تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

سورية مركزلصنع القرار عربيا واقليميا

 

 
منذ أن وصل الرئيس بشار الأسد إلى الحكم في سورية، واصل إتباع سياسة إقليمية ودولية لافتة ومميزة، تقوم على رفض الضغوط وعدم التنازل عن الثوابت والانفتاح على الجوار. ورغم الضغوط والحصار والعزلة التي حاول البعض بمساندة قسم من الغرب فرضها على سورية، إلا أن هذا البلد تمكن من الصمود والانطلاق إلى موقع أقوى وأكثر استقراراً.
وعملت السياسة السورية على "فكفكة وحلحلة" العقد المحيطة بها، دون التخلي عن الثوابت السورية المعروفة. وباستعراض بعض المحطات الهامة، نجد أن أول إنجاز إستراتيجي هو تحويل العلاقة مع تركيا ـ التي كادت أن تصل قبل عشر سنوات إلى مرحلة الحرب ـ إلى علاقة تعاون وتكامل إستراتيجي وصلت إلى حد فتح الحدود وإلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين، وغدت مثالا يحتذى به بين الدول.
وفي كلمة له على مدرج جامعة دمشق في 11/10/2005، رفض الرئيس بشار الأسد تهديدات الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة جورج بوش وقرر الصمود في وجه التحديات والضغوط، وهو ما أكسبه وبلاده احتراماً شعبياً عربياً ودولياً، وهو ما عزز صمود المقاومة في جنوب لبنان وقطاع غزة. وقد ترجم هذا الصمود نصرا على إسرائيل في حربها على لبنان في تموز عام 2006، وفي خسارتها الحرب على قطاع غزة العام الماضي، وتحول قادتها إلى مطاردين عبر المحاكم الدولية كمجرمي حرب. وهو ما أكسب الموقف السوري مزيداً من الرسوخ والمنعة.
هذا الصمود عززه العلاقة الإستراتيجية الثابتة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية والتي حاول الكثيرون فصل عراها تحت مغريات عديدة حيناً، وتهديدات أخرى حيناً آخر. وهذه العلاقة ما تزال مستمرة منذ قيام الثورة الإيرانية وتأييدها للقضايا العربية ولاسيما القضية الفلسطينية.
وساهم في تعزيز الموقف السوري، الحربُ التي شنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على العراق، والتي كشفت زيف ادعاءات الإدارة الأمريكية السابقة بأنها تحمل الديمقراطية إلى الشرق الأوسط. فقد تبيّن سريعا أن هدفها الحقيقي هو السيطرة على البترول العراقي وأنها مزقت العراق وشردت شعبه وأفقرته، وهو ما ساهم في يقظة الشعب السوري والتفافه حول قيادته التي لم تخيّبه.
وعندما حاول الأعداء ليّ ذراع سورية من الجهة اللبنانية، سارع الرئيس الأسد الى اتخاذ قراره التاريخي بسحب الجيش السوري من لبنان رغم المغريات التي وضعت أمامه للدخول في لعبة إقليمية لاتخدم قضايا الأمة. وتحمّلت سورية عاصفة سياسية وإعلامية غير مسبوقة، أعقبت اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، شارك فيها لبنانيون وعرب ودول إقليمية وعالمية. وتعاملت سورية مع كل هذه الحملات بهدوء وتأن ورباطة جأش وتخطت كل الاتهامات التي حاول الآخرون إلصاقها بها. وعملت سورية على النأي بنفسها عن الشأن اللبناني الداخلي، مع الحفاظ على علاقاتها المميزة مع أصدقائها اللبنانيين وفي مقدمتهم الرئيس اللبناني ميشال سليمان. وأكدت سورية أن صدرها يتسع لكل العروبيين في لبنان، وتعالت على  جراحها رغم آلامها.
ومع مرور الوقت أثبتت سورية قوتها ومناعتها في وجه ما يحاك لها . وهو ما دعا الأطراف الدولية إلى إعادة النظر بمواقفها من سورية  مجدداً. وكان وصول الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى الإليزيه بداية حقبة جديدة من العلاقات السورية ـ الفرنسية والأوروبية. وعندما وصلت الإدارة الأمريكية الديمقراطية الجديدة برئاسة باراك أوباما، أدركت غباء وعقم سياسة الإدارة السابقة، وبأنه لا يمكن حل قضايا المنطقة دون سورية صاحبة الدور المحوري، التي أثبتت أنها جزء من الحل وليست جزءاً من المشكلة.
