تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

مواطنـون: بعض مراكز توزيع الغاز بؤرة خلل وسبب رفــع سـعر الأسطوانـة إلى 1500 ليرة

مصدر الصورة
تشرين

محطة أخبار سورية


باتت طوابير المواطنين المنتظرة على مراكز توزيع الغاز أمراً مألوفاً في الآونة الأخيرة علّ الحظ يسعفهم في الحصول على إحدى الأسطوانات المخصصة للاستخدام المنزلي كيلا يضطروا للجوء إلى بدائل

 

 قدمها وزير النفط في مؤتمره الأخير بعد دعوته الشهيرة لاستخدام الحطب والكاز لمعالجة مشكلة نقص الغاز، ما شكّل ردة فعل عكسية أدت إلى زيادة الطلب على هذه المادة الأساسية خاصة في ظل صعوبة استعمال خيارات كهذه في المدن، إلا أن وزارتنا الميمونة لم تنتظر حتى يتعرف المواطنون على مقترحاتها حتى فاجأتهم بإصدار قرار خفض وزن عبوة الغاز، الذي يعد وسيلة غير مباشرة لزيادة سعرها علماً أنه لم يكن قد مضى على رفع سعر عبوة الغاز وقت طويل، وهنا نطرح تساؤلاً نضعه برسم الجهات المعنية، إذا كان نقص الغاز سبب الأزمة الحاصلة حسب تصريحات مسؤولينا أليس الأجدى إيجاد آليات تنظم عمليات توزيع الغاز بعيداً عن الفساد والمحسوبية العامل الأبرز في نشاط السوق السوداء بدل إصدار قرارات ارتجالية يدفع المواطن ضريبتها يومياً؟.

فساد علني

تتسم مراكز توزيع الغاز عموماً بسوء تنظيم عمليات التوزيع القائمة على نظرية «خيار وفقوس» حسب المبلغ المدفوع والمناصب الوظيفية الرفيعة بينما ينتظر المواطن العادي ساعات طويلة على مدار أيام عديدة دون التمكن من الحصول على عبوة واحدة، والتي قد يضطرون إلى شرائها من السوق السوداء بأسعار مضاعفة، ففي مركز القابون راقبنا كيفية توزيع الغاز على مدار ساعتين تقريباً كانت الفوضى والمحسوبية عنوانه الأبرز، حيث أكد أبو مصطفى ذو الخمسين عاماً اضطراره للقدوم إلى هذا المركز بهدف الحصول على اسطوانة غاز بعد خلو منزله منها إلا أن عمره الكبير لم يشفع له عند القائمين على التوزيع على الرغم من وجود الإيصال بحوزته بسبب دخول الواسطة على خط التوزيع.

يتفق معه أحمد سليمان قائلاً: يعد مركز القابون لتوزيع الغاز شأنه شأن أغلبية مراكز توزيع الغاز بؤرة خلل من الدرجة الأولى، إذ لا تعتمد الإيصالات في التوزيع باعتبار اسم ذاك الشخص أو ماله يعدان الصك الأكثر تداولاً، حيث يقضي المواطنون البسطاء أوقاتاً طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة في حين يأتي التجار وذوو المقامات الرفيعة لأخذ حصتنا على البارد المستريح، فعمال التوزيع يخصصون لهم كمية محددة من أسطوانات الغاز تفوق حاجتهم وفور وصول سيارات التوزيع تنقل أمام أعيينا إلى خارج المركز ثم يعلن بعد لحظات انتهاء عملية التوزيع بحجة نقص المادة مع معرفتنا الأكيدة بتواجدها لكن كما يقال «لناس وناس». أما علياء عمر فقالت: «الغاز لم يعد لعامة الشعب وإنما أصبح لشرائح محددة كالتجار والأغنياء الذين تصلهم مخصصاتهم إلى منازلهم دون بذل أي عناء بينما تعاني شرائح المجتمع الفقيرة وذوو الدخل المحدود الأمرّين بغية الحصول على عبوة غاز واحدة»، مؤكدة تعرضها للكثير من المواقف المسيئة كالضرب والسرقة في زحمة الطوابير المنتظرة أمام مركز توزيع الغاز، ما أجبرها للتوجه إلى السوق السوداء التي تبيع العبوة بأكثر من 1500 ليرة إلا أن سوء حالتها المادية فرض عليها العودة مجدداً للوقوف أمام أبواب هذه المراكز التي توصد أبوابها أغلب الأحيان بوجه الفقراء.

