تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

تركيا قوة التجديد والنجاح في منظومة العلاقات الدولية

يدل لقاء رؤساء ثلاث دول إسلامية مهمة، تركيا وأفغانستان وباكستان، في اسطنبول على وجود رغبة لدى تركيا بلعب دور المركز الجديد للعالم الإسلامي. وما يدعم هذه الرغبة بطريقة غير مباشرة عناصر عدة منها علاقة روسيا مع تركيا، التي تأتي ثانية بعد الاتحاد الأوروبي كأكبر شريك اقتصادي لتركيا (حجم التبادل التجاري السنوي بين البلدين بلغ 25 مليار دولار)، وهناك انتخاب ممثل تركيا رئيساً جديداً للجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، ناهيك عن أن عدد سكان تركيا بلغ 72 مليون نسمة، أي ما يعادل نصف سكان روسيا الاتحادية.

هذه كلها مقومات وعناصر تؤثر مباشرة في قدرة تركيا على لعب دور كبير في الملفات الإقليمية والدولية ويمنحها مكانة مميزة في العالم الإسلامي وفي أوروبا على حد سواء.
 
وفي العودة إلى القمة الثلاثية في تركيا فإن لقاء الرؤساء عبد اللـه غل وآصف زرداري وحامد كرزاي جاء على أبواب مؤتمر لندن الدولي حول الأزمة الأفغانية. ولم تكن مصادفة أن يتم خلال لقاء اسطنبول بحث سبل تأمين مصدر دخل للفلاحين الأفغانيين بديل من زراعتهم للهروئين وتصديره إلى أوروبا والعالم عبر أراضي الدول المجاورة، إذ إن تركيا نظمت أكثر من مرة لقاءات بين الرئيسين الأفغاني والباكستاني على الرغم من توتر العلاقات بينهما، وتحاول أنقرة أن تلعب بصورة عامة دور تنسيق تقديم المساعدات من الدول الإسلامية لحكومة كابول. ولم يكن من السهل على تركيا أن تلعب كل هذه الأدوار دون ما تملكه من إمكانيات اقتصادية وتجارية كبيرة ومتنامية باستمرار. وضعها الاقتصادي سمح للرئيس غل، خلال محادثاته مع زرداري، أن يعلن بدء العمل على إعادة تأهيل خط السكك الحديدية بين إسلام أباد واسطنبول، عبر العاصمة الإيرانية، وهو المشروع الذي تصل تكلفته إلى 20 مليار دولار.
قلة من الدولة تملك القدرة على الحفاظ على علاقات طيبة مع الغرب وروسيا وإيران في آن واحد. وأثبتت الدبلوماسية التركية خلال العام الماضي أنه في العالم الحديث يمكن تحسين العلاقات على كل الاتجاهات، ويمكن بناء صداقة مع الغرب دون إحداث خلل بالعلاقة مع الدول الأخرى. في هذا الشأن نجد الوقائع تتحدث بنفسها: مع بقاء تركيا عضواً في حلف الناتو، أي حليف للولايات المتحدة، وقعت مع سورية العام الماضي اتفاقية إلغاء تأشيرات السفر بين البلدين، مع العلم أن العلاقة بين سورية والولايات المتحدة لم تتغير جذرياً عما كانت عليه في عهد بوش. من جانب آخر لم تنصع تركيا لخطط العرب الهادفة إلى تضييق الخناق على مشاريع الطاقة الروسية، واتفقت مع روسيا، خلال زيارة رئيس حكومتها فلاديمير بوتين لأنقرة العام الماضي، على مد شبكة غاز (سيل الجنوب) الروسية عبر الأجزاء الواقعة تحت السيطرة التركية من البحر الأسود. في الوقت نفسه وافقت تركيا على المشاركة في المشروع الطاقي المنافس لسيل الجنوب، والمعروف باسم (نابوككو) الذي تموله الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. بهذا شعر الجميع – موسكو، واشنطن، بروكسل- بالرضا، وبرهنت الدبلوماسية التركية بذلك أن فرض بعض الأيديولوجيات البديلة على دول أوراسيا ووضعهما أمام خيار (إما نحن وإما روسيا) عمل غير موضوعي ولا يتوافق مع الواقع.
وفي الآونة الأخيرة يُلاحظ توجه تركي نحو تطبيع العلاقات مع أرمينيا لكن دون إحداث خلل بالعلاقة مع الأخ التاريخي (أذربيجان)، وعلى الرغم من تعقيدات الموقف ما زالت الدبلوماسية التركية تسعى إلى تحقيق اختراق في هذا الملف لا يضر بمصلحة أي طرف من الأطراف ويخدم الرغبة التركية في شغل موقع مهم في السياسة الدولية. أخيراً هناك ما لا يمكن تجاهله في السياسة الخارجية التركية، أي العلاقة مع تل أبيب، حيث تبنت تركيا موقفاً حازماً من عملية (الرصاص المسكوب) في غزة، ومن ثم جاء موقفها من تعاطي إسرائيل مع ملف المفاوضات السورية-الإسرائيلية غير المباشرة عبر الوسيط التركي. هنا لم تكترث تركيا لتهديد تل أبيب باستبعادها كوسيط في هذه المحادثات بل تبنت موقفاً يرى أغلبية الخبراء أنه سيقوي وضعها كوسيط نزيه وعادل في المفاوضات مع إسرائيل، تعجز تل أبيب أن تتخلى عنه، حرصاً على العلاقة معه على الأقل.
ذكرت وسائل إعلام غربية أن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا منذ عام 2002 فسّر كل المخاوف التي تحدث عنها كثيرون من استلامه للسلطة. ونجاح هذا الحزب وقياداته نتيجة إيجابية تُسجل بانعكاساتها على منظومة العلاقات الدولية كلها.
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.