تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

باراك أوباما سيزور سورية

مصدر الصورة
الوطن


عنوان هذه الافتتاحية ليس خبراً أو معلومة بل استنتاج لخطاب الرئيس باراك أوباما الذي لم أجد فيه أي خلاف مبدئي أو جوهري أو منهجي مع السياسة السورية ولم أعد أرى أي مبرر للتوتر في العلاقات السورية الأميركية على افتراض أن كل ما كان يقوله أوباما كان «حقيقة» كما أكد في بداية خطابه.

فأوباما يدعو إلى الحوار وإلى حل المشكلات العالقة بالدبلوماسية، وهذا تماماً ما كانت ولا تزال تنادي به سورية منذ حرب الخليج الثانية واحتلال العراق حتى يومنا هذا، وكانت من أول الدول التي طالبت بحوار الأديان كما يطالب الآن باراك أوباما.

سورية -كما أوباما- تطالب بقيام الدولة الفلسطينية وتطالب بحق العودة للاجئين الفلسطينيين الذين تطرق إليهم أوباما دون أن يحدد مصيرهم، وأن تكون القدس الشرقية عاصمة لهذه الدولة التي يريد لها أوباما أن ترى النور.

سورية تدعم مقاومة الشعوب بكل أشكالها لإيمانها بأن من يستسلم للاحتلال إنما يتخلى عن مثل الحرية والكرامة والمساواة، وهي المثل التي كانت أساس الإنسانية وستبقى، وهي المثل ذاتها التي ناضل من أجلها السود في أمريكا وجنوب إفريقية وشعوب أوروبا الشرقية وأندونيسيا كما ذكر الرئيس أوباما.

سورية كانت ولا تزال وستبقى تنادي بالمساواة بين كل الشعوب وكل الأديان وكل الطوائف والأقليات، وبشهادة أكثر من زعيم عالمي ومنظمة دولية فإن سورية تعتبر مثالاً للتعددية الدينية وللعيش المشترك ولحرية المعتقدات، وهي أول من ناشد العالم ليعامل الشعوب سواسية وألا يعلو شعب أو مجموعة من البشر فوق غيرهم لأنها على قناعة بأن ذلك سيبوء بالفشل،

وها هو بالأمس الرئيس أوباما يؤكد هذه النظرية ويدعو العالم إلى تبنيها، وهذا يعني -إن كان أوباما يقول فعلاً الحقيقة- أن الشعب الفلسطيني يجب ألا يكون أقل شأناً من الإسرائيليين الذين يدعمهم أوباما.

وفي الحديث عن الفوقية وحماية الأقليات - وللتذكير فقط - فإن سورية كانت أول من تدخل في لبنان لحماية الموارنة لإيمانها بأن لبنان لا يحيا إلا بتعدديته الطائفية، وتنوعه الديني والثقافي ولكون موارنة لبنان ليسوا دخلاء أو وافدين إلى المنطقة بل لكونهم جزءاً أساسياً من نسيجها الاجتماعي والتاريخي.

أما بخصوص السلاح النووي - فللتذكير أيضاً- فإن سورية كانت من بين أوائل دول العالم التي تطالب بمنع انتشار هذا السلاح وطالبت بشرق أوسط خالٍ من السلاح النووي، وهذا ما لم تلتزم به إسرائيل بدعم من الولايات المتحدة الأميركية، واليوم ومع نداء أوباما والتزام بلاده بالسعي إلى عدم امتلاك أي من الدول للسلاح النووي فإننا نذكّره بضرورة البدء بإسرائيل لكونها الدولة الوحيدة في هذه المنطقة التي تملك هذا السلاح وبعلم الولايات المتحدة الأميركية.

وبالنسبة لموضوع السيادة والحفاظ على الهوية الوطنية والثقافة الخاصة في كل دولة، فننصح الإدارة الأميركية الجديدة أن تعود إلى حقبة احتلال العراق وإلى تصريحات الرئيس بشار الأسد آنذاك التي كانت تؤكد أنه لا يحق لأي دولة في العالم أن تلغي هوية دولة أخرى أو أن تفرض نظاماً للحكم يتعارض مع التقاليد والأعراف المعمول بها في تلك الدولة، فالاحتلال قادر على إسقاط نظام حكم، لكنه غير قادر على إلغاء الشعب والهوية والثقافة والتاريخ.