من جهة أخرى أكد محمد معماري صاحب مطعم صغير يعتمد عليه في كسب عيشه أن المراكز لم تعد توزع أسطوانات الغاز الكبيرة المخصصة للمطاعم، لذا يقصد المركز يومياً لشراء العبوات المخصصة للاستخدام المنزلي بما يمكنه من الاستمرار في إدارة مطعمه وعدم إغلاقه نهائياً. بدورها تساءلت أم فادي لم لا يتم تخصيص أسطوانات محددة لكل عائلة بدل افتعال هذه الأزمة المنتفع منها أصحاب الجيوب الممتلئة، الذين يشترونها بـ450 ليرة ويبيعونها في الحارات بـ1500 -2000 ليرة وسط غياب واضح للأدوات الحكومية الرقابية.

 

تنامي السوق السوداء

توافر مادة الغاز في السوق السوداء يطرح علامات استفهام كثيرة حول تصريحات المسؤولين خاصة في وزارة النفط عن نقص إنتاجها، وعن هذا يتحدث وليد إسماعيل أحد المواطنين المنتظرين أمام مركز توزيع القابون فيقول: «مادة الغاز متوافرة لكن تجار الأزمات يبتكرون كل يوم أساليب متعددة للحصول على مزيد من الأسطوانات وبيعها في السوق السوداء بأسعار مضاعفة إلا أن اللافت للنظر عدم خشيتهم من الأجهزة الرقابية، فمثلاً يلجأ أحد التجار المعروفون من قبل المركز إلى شراء ما أمكن من عبوات الغاز بالسعر النظامي ليبيعها بأكثر من 1500 ليرة في محله الواقع على بعد أمتار قليلة من المركز.

بدوره أشار أحد الموظفين إلى وجود مخصصات للعاملين في دوائر الدولة لكن إجمالاً يحصل أسبوعياً على أكثر من أسطوانة جراء تعامله مع موظف داخل مركز التوزيع بعد أن دفع له مبلغاً أعلى من ثمن العبوة، بينما اعتبر محسن عبود أن مسؤولية انتشار السوق السوداء تقع على عاتق الحكومة، التي يمكنها بكل بساطة إنهاء أزمة الغاز الحاصلة عبر قيام مديري المراكز بتوزيع الغاز عبر دفتر العائلة أو الهوية الشخصية مع تحديد مخصصات لكل عائلة شهرياً دون تمييز بين شخص وآخر.

 

سوء توزيع

لا يمكن نكران تأثير أزمة البلاد الراهنة وتداعياتها الاقتصادية في تضخيم أزمة الغاز خاصة بعد فرض العقوبات الغربية والعربية على الاقتصاد الوطني لكن بالمقابل اتساع السوق السوداء يدل على سوء إدارة هذه الأزمة خاصة في مراكز التوزيع المتهمة في افتعال هذه الأزمة لاعتمادها على المحسوبية والفساد في التوزيع، وهو أمر رفضه مأمون دبس وزيت (مدير مركز التوزيع في القابون) الذي أكد أن أزمة الغاز سببها قلة الإنتاج، إذ تنتج سورية ما بين 25- 30 ألف أسطوانة غاز باليوم بينما تتراوح حاجة المجتمع بين 60-70 ألف أسطوانة، أي إن النقص يعادل النصف تقريباً، ما يتسبب في حرمان الكثير من المواطنين من هذه المادة، وبالتالي تضطر المراكز عند نقص المادة إلى إغلاق أبوابها ريثما يزود المركز بها من جديد، وهو أمر نخبر به المواطنين يومياً لكنهم لا يقتنعون بهذا الكلام ويفضلون كيل الاتهامات لعاملين في المركز، إلا أنه بالمقابل لم يسعه سوى تحميل جزء من المسؤولية للمواطنين، إذ أشار إلى قدوم نفس الأشخاص يومياً إلى المركز بهدف الحصول على مزيد من أسطوانات الغاز من أجل بيعها في السوق السوداء أو تزويد مطاعمهم بها، وقد نظمت مخالفات عديدة في هذا الصدد لكن سرعان ما يكررون ذلك بأساليب جديدة، وفعلاً في أثناء حديثنا معه قدمت أحد السيدات للحصول على هويتها المحجوزة نتيجة مخالفتها المتكررة عبر  إتباعها طرقاً تضمن نيلها مزيداً من العبوات تفوق حاجتها بغية تأمين مستلزمات مطعم يديره زوجها، الذي أرسل زوجته بعد تعرضه لمخالفة مماثلة مع عدد من أفراد أسرته علماً أن السيدة نفسها التقيناها خارج المركز وأكدت مراراً قدومها من أجل تأمين عبوة غاز للاستخدام المنزلي، مضيفاً إن تخصيص أعداد كبيرة من أسطوانات الغاز للجهات الحكومية أثر على تضخيم الأزمة علماً أن بعضها قد يبرر له زيادة مخصصاتها لكن يتوجب على الجهات الأخرى تقدير الوضع الراهن والاقتناع بحاجتها فقط.

