تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

القدس تبكي أمة العرب والمسلمين

يقول المواطن العربي: «لا حياة لمن تُنادي» سنوات الغياب العربي تراكمت، وقضايا الأمة تناثرت وتكاثرت وأصبحت متعطشة لتضحياتنا، بينما نحن لا نصبُّ فيها سوى إهمالنا، قد لا يكون العجز إلا وهماً صدقناه، لكن الخروج من دائرة الوهم سيبقى مُتاحاً، وقد لا يكون الضعف إلا حلُماً صدّقه أعداؤنا، لكن عناصر القوة لا تزال متوّافرة، وقد لا يكون الانقسام إلا مرحلة يسهل تجاوزها، لأن عناصر الوحدة والتضامن والأخوة العربية موجودة دائماً في عقولنا.

الأيام الماضية انطوت على خطوتين مهمتين، لقاء الأخوة العربية بين الرئيس بشار الأسد والملك عبد اللـه، وطلب المندوب الليبي في مجلس الأمن عرض تقرير «غولد ستون» على المجلس بعد أن تدحرج خارج مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى شهر آذار من عام 2010، وحسب اعتراف السلطة الفلسطينية القابضة على القرار الفلسطيني فإن محمود عباس «أبو مازن» هو من طلب من سفيره تأجيل التصويت ما أنقذ المجرم الصهيوني من لفّ الحبل حول رقبته وخلصه من إدانة العالم.

قبل أن استرسل في موضوع تقرير «غولدستون» الذي سأعود إليه لاحقاً، أعود إلى لقاء الأسد– عبد اللـه الذي جاء بعد خلافات واجتهادات بفعل الاستغلال والتضليل الاستعماري- الصهيوني لتمزيق العرب وزيادة الصراع بين الأهل والأخوة، والعمل على تحويل قضاياهم إلى سراب، إضافة إلى تمرير خطط الاستسلام في زمن الصمت العربي.

لكن حكمة الشرفاء أسقطت المشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة وبدأت ولادة الحياة تتحرك في الجسد العربي لإخراج الوليد الجديد «التضامن العربي» لحيز الواقع وإثبات وجوده لتحرير أراضيه المحتلة وعدم الخضوع لشبح التقسيم البشري والجغرافي والعودة إلى الجذور والأصول العربية التي تمسكت بالقضية المركزية وكتابة لغة جديدة للإنسان العربي عنوانها الولادة من فوهة الموت، وبعث الأمل من قبور اليأس، وإطفاء نار الفرقة أو الانعزال لكي نُقيم البناء المتين من عناق الحجر فوق الحجر، وعندها فعلاً نكون أصحاب قضية وخير أمة أُخرجت للناس، وأبناء حضارة وفروسية على مر التاريخ.

العدو الإسرائيلي سرق الأرض الفلسطينية، وأراضي عربية أُخرى، وسرق ثرواتها، وسرق الكحل من بين الجفون، وشرد أصحاب البيوت، وقتل الأطفال والشيوخ والنساء، وحاصر الناس والحياة الأمس واليوم والغد، وحول المدن والقرى والبيوت إلى دمار لأن أمة العرب وحكامها كانوا في الغياب تشغلهم الخلافات وتثقل كاهلهم المؤامرات، لذلك كان العدو طليق اليدين في حربه وعدوانه على لبنان وغزة، وخاصة بعد أن حاصر الأمة بعضها بعضاً، وتناست عدوها، وتعلمت لغة غير لغتها.

إن لغة الضاد هي لغة التضحية والصمود، ولغة المقاومة التي تنشر عبق البطولات وتحاصر الأمس الأسود وهزيمته، وزرع أشجار الزيتون والليمون والقمح والورد فوق كل شبر عربي محتل.

لقد أثبتت حرب 2006 في جنوب لبنان، وحرب غزة هاشم أن الإنسان العربي المقاوم لم يعد يحسب حساباً لآلة الحرب والعدوان الإسرائيلي، ولهذا حمل بندقيته، وزنّر خصره ودخل الحرب عاشقاً للأرض والشهادة في سبيل الحق العربي والكرامة العربية.

شريط الذكريات يطول – ويطول- وجاء الوقت للعودة إلى الذات، العودة إلى الأهداف المقدسة وحمايتها وخاصة بعد أن حاصرت قوات الاحتلال الإسرائيلي المسجد الأقصى- وزرع أكبر عدد ممكن من الصهاينة داخل مدينة القدس لتهويدها نهائياً وطرد سكانها.

