تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

اجتث العراق وبقي البعثيون

 

أدركت واشنطن أن النظام الطائفي في بغداد أصبح واقعاً. لكنه يحتاج إلى بعض الجهد لتكريس التوازنات بين مكوناته، قبل تنفيذ خطة سحب جيشها العام المقبل. توازنات كلف بإرسائها جو بايدن، السيناتور صاحب مشروع تقسيم العراق، قبل أن يصبح نائباً للرئيس. أصبح الرجل خبيراً في تسوية الخلافات بين المتصارعين على الحصص والنفوذ. أعطى الأكراد ضمانات فوافقوا على قانون الانتخابات. تدخّل في الوقت المناسب فنزع فتيل أزمة كادت تعيد السّنّة «المعتدلين» إلى صفوف المقاومة. طلب من شيعة الحكم عدم المضي في تنفيذ قرار هيئة «المساءلة والعدالة» وتأجيل اجتثاث البعث فلبوا طلبه.
 
لكن لمَ هذا الحرص الأميركي على البعث؟
 
الواقع أن معظم المستبعدين من المشاركة في الانتخابات بتهمة الانتماء إلى البعث أثبتوا حرصهم على العمل السياسي طوال السنوات الماضية. بعضهم ساهم في تهدئة «التمرد» السّنّي وفي تغيير اتجاهات بعض العشائر والشرائح العلمانية من النظام الجديد. أصبحت مشاركتهم في الحكم مطلوبة من أجل التوازن بين «المكونات»، خصوصاً أنهم لم يعودوا يشكلون خطراً على السياسة الأميركية، في العراق ولا خارجه. عروبتهم التي حاربتهم الولايات المتحدة من أجلها أصبحت مقطوعة عن جذورها التي عرفناها مع البعث، بأيديولوجيته وتوجهاته وطموحاته. لا تشكل خطراً على أحد، لكنها ضمانة لعدم وقوع العراق كله تحت النفوذ الإيراني. فما زال لدى هذه الفئة من العراقيين بعض من حس قومي في مقابل الانتماء الديني أو المذهبي أو العرقي العابر للحدود في اتجاه الشرق.
 
هذا التوازن الدقيق الذي تسعى إليه واشنطن في العراق، وأرست أسسه، لا تريد له أن يختل باستبعاد فئة أثبتت جدواها في تركيبة النظام. نظام قلق أشبه بالنموذج اللبناني في تقسيم الحصص بين الطوائف والمذاهب. يكفيها أنه سيبقى في خطر وفي حاجة إليها وإلى بايدن الحالي أو من يعين في منصبه مستقبلاً. تستخدمه حين تشاء. تشعل حروبه الأهلية الكامنة حين تخدم مصالحها. هو «مقر وممر» لها إلى الخليج ومحيطه.
 
حين طرح بايدن مشروعه لتقسيم العراق لم يكن يحلم بأكثر مما تحقق خلال السنوات الماضية. الأكراد في حاجة إلى ضماناته. الشيعة في حاجة إلى وساطته. السنّة في حاجة إلى حمايته. اجتث العراق وبقي البعثيون (من دون بعث) في حاجة إلى زياراته لرفع الظلم عنهم.
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.