وسورية كانت أيضاً وأيضاً من بين الدول التي ترفض التدخل في شؤون الغير وتحترم السيادة الوطنية، لا بل تقدسها وترفض الإملاءات وتعتمد الحوار سبيلاً وحيداً لحل المشكلات، وهذا أيضاً ما أكده الرئيس باراك أوباما حين قال: «يجب معالجة مشكلاتنا بواسطة الشراكة».

لن أطيل في موضوع حقوق المرأة والتنمية وتمويل المشاريع المتوسطة والصغيرة للشباب وتعليمهم وتنمية قدراتهم ومواهبهم ومهاراتهم فهذه برامج أطلقتها سورية باكراً لإيمانها - كما الرئيس أوباما- بأن الثروة الحقيقية تكمن في البشر لا فيما تخفيه الأرض من موارد طبيعية.

أراد الرئيس أوباما من خلال خطابه في القاهرة أن يطوي صفحة الماضي ويفتح صفحة جديدة في العلاقات ليس فقط بين الولايات المتحدة والمسلمين، بل أيضاً بين الشعوب كافة مبنية على الشراكة والحوار والمصالح المشتركة، ولا نعتقد أن عاقلاً في العالم بإمكانه أن ينتقد الرئيس أوباما على رؤيته هذه، لكن الصفحة الجديدة تعني أن ننسى الماضي أو كما يقول: «ألا نصبح سجناء لأحداث مضت» أي إن أوباما يطالب بحوار مبني على أساس المساواة بين الدول وبين الشعوب، حوار لا تحكمه الأخطاء السابقة كقانون محاسبة سورية أو محاولات العزل التي ثبت عدم جدواها، هو حوار مبني على المصالح المشتركة.

ومن خلال كلام الرئيس أوباما فلا نرى أي خلاف أو اختلاف في الرأي أو في التوجه، ولذلك أعلن مسبقاً أن أوباما سيزور سورية حتماً حين يدرك أن ما جاء في خطابه هو أساس عمل السياسة السورية منذ عقود وأن كل ما حاولت الإدارة الأميركية السابقة إلصاقه من تهم لدمشق كان باطلاً وبهدف الضغط عليها من أجل أن تذعن لسياسات وصفها أوباما نفسه بالخاطئة..

وأخيراً نقول للرئيس أوباما: تميز خطابكم في القاهرة بالكثير من المصطلحات التي تدعو إلى عالم أكثر إنسانية وأكثر رحمة وأكثر تشاركية، والخلاف مع سورية إن وجد، هو أن سياسة سورية أكثر إنسانية وعدالة من سياسة بلدكم لأنها تنادي أولاً بإنهاء كل أشكال الاحتلال أينما وجدت على هذا الكوكب، كما تنادي برفع الحصار عن غزة، هذا «المعسكر» الكبير الذي لم تزوروه، والقابع تحت حصار جائر يسبب يومياً الموت لعشرات الأطفال والنساء، عوضاً من تحويله إلى حقل تجارب للقنابل المحرمة دولياً التي تزود بلادُكم إسرائيلَ بها، وتنادي ثانياً بإعادة الحقوق لأصحابها وتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي وهي عبارات لم تأتوا على ذكرها،

وكما أن العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل غير قابلة للانكسار فأيضاً دعم العرب وسورية للفلسطينيين ولحقوقهم غير قابل للنقاش، والفلسطينيون وحدهم من يقرر كيف يقاومون الاحتلال ومن واجب العرب دعم قرارهم، فهم أصحاب الأرض وهم من يعانون وهم من يقررون كيف تنتهي المعاناة.

وإلى لقاء قريب في دمشق مهد الحضارات..

 

                                                                                         

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.