تقصير حكومي

سوء توزع مادة الغاز وتسريبها إلى السوق السوداء، التي تستغل حاجة المواطن وتبيعه العبوة بأسعار خيالية استلزم التوجه إلى شركة سادكوب بغية التعرف على حقيقة الوضع والإطلاع على خططها المتبعة في آليات التوزيع إلا أن غياب مدير الشركة حال دون حصولنا على المعلومات المطلوبة مع إبداء مدير مكتبه بعض المرونة في شرح أسباب الأزمة التي أرجعها كما هو متوقع إلى نقص المادة مع تفضيله الإجابة عن أسئلتنا عبر المكتب الصحفي، حيث أخبرتنا المسؤولة عنه بضرورة أخذ موافقة وزير النفط تحديداً وبعد الحصول على الموافقة سيتم إعلامنا وهذا ما لم يحدث حتى الآن.

من جهة أخرى أكد أحد موظفي مديرية حماية المستهلك رفض ذكر اسمه خاصة أن مدير حماية المستهلك كان مكلفاً بمهمة خارج البلاد دون تكليف أي شخص بمسؤولياته، وأن الفوضى الحاصلة في عمليات التوزيع تقع على عاتق الجهات المعنية، المفترض بالقائمين عليها خاصة الوزراء والمديرين النزول إلى الميدان ومراقبة الوضع بما يضمن ضبط المخالفات وقمع المحسوبية والواسطات في التوزيع، فالمواطن لا يهمه عدد المخالفات المضبوطة من قبل دوريات حماية المستهلك، حيث بات هذا الكلام مستهلكاً ولاسيما أنه لا يرتقي إلى مستوى الأزمة الراهنة، التي يتحمل آثارها المواطن بينما يجلس المسؤول وراء مكتبه دون اتخاذ إجراءات ملموسة تنعكس على معيشة المواطن، رافضاً ادعاءات بعض المسؤولين أن أزمة الغاز سببها نقص المادة، فحسب رأيه طالما أنه الغاز متوافر في مراكز التوزيع والسوق السوداء فالمادة موجودة، ما يتطلب إيجاد آليات توزيع فاعلة تضمن إيصال الغاز إلى شرائح المجتمع الفقيرة ومتوسطة الدخل، وهنا يمكن توزيع الغاز عبر مؤسسات التدخل الإيجابي المنتشرة في المحافظات كافة شرط تعاون جهات عديدة كمديريات الاقتصاد ووزارة الإدارة المحلية، حيث يرصد لكل منطقة كمية محددة من الغاز بعد تحديد عدد سكانها ثم يخصص لكل عائلة أسطوانة أو أسطوانتان شهرياً حسب عدد أفرادها.

 

سوء تنظيم

بدوره د. ياسر مشعل (أستاذ في كليةالاقتصاد بدمشق  ) أكد أن أزمة الغاز سببها سوء تنظيم عمليات التوزيع وليس العرض والطلب، مقترحاً توزيع الغاز عبر البطاقة العائلية مع إعطاء كل أسطوانة غاز رقماً متسلسلاً بغية تسهيل عمليات التوزيع وضبطها ومنع استخدام العبوات لأغراض تخريبية، مطالباً الجهات المختصة بالشفافية مع المواطن بهدف كسب ثقته ودفعه للتعاون معه في حل هذه المشكلة أو على الأقل تفهم الوضع القائم ريثما تعود الأمور إلى نصابها الطبيعي.

