تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

قمة للثقافة العربية.. أفكار ومقترحات

 

تسارعت في القرن الواحد والعشرين مسيرة العمل العربي المشترك التي كانت بدأت ببرتوكول الاسكندرية ومؤتمر بلودان وتأسيس جامعة الدول العربية عام 1945، فبعد عقود من عدم الانتظام قررت القمة العربية في القاهرة عام 2000 جعل القمة العربية دورية تعقد كل عام مداورة بين الدول العربية مرتبة بحسب أحرف الهجاء العربي.
ولما كانت المواضيع السياسية هي الأساسية على جداول أعمال القمم العربية التي عقدت حتى الآن، ثم جرى التفكير بعقد قمة عربية متخصصة بـ (الشأن الاقتصادي العربي)، وتم الاتفاق على ذلك وعقدت أول قمة من هذا النوع في دولة الكويت في 19-1-2009.
وبما يتفق مع هذا السياق في تطور العمل العربي المشترك على مستوى القمة، فإن الدعوة إلى عقد قمة للثقافة العربية هي الخطوة المنطقية التالية في مسيرة تطوير العمل العربي المشترك، خاصة وأن القمة العربية العادية (20) في دمشق عام 2008 كانت أول قمة عربية تتناول الشأن الثقافي بشكل صريح ومباشر في بند اللغة العربية من بيانها الختامي.
ومن الأسباب الموجبة لعقد قمة عربية خاصة بالثقافة:
1- تعتبر الثقافة اليوم مقوماً أساسياً من مقومات التنمية البشرية المستدامة في مفهومها الشامل. حيث أن الثقافة العربية بمختلف بمختلف أشكالها وتلاوينها وتنوعها وغناها مصدر إلهام رئيسي وقوة الدفع الأساسية لكل تنمية إنسانية سواء أكانت اقتصادية أو تكنولوجية أو حضارية.
2- في ضوء التطور التكنولوجي والمعرفي والاتصالاتي الموجود اليوم عالمياً وخاصة مع حالة العولمة المتوحشة المنفلتة من عقالها التي تجتاح العالم منذ تسعينيات القرن المنصرم، أصبحت الثقافات القومية للشعوب في حالة دفاع عن النفس وإثبات الذات، ولا تستثنى الثقافة العربية عن هذا الأمر، بل هي مطالبة بأكثر من ذلك استعادة دورها الريادي كإحدى أهم الحضارات التي ساهمت في تشكل الثقافة الإنسانية، وإحدى حواضن المعرفة البشرية.
3- عطفاً على ما قلناه في السبب الثاني فإن التاريخ المجيد للثقافة العربية لا يعكسه الحال التي وصلت إليه هذه الثقافة اليوم، فبحسب الإحصاءات الحديثة التي تدرس مؤشرين أساسيين لحال ثقافة ما هما عدد الكتب المطبوع سنوياً وعدد دقائق القراءة خارج المنهاج المدرسي أو الحاجة الوظيفية نجد أن المنتوج الثقافي المطبوع للعالم العربي خلال القرن العشرين يعادل ما تطبعه دولة أوروبية متوسطة سنوياً، وأن عدد ساعات القراءة سنوياً للمواطن العربي لا يتعدى الست دقائق، والخروج من هذا الحال الثقافي بحاجة إلى التزام وجهد وعمل حكومي دؤوب ومستمر وعلى مستوى أعلى من المستويات الحالية.
4- في معركة الوعي التي تواجهها أمتنا العربية اليوم ضد العدو الصهيوني وقوى التكفير والتطرف، تعد الساحة الثقافية هي ساحة النزال الرئيسية، وإن نشر ثقافة المقاومة والمواجهة ومجابهة التحديات وثقافة قبول الآخر والحوار والعيش المشترك هي أساس متين لنهضة عربية جديدة في مواجهة محاولات نشر ثقافة الخضوع والخنوع والاستسلام، وثقافة التشدد والانغلاق والتعصب لإرساء ثقافة من نوع واحد.


ومن الأفكار التي يمكن أن تصلح بنوداً في جدول أعمال هذه القمة:
1- وضع آليات عمل عربي مشترك في جميع المجالات الثقافية: (التعليم، وحركة التأليف والترجمة والنشر، والمعلوماتية، والإعلام، والإبداع بمختلف تجلياته)، وكذلك الحفاظ على اللغة العربية وتعميم استخدامها والسعي لتطويرها.
2- السعي لتنسيق عمل المؤسسات الثقافية الحكومية مع القطاع الثقافي المدني والمنظمات الثقافية غير الحكومية وإطلاق مبادرات ثقافية مشتركة، وتقديم الدعم الرسمي العربي للمبادرات الثقافية غير الحكومية مثل مبادرة (خذ الكتاب بقوة) التي أطلقها اتحاد الناشرين السوريين لدعم وتعزيز عادة القراءة ودعم صناعة النشر والتوزيع، باعتبار الكتاب هو المنتوج الثقافي الأهم والمعبر.
3- في المجال المالي فإن التنسيق بين المؤسسات والمبادرات العربية الثقافية سواء أكانت رسمية أو غير حكومية وعدم تضارب هذه المبادرات أو تكرارها، وإن وجود إرادة ودعم سياسي على مستوى القمة يسمح بإطلاق مشاريع ثقافية كبيرة على غرار المشاريع الاقتصادية العملاقة مثل خط الغاز العربي والربط السككي، ويسمح بانتقال وتنقل الكتاب العربي بيسر وسهولة بين الدول العربية.
4- التركيز على اللغة العربية وتعليمها وانتشارها وتطويرها بما يتناسب مع متطلبات العصر والتقدم العلمي الحاصل حاليا، فوجود لهجات عربية متعددة ولغات أخرى ينطق بها سكان العالم العربي وضرورة الاطلاع وتشجيع تعلم اللغات الأجنبية الحية لا ينفي كون اللغة العربية الفصحى السهلة والمفهومة هي الوعاء الحضاري الأهم في المنطقة.  
إن مستوى العمل العربي المشترك على الصعيد الثقافي والمتمثل بالاجتماعات الدورية ضمن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) واتحادات الكتاب العرب واتحادات الناشرين المحلية والعربية والعديد من روابط الشعر والرواية والقصة... أصبحت اليوم غير كافية لمواجهة التحديات الجديدة والمتجددة للثقافة العربية أو لإطلاق نهضة ثقافية عربية ولا بد من قمة عربية ثقافية لتحقيق هذه الغايات وإقرارها ورصط النفقات المالية لها، وتشكيل هيئة عليا للإشراف على تنفيذ نشاطاتها تكون مسؤولة أمام مؤسسة القمة العربية التي تعقد دورياً كل عام.
ونختم بما قاله أمين عام جامعة الدول العربية السيد عمرو موسى: «حان الوقت الآن لاجتماع على مستوى عال في موضوع الثقافة لإعطاء الدفعة السياسية اللازمة لنشاط ثقافي يقر فيه الكل بأنه موضوع حيوي وليس موضوعاً ثانوياً، وانه لا يقل أهمية عن البنود الخاصة بالتنمية الاقتصادية أو تلك الخاصة بعلاج المشكلات السياسية».

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.