لا شك في أن لقاء الأسد عبد اللـه سيكون فاتحة خير لعودة الأمة إلى التضامن والوحدة ومقاومة المشروع الصهيوني، وعلينا ألا ننسى أن مدينة السلام، قدس الأقداس أرض الأديان السماوية. أولى القبلتين وثالث الحرمين لن تكون هذه المرة منسية في موقف خادم الحرمين قبل أن تهود ويطرد سكانها وعندها سنندب حظنا ونقول (كان اللـه في العون) القدس تنادي كل الحكام العرب إلى وقف شجاعة والدفاع عنها بكل الوسائل، وألا نسمح أبداً بإقامة الهيكل مكان المسجد الرمز للأمة الإسلامية.

لا شك في أن لقاء الرئيس والملك سيحدث تغييرات مهمة لمصلحة البلدين الشقيقين ولمصلحة الأمة العربية الباحثة عن أمنها وحقوقها ومستقبلها.

نعود إلى تقرير «غولدستون» ونقول بكل وضوح إن السلطة الفلسطينية في رام اللـه سقطت في الامتحان وعليها أن تغادر قاعة المقاطعة بعد أن غاصت طويلاً في بحر التنازلات والتبعية لأميركا وغيرها دون أن تحقق هدفاً يشير إلى نجاحها، فسنوات الحوار الفلسطيني الإسرائيلي الذي طال أمده منذ تم توقيع اتفاق أوسلو وحتى الآن. حان الوقت لمن لعب أدوار الحوار أن يبتعد عن الطريق بعد أن اختلطت الأوراق وتداخلت الأدوار وزادت الخلافات والأسلاك على طريق النضال الفلسطيني الواحد.

إن الحل المنطقي لما وصلت إليه السلطة في رام اللـه هو أن تعترف بأن إشعال الحرائق وتطويق المقاومة،وضرب التضامن الفلسطيني، والاستسلام لأوامر وتعليمات أمريكا وإسرائيل لن تحمي نظاماً أو حكماً أو مختاراً من الحساب مهما أغفل الحقائق وتاه في بحر الظلمات.

أيها الساكتون على ما يجري حولكم خذوا العبرة من صمود شعبكم ورجولة أطفالكم، وعظمة الأمهات والشيوخ في تمسكهم بالأرض والبيت والمستقبل القادم في حماية الينابيع الفلسطينية وفرض وجودها الحضاري والإنساني، لأنها تحمل في أعماقها جذور النصر وأمل الواقع وثمار المستقبل الآتي.

إن جريمة سحب وقرار تأجيل تقرير (غولدستون) من قبل عباس وبطانته السوداء جاء ضربة موجعة للحق الفلسطيني وإهانة للنضال العربي ولطمة قوية على وجه الخانعين والمستسلمين لحكام أميركا وإسرائيل.

إن المبررات التي ساقها عباس وزمرته لا تعفيهم من السؤال والحساب أو العقاب لأن ما جرى في جنيف وقرار (أبو مازن) أنقذ إسرائيل من أهم إدانة كان يمكن أن تطولها، وأدخلت الرعب في نفوس ضباطها وجنودها وقياداتها السياسية والعسكرية، وكما قال أحد الكتاب العرب: «لقد وضعت السلطة نفسها في قفص، إن كل اعتراض صهيوني على سياسة ما من هذه السلطة يفرض أن تتراجع عنه وإلا فقدت مصالحها وفقدت كل ما كسبته شخصياً، ولذا باتت سياستها مضادة للمصلحة الوطنية».

وبعد: إن من وقف خلف جريمة إيقاف تقرير «غولدستون» بات معروفاً ولا يحتاج إلى كشف المجرم الذي دافع عن مجرمي الحرب الصهاينة من العقاب وإبعاد حبل المشانق عن رقابهم.

ما يحز في النفس ويؤلم الجسد أن يكون رئيس السلطة الفلسطينية هو من يحمي القتلة الإسرائيليين متناسياً شهداء غزة ودمار غزة وحصارها.. ولكن مع كل هذا هناك أسماء سجلت بمداد من الذهب في تاريخ الأمة، وهناك أسماء ظلت خارج سطور التاريخ وكتبت على نفسها الذل والاحتقار، إن قدر الرجال المناضلين مثل قدر النسور في السماء حيث الحرية، وقدر الأشجار التي لا تنحني، وهكذا كان أبطال غزة النسور التي واجهت الوحوش وانتصرت عليها لأنهم حماة الأرض والمقدسات والساهرون على كل حبة تراب من أرض فلسطين وأرض العرب. وهكذا هم أبناء القدس المدافعون عن بيت المقدس.

بقي أن أقول الأمل في تضامن العرب هو الطريق الصحيح إلى تحرير الأرض ومحاصرة العدوان، وكل خلاف بين العرب سوف يؤدي بالأمة إلى خيارات صعبة.

فيا أيها الصامت، ويا أيها الخائف أو المتقاعس وطنك وأمتك في خطر فإما أن تكون مع شعبك وإما أن ترحل لأننا شعب أراد الحياة لذلك اختار المقاومة.

مازن النقيب   

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.