تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الدبلوماسية الإسرائيلية بين تجميل الصورة وحقيقة التوجهات

 

 
تناقلت وسائل الإعلام خلال اليومين الماضيين أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته اليميني المتطرف أفيغدور ليبرمان أوجدا مناخاً من الإرباك داخل الجسم الدبلوماسي الإسرائيلي بسبب تصريحاتهما المتناقضة حول عملية التسوية في المنطقة. وأشارت وسائل الإعلام إلى أنّ العديد من السفراء، الذين شاركوا في مؤتمر السفراء والدبلوماسيين الذي عقد الأسبوع الماضي في القدس المحتلة، أكدوا أنهم خرجوا من المؤتمر «مرتبكين بسبب الرسائل المتناقضة التي ألقاها ليبرمان ونتنياهو».
لماذا الإرباك الدبلوماسي الإسرائيلي؟ وما هي أسبابه؟ وهل هناك حقاً اختلاف بين توجهات نتنياهو ووزير خارجيته؟
لاشك بان إسرائيل تعيش أزمة تناقضات منذ فترة طويلة، قد تعود بدايتها الفعلية إلى مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، بسبب الفجوة بين الأهداف الحقيقية للسياسة الإسرائيلية التي تهدف إلى التوسع وقضم المزيد من الأراضي العربية وضمها وفرض هيمنتها على محيطها، وبين السعي إلى الحفاظ على صورة إسرائيل الديمقراطية المسكينة التي تعيش في محيط معاد دوله غير ديمقراطية، وتكريس هذه الصورة التي بدأت تهتز في العقدين الأخيرين وتغيرت الى حد ما بعد عدوان غزة .
لقد نظّر نتنياهو لتسويق "إسرائيل الديمقراطية" مستغلاً ما يُعرف في الغرب بنظرية السلام الديمقراطي وهي نظرية يدّعي أصحابها أن الدول الديمقراطية لا تتصارع فيما بينها ولكنها تتصارع مع الدول غير الديمقراطية. ولكن هذا الأمر لم يعد ينطلي على العالم بعد انتشار وسائل الإعلام وتطور آليات العمل الاعلامي الذي سيطرت عليه اسرائيل لعقود طويلة  وعدم قدرة المسؤولين الإسرائيليين على إخفاء حقيقة الكيان المحتل أكثر من ذلك. وفضح الإعلام العالمي الهمجية الإسرائيلية في الحرب على غزة العام الماضي وقبلها في الحرب على لبنان، وعرّى الحصار والانتهاكات الإسرائيلية على الشعب الأعزل، وهو ما ساهم في تحول الرأي العام العالمي باتجاه فهمٍ أكثر توازناً وموضوعية تجاه قضايا المنطقة عموماً والقضية الفلسطينية والسلام في الشرق الأوسط خصوصاً.
وبالعودة إلى مؤتمر مدريد للسلام واستمرار العملية السلمية رغم دخولها غيبوبة طويلة، فإن رفض إسرائيل التعامل الجدّي مع هذه العملية وعدم رغبتها في تلبية مستحقات السلام العادل والشامل، مقابل إصرار الجانب العربي ـ ولاسيما سورية ـ على أنه يريد هذا السلام وفق الشرعية الدولية والقرارات الدولية، كل هذا كشف للعالم أجمع حقيقة المواقف الإسرائيلية الرافضة للسلام والقائمة على الهيمنة والتوسع والاحتلال والخداع.
وقد حاول القادة الإسرائيليون في السنوات التي تلت مؤتمر مدريد خداع العالم بأنهم يريدون السلام، ولكن هامش المناورة ضاق إلى الحد الذي انكشفت فيه الألاعيب الإسرائيلية وسقطت ورقة التوت كاملة.
لقد أصبح التناقض ممجوجاً ومربكاً بين سعي القادة الإسرائيليين للحفاظ على التفوق العسكري الإسرائيلي على المحيط الجيوسياسي وبين دعوات للسلام لم يعد أحد يصدقها ولاسيما بعدما نكث هؤلاء بكل الوعود التي أطلقوها. ومع تولي أشخاص مثل اليميني المتطرف أفيغدور ليبرمان المعروف بعدائه للسلام وزارة الخارجية الإسرائيلية، كان من الطبيعي أن يحدث الإرباك في السياسة الخارجية الإسرائيلية.