 

قرار ارتجالي

أصدرت وزارة الاقتصاد والتجارة قراراً يقضي بتخفيض حجم عبوة الغاز، حيث خفضت بموجبه الأسطوانة ذات الوزن 12 كغ إلى 10 كغ وأصبح ثمنها 388 ليرة بدلاً من 400 ليرة والعبوة ذات الوزن 20 كغ أصبحت 16 كغ مع تخفيض سعرها من 670 ليرة إلى 650 ليرة، وعن هذه الزيادة غير المبررة أكد عدنان دخاخني (رئيس جمعية حماية المستهلك بدمشق) أنه مهما كانت مبررات الحكومة لاتخاذ هذا القرار الارتجالي لن تقنع المستهلك المكتوي من ارتفاع الأسعار الجنوني خاصة أن رفع الأسعار في هذه الفترة العصيبة سيترك منعكسات سلبية على معيشية المواطن، إذ سيؤدي ذلك إلى تنامي السوق السوداء وبالتالي ارتفاع سعر عبوة الغاز مجدداً علماً أن زيادة سعرها وصل إلى نسبة مئة في المئة، فمن المعروف أن الدول تلجأ إلى رفع الأسعار بنسب محدودة في الأزمات لكنها بالمقابل تعمد إلى التعويض على المستهلك من خلال زيادة راتبه بغية إيجاد نوع من التوازن بين الدخل الشهري وارتفاع الأسعار، لذا كان قيام الجهات الحكومية برفع سعر أسطوانة الغاز وتخفيض حجمها أمراً خاطئاً بكل المقاييس خاصة أن إصدار القرار تم دون استشارة الجهات المعنية بهموم المواطن ومشاكله كاتحاد العمال والفلاحين وجمعية حماية المستهلك وغيرهم، فمن الضروري الاستماع إلى آراء هذه الجهات بغية تقريب وجهات النظر والتعاون معاً من أجل إيجاد حلول واقعية تعود بالنفع على الوطن والمواطن، آملاً أن تبادر الحكومة القادمة إلى معالجة هذه القضية عبر إصدار قرارات متوازنة وإجراءات سريعة تعيد الأمور إلى سياقها الطبيعي.

 

مسؤوليات حسب الطلب

فشلت وزارة التجارة والاقتصاد في ظل الأزمة الراهنة في ضبط قوانين السوق عبر تركه تحت رحمة تجار الأزمات، لكن باعتبارها الجهة المسؤولة عن تسعير السلع توجهنا إليها بغية الوقوف على مبررات خفض وزن عبوة الغاز في ظل هذه الظروف، إلا أن المثير للاستغراب تبرؤها من مسؤولية إصداره وتحميل وزارة النفط وزر هذا القرار، حيث أكد عماد الأصيل (معاون وزير الاقتصاد) أن وزارة النفط هي المسؤولة عن إصدار هذا القرار، الذي قدمته لوزارة الاقتصاد الحلقة الأخيرة في تسعير المواد من أجل التوقيع عليه حسب القوانين المتبعة، إذ يبدو ظاهرياً أن مديريات الاقتصاد تعد المعنية بإصدار القرارات المتعلقة بتسعير السلع لكن في الحقيقة يوجد جهات عديدة تقف وراء هذه المسألة حسب طبيعة عمل كل وزارة حتى يصل القرار في مرحلته النهائية إلى وزارة الاقتصاد، التي توضع دوماً في الواجهة وتحمل مسؤولية القرارات الخاطئة.

وعند سؤاله عن ضرورة اضطلاع وزارة الاقتصاد بدورها كجهة ترعى حقوق المستهلك عند لحظ تأثير القرارات السلبي على أوضاعه المعيشية أشار إلى أنه لا يحق الاعتراض على القرارات الصادرة من وزارات أخرى خاصة أن القرارات تكون صادرة على مستوى الوزراء وبالتالي يتوجب التنفيذ فقط، وهو أمر استغربته وزارة النفط واعتبرته تهرباً من المسؤولية باعتبار أن وزارة الاقتصاد والتجارة المعني الأول والأخير في تسعير السلع والخدمات مهما كان نوعها.

 

  

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.