أما مع الأردن، فقد شهدت العلاقات بين البلدين تطورا ملحوظاً وجرى العمل على حل المشاكل العالقة بما يخدم علاقات الجانبين ويطوّرها ويدعمها. وهذه العلاقات تسير الآن بشكل طبيعي وتتقدم يوماً بعد يوم.
وفي الشأن السوري العراقي، ورغم ما تحملته سورية من  نتائج سلبية نتيجة الحرب على العراق واستقبالها مئات الالآف من الفارين واللاجئين العراقيين منذ العام 2003، وحتى اليوم، ورغم محاولة دمشق تخطي العقبات التي كانت تحكم علاقات البلدين أثناء حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين، فقد فاجأت الحكومة العراقية قبل شهرين، وبعد زيارة رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي لدمشق مباشرة، سورية باتهامات مفبركة أصبحت معروفة الغايات، اختلف السّاسة العراقيون أنفسهم بشأنها ورفضها معظمهم. ولا يبدو ان العلاقات السورية العراقية سوف تستقر قبل أن يستقر العراق ذاته، وقبل أن يقدِّم بعض الحكام العراقيين المصالح العراقية الوطنية على المصالح الشخصية.
فما الذي تقوم به، وتسعى إليه سورية؟
قبل أيام عقدت القمة السورية ـ السعودية في دمشق في ظل أفاق جديدة، وعلى أسس متينة، وهو ما يبشر بعودة التنسيق العربي ـ العربي، والعربي الإقليمي قريباً. وقبلها عقدت قمة سورية إيرانية، وسورية تركية، وما زالت دمشق تستقبل يومياً وأسبوعياً مسؤولين أوروبيين وأمريكيين وعرباً..
ما تسعى إليه سورية اليوم هو إيجاد منطقة شرق أوسط جديدة خالية من الحروب، تقوم على المصالح المتبادلة، وإنهاء الاحتلال وإزالة الخلافات والتعاون لما فيه مصلحة الشعوب. ولذلك طالبت بانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة وإعادة الحقوق لاصحابها، لأنه لا يمكن قيام السلام وتحقيق الاستقرار في ظل احتلال الأراضي والهيمنة. وأيّدت سورية التقارب التركي الأرميني، ووحدة العراق، وأكدت على ضرورة تخليص منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل
سورية لا تكسب صديقا لتخسر آخر. إن سورية لا تنظر إلى العلاقات السورية الإيرانية، والسورية التركية نظرة ضيقة أنانية، بل تضع هذه العلاقات في خدمة الجانب العربي وتدعوه إلى الاستفادة من الدور السوري لتحسين العلاقات مع إيران وتركيا، والمساعدة على إيجاد أوسع تفاهم مشترك بين هذه الأطراف، والتركيز على العدو المشترك الحقيقي وهو إسرائيل. وفي هذا الإطار، نلاحظ بوضوح كبير التزامن اللافت في الصعود المستمر في العلاقات السورية التركية في مقابل الانحدار المستمر في العلاقات التركية الإسرائيلية بعد التصرفات الإسرائيلية الحمقاء في قطاع غزة وغيرها.
إن عودة للوراء قليلاً، وتذكّر ما قالته سورية منذ عشر سنوات وحتى الآن، وما قاله الآخرون يؤكد بما لايدع مجالا للشك بأن ما قامت به سورية كان صواباً وأن الرؤية الإستراتيجية السورية كانت ثاقبة، وأن السياسة السورية لاتقوم على العلاقات الظرفية والانفعالية.
وسورية المستقرة، التي تسير بخطوات رصينة على صعيد التطور الداخلي والخارجي، إنما تدعو الأشقاء العرب إلى النظر إلى المصالح العربية بعين عربية واسعة، وليس التمسك بمكتسبات شكلية أو آنية، أو التقوقع ضمن حدود إقليمية لا تخدم القضايا العربية والقومية. وفي هذا السياق، فإنه يجب الاستفادة من التعاون السوري مع دول الجوار الإقليمي لبناء منظومة إقليمية تؤمن الاستقرار والأمن الإقليمي ويكون لها وزنها الدولي، خاصة وأن دول الإقليم تمتلك الموقع الإستراتيجي والنفط والخبرات والخزان البشري ومختلف أنواع الطاقات التي يمكن ويجب الاستفادة منها وتسخيرها لازدهار المنطقة. 

                                                                                                                                                                      بديع عفيف

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.