وسائل الإعلام نقلت أن ليبرمان تحدث مع سفرائه لمدة عشرين دقيقة، من دون أن يمنحهم فرصة طرح الأسئلة والملاحظات، ما أثار غضب الدبلوماسيين. وقال عدد من السفراء إنهم أصيبوا بخيبة أمل كبيرة، معتبرين أن وزارة الخارجية تتدهور، لأن جميع الرسائل كانت سلبية ولا توجد أي خطوة بناءة تقودها وزارة الخارجية.
أما نتنياهو، فإنه يموّه بإعلان رغبته في تحقيق السلام ويدعو إلى استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، ولكن من دون شروط مسبقة، ومن دون القدس التي هي  بزعمه عاصمة إسرائيل الأبدية، ومن دون عودة اللاجئين إلى أرضهم، فأي سلام وأي مفاوضات يتحدث عنها عندما حسم نتائجها قبل أن تبدأ. وإذا ما قبل الطرف الفلسطيني العودة للمفاوضات على هذه الأرضية فعلى ماذا سيفاوض!؟
كذلك يطرح نتنياهو شروطاً مشابهة مع السوريين، وهو يعلم جيداً ما هو ثمن السلام مع سورية، ويعلم أن السوريين لن "يذعنوا" لشروطه ولذلك فإن عملية السلام استمرت عدة سنوات وستستمر في غيبوبة لا يعلم أحد نهايتها.
أمر آخر يربك السياسات الخارجية الإسرائيلية وإن التقى القادة في الحفاظ على الكيان القائم، وهو الحسابات الداخلية الإسرائيلية لهم وللأحزاب، سواء الانتخابية أو المكاسب الوزارية أو المحافظة على أحجام الكتل النيابية. بكلام آخر، فإن نتنياهو وليبرمان يأخذان في الاعتبار تأثير السياسة الخارجية على وزنهم ومكانتهم الداخلية؛ وفيما يحاول ليبرمان التغطية على فضائح الفساد التي تلاحقه وتهدد بمحاكمته باستعراضات وتشدد غير منطقي وغير مفهوم ، يسعى نتنياهو لتثبيت مكانته السياسية زعيماً بلا منازع. وهو سعى في الفترة السابقة لشق حزب كاديما المعارض الذي يشكل الخطر الحقيقي عليه، فيما يترنح حزب العمل متراجعاً برئاسة وزير الحرب إيهود بارك.
لم تعد إسرائيل قادرة على تضليل المجتمع العالمي أبعد من الآن، ورائحة العفن والمجازر التي ترتكبها بحق العرب والفساد والفوضى التي تعيش فيها و تسببها تزكم أنوف أقرب حلفائها وتنفرهم قبل غيرهم. لقد أصبحت إسرائيل مصدر الشغب في الشرق الأوسط، الاقليم  المتفجر منذ عقود طويلة. وأصبحت السياسات الإسرائيلية عبئاً على أقرب حلفائها، وتحديداً الولايات المتحدة، التي بدأت تدرك أن الكثيرين في العالم ولاسيما في الدول العربية والإسلامية يكرهونها بسبب دعمها المستمر والمنحاز لإسرائيل.
وفي هذا السياق، نعتقد ان على بعض العرب عدم مساعدة اسرائيل  على تحسين صورتها عبر الدخول معها بمفاوضات عقيمة غير محددة الأهداف وغير محدوة بسقف زمني، لا تقود إلى شيء بل تمنحها شرعية وتعطيها الغطاء للاستمرار في سياساتها التوسعية لقضم الأرض العربية.
ولابد من التأكيد ان إسرائيل، وفي ظل ظروفها الحالية، لن تجنح إلى السلام، بل على العكس، فقد تقوم بشن حرب هوجاء في أكثر من اتجاه، لقلب الأوضاع القائمة ومحاولة تغيير موازين القوى وفرض حقائق جديدة على الارض والخروج من مأزقها الحالي، وهو ما على العرب الانتباه إليه جيداً وأخذ الاحتياطات اللازمة لمواجهته.
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.