صناعة الأسنان والسكاكين والغرابيل وهم يعتمدون على عمل الرجال وأغلبهم يسكن في محافظات حلب وإدلب وريفيهما، أما الرياس فهم يسكنون في محافظات الساحل وريفها وحمص وحماه وكانوا يعرفون سابقا بأعمال النصب والسرقة والشحاذة لكنهم اليوم يعملون في بيع الحلي اليدوية أو العمل في الأراضي الزراعية إضافة إلى الطبل والزمر وهنا تعمل المرأة والرجل في هذا المجتمع ولكل مهامه، أما بالنسبة للحجيات فإنهن من النور الذين يمتهنون الرقص للتعيش وتكون المرأة هي المعيل الأساس في الأسرة لذلك فسلطتها أكبر ضمن العائلة فهي من تصرف على المعيشة ويكتفي الرجل بمرافقتها إلى مكان عملها، ولقد كانوا يقيمون في خيم متنقلة حول مدينة حمص وريفها أما اليم فمعظمهم يعمل في الملاهي الليلية في مدينة دمشق، فيما استقر الأغنياء منهم حي التجارة الراقي في دمشق.
قبلنا الدعوة إلى منزل الأخوات اللواتي سماهن والدهن تيمناً بالدول العربية، أو كما قالت الأم إنه أطلق عليهن هذه الأسماء ليرضي الرجال العرب الذين كانوا يترددون على خيمتهم لرؤيتها ترقص!!!
كانت الساعة السابعة مساءً تقريباً دخلت الفتاة لإيقاظ ما تبقى من أخواتها ليشاركن في العرض الفني كي يصبحن مشهورات، جلسنا في الغرفة الأخرى، بدأ الأطفال يتكاثروا في الغرفة حتى وصل عددهم إلى أكثر من عشرة أولاد صغار من أخوانٍ لـ"تونس" وأبناء أخواتها...
وبعد لحظاتٍ من الصمت المتكرر بدأت بسرد قصتها... أخبرتنا أنها تنتمي إلى عشيرة من عشائر النور المقيمة في سوريا، وأنها كما جميع أقرانها من بني عرقها يعملن في الرقص في الملاهي الليلية، وأنها يومها يبدأ الساعة السابعة مساءً تستيقظ وتجهز نفسها لتغادر إلى الملهى مع أخواتها الساعة الثانية عشر ليلاً تبدأ بالرقص او المشي حول حلبة الرقص، حتى تجد "زبوناً" يطلب أن تجلس معه، ممكن أن يعطيها مالاً أو يسهر معها كل الليل ثم تعود إلى المنزل الساعة السادسة صباحاً تنام إلى المساء وهكذا دواليك.....
هنا دخلت أختها "رهام" التي قاطعتنا بشيء من السخط:" النور عيشتهم صعبة، نحن لا نتزوج وتنتهي حياة الشقاء لدينا، بل ننتقل من الرقص عند الأب والأخ للرقص عند الزوج، لقد تزوجت منذ أربعة سنين لكن زوجي لم يمنعني عن الرقص بل كان يأخذني إلى الملهى هو لذلك عدت إلى منزل أهلي بعد أن دخل السجن كي أرقص وأنفع أبي وإخواتي أفضل فأنا هنا أرقص وهنا أرقص لم يتغير شي بل زادت هموهمي مع ولدين"
هنا تدخلت الأم مبتسمةً لتظهر أسنانها الذهبية وقالت" كل بناتي يرقصون في الملاهي، لدي سبعة وأحلام ستصبح مطربة عما قريب، يعني نحن معشر النور ليس بيدنا أي كار آخر ولا نعرف عمل أي شيء آخر، مكتوب علينا أن نعمل ليلاً وننام نهاراً، أنا تركت العمل منذ فترة بعد أن أصبحت كبيرة ودخلت بعامي الخامس والأربعين، يعني نحن في مجتمعنا الرجل لا يعمل بل الناساء هكذا تربينا ونحن نحافظ على سمعتنا إينما ذهبنا".
قاطعت "أحلام" أمها قائلة" أبي وإخوتي أشخاص مساكين لا يقدرون على العمل بحثوا كثيراً لكنهم لم يجدوا عملنا يعيلنا نحن 14 ولد وأولاد أختي 2 فكيف سيتحملون تكاليفنا؟" وتابعت أتمنى لو لم أولد عند النور، لو لا أعمل بهذا العمل، لكني أكمل كي اصبح مشهور لعل الحظ يحالفني واصبح مشهورة مثل سارية السواس أو غيرها من مطربات النور اللواتي اشتهرن واصبحن معروفات".
هنا تتدخل الأخت الصغرى "جزائر" وتقول:"أنا أتمنى أن أصل لشهرة سارية حتى أشعر أن هناك نتيجة من عملي، فنحن سمعتنا ليست جيدة ولا أحد يرضى الزواج بنا مع أننا لا نشتغل بالدعارة وأبونا أو أخونا هو من يرافقنا إلى الملهى كل ليلة، ونحن لا نقدم للزبائن أي خدمات خاصة، وإذا أراد رؤيتنا يأتي إلى المنزل أمام أعين أهلنا، لكن السمعة السيئة تلاحقنا جيلا بعد جيل، مما يضطرنا إلى الاستمرار بهذا العمل".
هنا تتابع "أحلام" نحن فتيات النور لا نستطيع أن نحلم بأن نكون كباقي الفتيات، محرومون من الحب، من الحياة الطبيعية، والله أتمنى لو كنت أعمل بالخياطة أو أي عمل آخر على هذا العمل، لكن لا أحد يشغل الفتيات من عرقنا، لأن السمعة السيئة ملتصقة بنا، ولا نرتاح حتى إذا تزوجنا لأن الزوج سيكون من عشيرتنا وسيتابع اصطحابنا إلى الملهى ليلاً، أحياناً أشعر بالسخط من والدي وأخوتي الشباب لكني أعرف أن ليس بيدهم حيلة، لذلك ما علي سوى أن أتمنى أن أصبح مشهورة ولقد بدأت الغناء فعلاً منذ فترة علني أستطيع أن أقدم بعض المساعدة لأهلي.
شكرنا الفتيات وقررنا أن ننهي الزيارة لكننا اضطررنا إلى مشاهدة عرض لرقصهن لأننا نقوم بإجراء تجربة أداء حسب ما اعتقدن... لكن العرض لم يدم سوى نصف ساعة لأنهم تلقوا خبر إصابة إخيهم بحادث سيارة ونقله إلى العناية المشددة مما اضطرهن للإسراع!!!!
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.